الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم النفس و مرض السرطان او (( تجربتي مع السرطان ))

سلمان مجيد

2014 / 10 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من بين أكثر العلوم أهتمامآ بألأنسان ككيان من ألأحاسيس و ألمشاعر و ما ينعكس عنها من سلوك هو علم النفس ، و مما يعطي لهذا العلم أهميته ــ ليس فقط ــ مضامين موضوعاته ، بل حتى أسمه او عنوانه يدل على علميته ، فمن دون كثير من العلوم التي يمكن ألأستدلال على علميتها دون ألحاق كلمة ( علم ) اليها ، مثال ذلك الكيمياء و الفيزياء و الفلك الى غير ذلك ، ألا علم النفس فأن أستبعاد كلمة ( علم ) عن علم النفس لا يعطيك ذلك المعنى المتمثل بألنظريات و الدراسات المتعلقة بألصفة العلمية لعلم النفس ، و مما يعطينا و يدلل لنا على اهمية هذا العلم مع انه من العلوم الحديثة التي لايزيد عمرها عن المئتين عامآ ، حيث تعددت فروعه بعدد مجالات الحياة النفسية للبشر ، و من الموضوعات التي أتخذها علم النفس كأحد الموضوعات او الفروع الخاصة به هو ( المرض ) بصورة عامة و مدى تأثيره و تأثره بألحالة النفسية للمريض ، و هناك دراسات عديدة تتعلق بألمرض بصورة عامة تشير الى شفاء حالات مرضية لأسباب غير معروفة ، مع ان العلاج الدوائي او التداخل الطبي السريري قد فشل في ذلك ، أو ان هناك من أصيب بأمراض معينة لاتتعلق بألأسباب المعروفة للأصابة بمثل هذه الأمراض .
خلاصة القول ان الحالة النفسية للمريض لها دور في تسارع شفاء مرض ما او امراض اخرى ، ا وان هذه الحالة قد تكون لها دور في ظهور حالات مرضية مجهولة الأسباب ، و ما أريد أن أتطرق أليه هو ما يتعلق بمرض السرطان الذي يعده البعض ( بمرض العصر ) و الذي يشكل حالة من الرعب الذي ينتاب الكثير من ألأفراد بمجرد التلفظ بأ سمه ، لذلك كثير من ألأشخاص من يحاول أستخدام بعض ألأسماء و الصفات المستعارة للأشارة الى هذا المرض و ذلك كحالة من حالات التطير او التشائم منه ، مع ان العلوم الطبية قد حققت الكثير من النجاحات للحد من خطورة هذا المرض ، و ان هناك حالات مرضية سرطانية عديدة قد حقق الطب نجاحات في شفائها ، أضافة الى ان هناك امراض تعد اكثر خطورة و اكثر فتكآ بألبشر كمرض نقص المناعة ( الأيدز ) و مرض افلاونزا الطيور و احدث تلك الأمراض الفتاكة مرض ( الأيبولا ) مع ان هذه الأمراض ذات خطورة واضحة لقلة الدراسات المتعلقة بها وسرعة انتشارها و الفتك بألبشر ، الا انها لا تشكل تلك الحالة من الرعب عند افراد المجتمع ــ على اقل تقدير بألنسبة للبلدان التي لم ينتشر فيها مثل تلك الأمراض ــ ، على كل حال ما يتعلق بألسرطان و الحالة النفسية التي يكون عليها المريض قد تكون على نوعين : منهم من يرى ان اصابته بهذا المرض هي نهاية مشواره في هذه الدنيا ، و قد يكون هؤلاء على نوعين : منهم من يستسلم الى هذا الشعور ، فتراه ينفصل عن بيئته الأجتماعية حتى في أضيق حلقاتها ، و طبعآ حالة من هذا النوع ليست فقط تدمر حالة التواصل بين المريض و محيطه الأجتماعي و التي يتم التعبير عنها من خلال انعدام المشاركة الوجدانية و مشاعر التعاطف و الألفة ، بل تدمر الحالة البايلوجية لحالة المريض ، حيث يمتد التدمير الى اجهزة الجسم الآخرى غير المصابة ، مما يعجل في تدهور الصحة العامة التي تعمل على استهلاك الطاقة بشكل متسارع ، وهناك من هذا النوع من المصابين ، اي الذين يشعرون بأن حالتهم المرضية ميؤوس منها ، فأنهم يعيشون في حالة من اللامبالات التي تتمثل بتغير طبيعة حياتهم و علاقاتهم الأجتماعية و حتى التخلي عن بعض القيم و الثوابت التي كانت تمثل بألنسبة اليهم ــ قبل الأصابة بألمرض ــ سمة من سمات شخصياتهم التي عرفوا بها ، او انها السمة او السمات التي تميزهم عن الأخرين ، وطبعآ حالة من هكذا نوع ليس فقط تمثل نوعآ من الأرتباك في طبيعة علاقات المريض مع محيطه بل ان محيطه الأجتماعي الذي شكل صورة معينة عن هذا المريض قبل أصابته ، فأن هذا المحيط الأجتماعي سيصاب بنوع من الأرتباك في علاقته مع هذا المريض الذي يجد في هذا الأرتباك في تعامل المحيط اجتماعي معه سببآ في تعقيد حياته الأجتماعية و النفسية مما يؤدي الى تفاقم حالته الصحية نحو الأسوء ، و الأكثر خطورة بألنسبة الى هذا النوع من المصابين بهذا المرض ــ اي الغير مبالين ــ هو أهمالهم الأجراءات الطبية العلاجية ، و معروف أثر مثل هذا النوع من الأهمال الذي سيكون ذا تأثير مباشر سلبآ على الحالة الصحية للمريض .
و النوع الثاني من المصابين بهذا المرض من قد ينطبق عليهم وصف المتفائل او الأصح علميآ الواقعي او الموضوعي في نظرته للأمور و حتى تلك الحالات التي تشكل خطرآ على حياته ، وهؤلاء يتصفون بألأستقرار النفسي و الثبات القيمي لما يؤمنون به ــ قبل اصابتهم بألمرض طبعآ ــ مع ان البعض منهم قد يصاب بنوع من الأرتباك في بداية اكتشافه المرض الذي حل به ، وهذا أمر طبيعي نتيجة لأمرين : ألأول هو ( الصدمة النفسية ) التي يتعرض لها المريض خاصة أن لم يكن له تصور او توقع منه لتعرضه لمثل هذا المرض بهذا الشكل المفاجئ ، و ألأمر الثاني : يعود الى مخزون الذاكرة المجتمعية عن هذا المرض و مخاطره ، والتي يعتبر المرض جزءآ من هذه الذاكرة ، و قد يكون هناك سبب ثالث لهذه الصدمة الأولية و هو عدم معرفة المريض بطبيعة هذا المرض و ما يمكن ان يحدث له بسبه ، و ان هذه الأثار مع أهميتها و خطورتها الا أنها لا تستمر طويلآ عند هذا النوع من المرضى بهذا المرض ــ اي السرطان ــ حيث تعود حياتهم النفسية و الأجتماعية الى ما كانوا عليها قبل الأصابة ، وقد تتحسن حالاتهم تلك الى أفضل مما كانت عليه قبل أصابتهم ، وان هذه الأمور تعود الى عوامل عدة : ذاتية و أخرى موضوعية ، فألذاتية أنما تعتمد على ذات المريض الذي يتميز بألثقافة العامة التي تجعل منه انسانآ يدرك الحياة بكامل ابعادها الأيجابية و السلبية ، و دائمآ يضع نفسه ضمن طرفي هذه المعادلة ، ان لم يصبح عمليآ ضمنها ، فأنه يمارسها من خلال المشاركة الوجدانية مع الأخرين الذين يتعرضون لفعل الحياة في جانبيها السلبي و الأيجابي ، وان مثل هذه القدرة التي يتمتع بها مثل هؤلاء لاتأتي من فراغ بل انها تمثل حصيلة تراكم الخبرة الأجتماعية و العملية التي مر بها ، أما العوامل الموضوعية التي تساعد هؤلاء على استيعاب الصدمة الأولى و العمل على امتصاص زخمها انما يعود الى عوامل رسمية و غير رسمية او حكومية او اجتماعية ، و تمثل تلك العوامل بما يمكن تسميته ( بعوامل الدعم ) و استنادآ الى هذا ستتكون عناصر الدعم من ثلاث مصادر : الأول و الذي اشرت اليه اعلاه وهو ( الدعم الذاتي ) اما الثاني : فيتمثل بألدعم الرسمي او الحكومي ، اما ثالث هذه المصادر هو الدعم ( الأجتماعي )، فألدعم الحكومي و الذي يعزز عملية الأستقرار النفسي لمريض السرطان هو العناية التي توليها الحكومة للمؤسسات الصحية و الطبية من حيث توفير وسائل الكشف عن هذا المرض بوقت مبكر و العمل على علاجه و الحد من خطورته فألمريض عندما تتوفر له القناعة بأن المؤسسات الصحية تقوم بذلك فأنه سيتفاعل مع هذا الأمر بشكل ايجابي مما يعزز قناعته بأن هذا المرض كأي مرض اخر قابل للشفاء نتيجة عمل المؤسسات الصحية ، و عندها ستتحفز كل طاقته النفسية و الروحية على الشفاء او على اقل تقدير الحد من خطرته ، اما الدعم الأجتماعي فأنه اكثر تشعبآ من النوعين السابقين ( الذاتي و الرسمي ) فألدعم الأجتماعي مصادره : الأسرة و المحيط الأوسع منها كأن تكون دائرة المعارف كألأصدقاء و ابناء الحي و قد تكون بعض مؤسسات المجتمع المدني أحدى مصادر الدعم الأجتماعي ، و ان تأثير هذا المصدر يبرز بشكل واضح في المجتمعات التقليدية التي تتميز بسيادة العلاقات الأجتماعية المباشرة ( وجه لوجه ) حيث يشعر المريض و افراد اسرته بذات المشاعر ، مع ان الأثر المباشر يختلف ما هو عند المريض غير الذي هو عند غير المريض ، الا اننا نرى اختلاف في المجتمعات الحديثة عما هو عند المجتمعات التقليدية ، وهذا انما يعود الى طبيعة العلاقات الأجتماعية الدائمة التغير في المجتمعات الحديثة حيث تسود العلاقات الأجتماعية ( الثانوية غير المباشرة ) وهذا لا يعني ان العلاقات الأسرية غائبة ولكنها ــ حتمآ ــ غير التي في المجتمعات التقليدية ، و لحساسية حالة مريض السرطان فأن اي تغير في طبيعة تلك العلاقات فأنه يؤثر سلبآ على حالة المريض النفسية ومن ثم الصحية ، و ما ينطبق على حالة الأسرة كذلك ينطبق على الدائرة الأجتماعية الأوسع و اقصد في ذلك دائرة الأصدقاء و المعارف او الحي ، فأنها تأثرت بما تأثرت به الأسرة من تغير في ضعف العلاقات المباشرة في المجتمعات المعاصرة او الحديثة عما هو عليه في المجتمعات التقليدية ، و ما يمكن ان نعتبره تعويض عما فقده المريض من اهتمام نتيجة التغيرات الأجتماعية ظهور ما يعرف بمؤسسات المجتمع المدني المهتمة بتقديم الدعم النفسي و الأجتماعي و حتى الصحي المباشر الى مريض السرطان ، ففي بعض المجتمعات الحديثة توجد مثل هذه المؤسسات التي تقوم بهذه المهمة ، اما في مجتمعاتنا وما يؤسف له ان مريض السرطان فقد جزءآ من خصائص المجتمعات التقليدية و لم يتوفر له ما هو متوفر في المجتمعات الحديثة من مؤسسات للمجتمع المدني المهتمة بمثل هكذا حالات ، و اني ارى و من خلال تجربتي مع مرض السرطان ان الدعم الأهم هو ( الدعم الذاتي ) المتمثل بألخصائص الذاتية التي يجب ان يتمتع بها مريض السرطان لكي ينجو من هذا المرض الخطير ، ومن تلك الخصائص :
1 ــ الواقعية في النظر للأمور العامة و الخاصة ، بأعتبار ان الحدث الذي لم تكن سببآ في حدوثه ، يجب التعامل معه كأمر واقع .
2 ــ الثقة بألنفس التي لها دور كبير في التأثير ــ ايجابيآ ــ ليس فقط في الحالات النفسية بل الجسدية المادية أيضآ .
3 ــ العمل على توسيع الأفاق المعرفية في مجال الحالة المرضية التي يعاني منها مريض السرطان .
4 ــ العمل على توسيع دائرة التفاعل الأجتماعي للمريض مع الأفراد و الجماعات بصورة مباشرة او غير مباشرة مثال ذلك التوسع في بناء علاقات عبر وسائل التواصل الأجتماعي .
5 ــ تجاوز حالات الرفض التي يتعرض لها المريض من البعض ــ بسبب المرض ــ و اعتبار ذلك الرفض نوع من المكاسب الحيوية على المستوى النفسي و الأجتماعي و التي تعطي للمريض فرصة للتعرف على طبيعة نفوس البشر ، حيث تساعد هذه الحالة المريض على الأختيار السليم للأصدقاء و حتى الأقارب .
6 ــ تقبل كل ما يتطلبه العلاج مهما أحتاج ذلك من صبر و تحمل حتى لو كان أقسى الجراحات ، فألدعم ( الذاتي ) في مثل هكذا حالة مهم جدآ:حيث و انت متمدد على طاولة الجراح و تستسلم لمبضعه فأنك لا تساعد نفسك للشفاء فقط بل تساعد المحيطين بك على مساعدة انفسهم في تهيئتك لعمل الجراح لأسئصال ما اصبح ليس ضروريآ لجسدك ، حيث ينتابك شئ من الشفافية و اختراق حجب نفسك و جسدك لكي تعي ــ حتى وانت تحت التخدير ــ من هم حولك وكيف يتعاملون مع جسدك . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ انتهى .
أتمنى الصحة و العافية للجميع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عنوان مهم لموضوع مهم ..
اّيار ( 2014 / 10 / 15 - 21:54 )
..مع الشكر للسيد الكاتب

اخر الافلام

.. تونس.. كتيبات حول -التربية الجنسية- تثير موجة من الغضب • فرا


.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتفض اعتصام المؤيد




.. بصفقة مع حركة حماس أو بدونها.. نتنياهو مصمم على اجتياح رفح و


.. شاهد ما قاله رياض منصور عن -إخراج الفلسطينيين- من رفح والضفة




.. نتنياهو يؤكد أن عملية رفح ستتم -باتفاق أو بدونه-