الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ازدواجية الاخلاق والمعايير في المجتمع العربي

فهد احمد ابو شمعه

2014 / 10 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الازدواجية بمعنى الكيل بمكيالين اوالجمع بين الضدين بالاخذ بالشيء ونقيضه في آن واحد الازدواجة كمرض اجتماعي وحالة انفصام واعتلال في منطق التحليل الفكري والذهني بتناقض الفكر مع نفسه وبتناقض الفكر مع السلوك .
ان احد اهم الاسباب لتخلف الانسان العربي يكمن في الازدواجية التي يعاني منها فكريا وسلوكيا ويمارسها بوعي منه او بلا وعي ومتغلغلة في كل جوانب حياته ومرتبطة ومتماهية مع منظومة اخلاقية مهترئه ومغلفة بطبقات سميكة من الصدأ تجمع على امتداد قرون جعلت الانسان العربي يعيش حالة من الازدواجية النادرة والمتفردة بين فكره وسلوكه وبين روحه وجسده بين مايعتقد به كمبدأ وبين مايطبقه كسلوك بين مايقوله وبين مايفعله وتمكنت منه هذه الحالة بحيث اصبحت سمة ونهج حياه يمارسه بوعي منه او دون وعي في اغلب الاحيان , وكأنما يعيش بعقلين عقل باطن وعقل ظاهر وهذا التناقض ينتج عنه شخصية مهتزة وغير سوية ومرتبكة ومتناقضة في مواقفها فتجد ان سلوكه في البيت يختلف عنه في الشارع يختلف عنه في مكان العمل ويختلف عنه حين يخلو الى نفسه , فمثلا تجده من المنادين بحقوق المرأة وانصافها وفي الوقت ذاته متعسفا جدا تجاه اهل بيته ودائرته من النساء , وتجده يتغنى بالديمقراطية وحقوق الانسان وفي ذات الوقت يمارس القمع والاستبداد والتعنت في الرأىء ضد ابناءه وافراد عائلته, ويمارس في الوقت ذاته حالة من التملق والنفاق المثير للغثيان تجاه السلطه الاعلى منه - وهكذا المجتمع ككل يعيش حالة من الاستبداد تمارس من الاعلى الى الاسفل وحاله من النفاق والتملق تمارس من الاسفل الى الاعلى - فكل منا مستبد ومستبد به , وتجده ينثر الحكم والمواعظ والايات والاحاديث في كل مناسبة وفي ذات الوقت تجده قد تعدى على ميراث اخته وحرمها منه , وتجده محافظا على صلاة الجماعة في المسجد كنوع من الوجاهة وتلميع الذات والنفاق الاجتماعي ليس الا , وتجده خاشعا في صلاته ومظهرا الوقار والادب والحشمة امام زوجته وافراد عائلته وما ان تتاح له فرصة حتى يهرع الى النت باحثا عن الصور والافلام الجنسية ورأيه في المرأة السافرة انها عوره وشيطان واعوذ بالله منها ولعنة الله عليها ولكنه في اعماقه يشتهيها ويتمناها , وهو يرفض النقد ويرى انه على حق مطلق في كل ما يعتقده او يقوله - هذه الحالة من الازدواجية صورها الاديب الكبير نجيب محفوظ بتفصيل وباسهاب شديد وبمنتهى الحرفية والفنية في روايتة الرائعة (الثلاثية ) في شخصية السيد احمد عبد الجواد -ويمكن رصد الازدواجية في اوجه كثيرة فمثلا حين يتعلق الامر بالنواحي الماديه وحقوق الغير تجد ان المثل والمبادىء التي يدعيها تتلاشى وتتبخر ,ولا يكاد يوجد مشهد من مشاهد حياتنا الا وتجلت فيه الازدواجية احيانا بصوره مستترة واحيانا اخرى بصورة صادمة وبمنتهى الوضوح كازدواجيتنا في التفريق السافر بين الذكر والانثى في جميع النواحي في التعامل والحقوق والواجبات والمسموحات والمحظورات مما لايتسع المجال لحصرها هنا , وما ينسحب على الفرد ينسحب على المجتمع ككل .
وتتجلى الازدواجية بوضوح في نظرتنا كافراد وكمجتمع الى المرأه فكمثال نجد الادب والشعر والغناء العربي يصدح ويتغى ليل نهار بالعواطف والحب والشوق فاذا جاهرت امرأه بحبها تقوم الدنيا عليها وينبذها المجتمع ,
لنأخذ ايضا موضوع الشرف كمثال على هذه الازدواجية , فالشرف هو قيمة اخلاقية عظيمة ويعرف في قواميس اللغة على انه السمو والعلو , ولكن ماذا فعلنا به نحن ؟ انزلناه الى اسفل السافلين فاختزلناه وحصرناه في نصف المرأة السفلي , وتعاملنا معه بازدواجية مقيتة , ان من ابسط قواعد اي قيمة اخلاقية هو ان تسري على الجميع ذكورا واناثا وبمقياس واحد , في المجتمعات العربية يكون جزاء المرأة المرتكبة للفعل الخادش للشرف هو الاحتقار والنبذ وتبرؤ الاهل والمجتمع منها او القتل فحتى في قوانين جميع الدول العربيه تقريبا يأخذ قاتلها- اذا كان من دائرة الاسرة الضيقة - حكما مخففا لا يتجاوز بضعة شهور وقد يأخذ عفوا , اما في حال قيام الرجل لنفس الفعل الخادش للشرف فان الامر مختلف تماما ولا يلحق به اي ضرر بل يصل الامر احيانا الى اعتبار فعله هذا وتعدد علاقاته هو مدعاه للفخر .. فاي ازدواجية تلك .. اذا كان العمل الشائن هو عملا شائنا في كل الاوقات والظروف وسواء كان مرتكبه ذكرا او انثى والخيانة هي الخيانة , فالواجب اذا كان جزاء المرأة هو القتل ان يكون جزاء الرجل هو القتل والصلب ايضا لانه الطرف الموجب والفاعل , فهي حسب ثقافة المجتمع ناقصة عقل ودين وهو الكامل المتكامل الذي لايجب ان يخطيء .
كذلك ازدواجية المجتمع في نظرتة الى المرأه المطلقة حيث الشك والريبة والاحتقار وتضيق الخناق عليها وصعوبة وانعدام فرص الزواج مره اخرى وبالتالي انعدام افق المستقيل امامها ’ فنجد ان نسبة كبيرة جدا من النساء يفضلن ان يرتضين بحياة الذل والقهر والهوان في بيت الزوجية على ان يصبحن مطلقات , اما الرجل المطلق فالنظرة اليه مختلفة تماما تكاد تكون طبيعية مئة بالمئة ويتابع حياته الطبيعية كأن شيئا لم يحدث ويمكنه تكرار الزواج متى شاء بلا اي معوقات ويسمح للرجل المسلم الزواج من المرأة غير المسلمة ولكن لا يسمح للمرأة المسلمة بالزواج من غير المسلم هذه الازدواجية ادت الى عدم تكافؤ فرص الزواج بين الذكر والانثى وبالتالي ساهمت في زيادة تفاقم ظاهرة العنوسة في البلاد العربية .
ان سوء الظن وانعدام الثقه في المرأة لها جذور دينية واجتماعية عميقه في عقلية المجتمع فحواء مازالت رمزا للخطيئة وفق ثقافتنا الدينية وستبقى كذلك الى ان تتصالح الصحراء مع المدينه في داخلنا كما يقول نزار قباني .
هذه الازدواجية في شخصية الانسان العربي لم تأتي من فراغ بل كانت نتاجا حتميا لتراث ثقافي سياسي وديني متناقض عصف به لقرون طويلة وصاغ وعيه ورسم شخصيته على هذا النحو المتناقض دون ان يدع له اي مجال للتأمل والتفكير والتحليل والمقارنة فقد حجرت السياسة على عقله بتابوهاتها الكثيرة وقمعته وكممت فمه وجعلت تفكيره يدور في دائره ضيقة ومحددة رسمتها له لايتجاوزها , فراوح العقل العربي مكانه قرونا طويلة كذلك فعل الدين حين تمت مأسسته وتجييره لصالح السياسة التي عملت على صياغة قوانينه وتشريعاته بطريقة افرغتها من جوهرها ومعانيها الروحية ووظفتها لصالح سلطه حاكمة تارة ومجتمع ذكوري تارة اخرى , مستعينة ومستخدمة في ذلك اقتباسات من نصوص دينية انتزعت في اغلب الحالات من سياقها الزماني والمكاني وحتى اللغوي فالطاعة العمياء للحاكم امر واجب ومقدس , كذلك طاعة المرأة لزوجها امر واجب ومقدس ,,فالحاكم من ( اولي الامر ) وطاعته واجبة في كل الاحوال بامر رباني , فعلى مر التاريخ تمتع الحاكم العربي يصلاحيات حكم مطلقة فاستبد وطغى وصادر الحريات دون رقيب او حسيب وارتدى عباءة الدين فحرم حلالا وحلل حراما , وكل ذلك بنصوص , وعاش وعايش الانسان العربي تلك التناقضات دون ان يجرؤ على فعل شيء مؤثرا الامن والامان , والمرأه (ضلع قصير) وناقصة عقل ودين وهي كزوجة حتى الكذب - المحرم دينا والمذموم اخلاقيا - يجوز عليها , وقد تفنن العقل الذكوري في استتنباط المعاني والاشارات من النصوص الدينة والتراثية الاجتماعية لاخضاع المرأة وامتهانها وفرض الوصاية عليها كونها فاقدة للاهلية ورمزا للخطيئة وناقصة عقل ودين , في تناقض مع خطاب عرفنا من خلاله المرأة كأم والجنة من تحت اقدامها , لنفاجأ بخطاب اخر يخبرنا ان اكثر اهل النار من جنسها , وكله بنصوص , وظل العقل العربي طوال الوقت يدور في رحى النصوص لايخرج منها , ادى ذلك الى تشويه الوعي والى منهجت التناقض والازدواجية في المجتمع .
واترككم مع هذه الابيات التي اخترتها من اشعار نزار قباني :
لماذا نحن مزدوجون احساسا وتفكيرا
لماذا نحن ارضيون نخشى الشمس والنورا
لماذا اهل بلدتنا يمزقهم تناقضهم
ففي ساعات يقظتهم يسبون الضفائر والتنانيرا
وحين الليل يطويهم يضمون التصاويرا
........
وفي قصيدة اخرى :
ساقول لك احبك
عندما ابرأ من حالة الفصام التي تمزقني
واعود شخصا واحدا
ساقولها عندما تتصالح المدينة والصحراء في داخلي
وترحل كل القبائل عن شواطىء دمي
الذي حفره حكماء العالم الثالث فوق جسدي
التي جربتها على مدى ثلاثين عاما
فشوهت ذكورتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل