الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العيد بين المبدأ العقدي و الوصاية الاجتماعية

خالد الطيبي

2014 / 10 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يحتل عيد الأضحى أو ما يسمى ب"العيد الكبير " محليا مكانة مهمة في الثقافة العربية الإسلامية ، اذ يحتفل المسلمون بهذه المناسبة في العاشر محرم من كل سنة وذلك من خلال مجموعة من المراسم والطقوس من أهمها تهييء الأضحية، وصلاة العيد ثم نحر الأضحية وزيارة الأهل و الأحباب لذلك فالعيد هو فرصة تخيم فيه الأجواء الروحانية الدينية الممزوجة ببعض العادات الممأسسة اجتماعيا في الثقافة المغربية بفعل الحراك السوسيوثقافية ،مما يجعلنا نطرح سؤالا عريضا سؤال فهم لا تموقف يمكن أن نقول فيه ما هي المرجعية التي تحكم سلوك المغاربة في عيد الأضحى ؟ بمعنى هل يتصرفون وفق مبدأ عقدي أم وفق وصاية اجتماعية ؟
عيد الأضحى من الناحية المبدئية هو سنة مؤكدة أمر بها محمد عليه الصلاة والسلام وهي عبادة تقوم على التقرب لله بواسطة أضحية من أنواع الاضاحي الاربعة (غنم،ماعز،ظأن، بقر) كل حسب قدرته الشرائية كما تعد تخليدا للقصة الابراهيمية الواردة في النص القرآني ,والعيد كظاهرة اجتماعية لها ما يبررها في الواقع من مظاهر التوسع والاستمرارية و الالزامية كذلك ، فالعيد فرصة للعمل على فك العزلة عن الفئات والشرائح الاجتماعية المعوزة - اقتصاديا - وإشراكها في التجربة الدينية .
لكن قلما تجد اليوم من هم في حاجة الى أضحية لأنها باتت مفروضة اجتماعيا على الجميع،حتى لو اقتضى الحال بيع الأغراض المنزلية أو الاقتراض من المؤسسة البنكية أو حتى التضحية بنعجة أو ديك كما يفعل البعض لأن المهم هو وجود اللحم،هذه الأنماط السلوكية نابعة من سلطة المجتمع أو ما يسميه ايميل دوركهايم ب"القهر الاجتماعي" ، بل أكثر من ذلك فالأضحية أصبحت فرصة لتأكيد المكانة الاجتماعية فنوع و حجم أو شكل الأضحية وحجم قرونها كفيل بتحديد المكانة الاجتماعية ، فإذا كانت الأضحية تكسب المسلم رضى الله تعالى فان هذه العادات تكسبه سخطه لكن مع أهم شيء وهو رضى المجتمع.
تنحر الأضحية بعد صلاة العيد بالبسملة والتكبير من طرف رب الأسرة في معظم الأحيان ,وذلك وفق مجموعة من الشروط الواردة في السنة النبوية الشريفة (سلامة الأضحية ، عدم حلق شعر البدن ،استقبال القبلة ،استعمال سكين حاد...) كل هذه الطقوس ضرورية لكي تقبل الأضحية ،لكن الى أي حد تؤخذ هذه الشروط بعين الاعتبار في عملية النحر اليوم ؟ ان نحر الأضحية اليوم هي عملية من اختصاص الجزار فقط، فبعد التفاوض على الثمن مع صاحب الأضحية يأخذها وبعد حين يأتي بها مقطعة فينشغل صاحب الأضحية بتحضير اللحم ولا يكترث لتوفر شروط النحر في الجزار فكل ما يستحوذ عليه هو تحضير طبق الكبد أو "بولفاف" كما يسمى محليا ,ليس هذا فحسب بل ان أغلب الناس لا يتصدقون بالثلث كما ورد في النصوص الدينية الاسلامية، بدعوى أن الكل لديه ما يكفي من اللحم ثم انه لا حاجة لاستبدال الغث بالسمين.
لقد أصبح عيد الاضحى أشبه بالمهرجان أو" الكرنفال الشعبي" بتعبير عبد الغني منديب ، للأكل أكثر منه مناسبة دينية حيث تستعرض فيه النسوة حذقهن في اعداد ما لذ وطاب من أنواع الأطباق للمدعوين من الأهل و الأقارب، فتكون هذه التجمعات فرصة لتسوية الخلافات و اعلان الصلح بين الناس ،كل هذا في أجواء من الفرحة السرور,كيف لا واللحم الذي كان الكيلو منه يساوي يوما من العمل الشاق بات اليوم متوفرا بل و في كل الوجبات .
لكل هذه الأسباب يمكن القول أن عيد الأضحى في المجتمع المغربي تحكمه مجموعة من العادات والتقاليد التي فرضتها التحولات السوسيوثقافية و التي تمت شرعنتها و مأسستها اجتماعيا، وبالتالي صارت تتغلغل في الدين الاسلامي وتسمى باسمه ،وبهذه الطريقة كتب لمجموعة من الطقوس الطوطمية والوثنية أن تستمر حتى بعد وصول الدين التوحيدي الى المغرب ,فمن الطوطمية ما تجسده بعض القبائل بشمال المغرب في التعامل مع قلب الأضحية ,حيث يعامل هذا العضو بطريقة خاصة حتى انه لا يؤكل بل يتم دفنه اذ يسود اعتقاد أنه موطن الخير أو الشر لذلك فان أكله قد يجلب لعنته . أما بالنسبة للطقوس الوثنية فإنها تتجسد في شخصية "سبع بو لبطاين" هذه الشخصية الهزلية التي تحدث عنها مجموعة من السوسيولوجيين المغاربة نذكر منهم على سبيل التخصيص لا الحصر الدكتور عبد الهل حمودي في كتابه "الشيخ والمريد"والاستاذ نور الين الزاهي في كتابه "المقدس و المجتمع" الأستاذ عبد الغني منديب في بحثه حول" الدين والمجتمع" ،فحسب فسترمارك " ترجع أصول هذا الطقس الى أعياد الزحل الرومانية الشهيرة و تم الحاقها بالأعياد الاسلامية " كل هذه الطقوس رغم أنها آهلة الى الزوال فإنها تعبر اليوم لا محال عن غربة الواقع الديني في المجتمع المغربي.


ll








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجلة المراسل 01-06-2024 • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حزب الله يعلن قصف بلدتين في شمال إسرائيل وسط تصعيد متواصل




.. تصعيد بجنوب لبنان.. مسيّرات وصواريخ حزب الله تشعل حرائق في ا


.. الانقسام الداخلي في إسرائيل يتفاقم.. ماذا تعني تهديدات بن غف




.. تصاعد المعركة المالية بين الحكومة اليمنية والحوثيين يهدد بان