الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية والشخصية والعلاقة بينهما (الحادثة التاريخية)

سجاد الوزان

2014 / 10 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يستطيع الإنسان أن يستبدل كلمة بكلمة في منطوق ما وبالأخص إذا تغير موقف معين (مثال: ضرب زيدُ عليا، فإذا تغبر الموقف وتمكن علي من زيد نقول: ضرب علي زيدا).
ولكنه من الصعب جداً أن يبدل مفهوما معيناً بآخر، وخصوصاً عندما يرتبط المفهوم بقضية تاريخية، فأغلب الأفراد يبنون مفاهيمهم من التاريخ على يقينيات لا تتقدمها عملية احتمال أو نقض، أو تتبعها عملية تشكيك ورفض، لكونه يعتبر الحادثة الموثقة تاريخياً جرت بمحض الواقع وبعين الحقيقة ذاتها وبنفس المعنى المنقولة فيه .

في حال إن ذلك خطأ جسيم، لأن التاريخ وحوادثه قضايا ضنية النقل في أغلبها، وأغلب منقولاته مسلمات وفقاً للمرسلات، وقطعياته تستلزم الجهد وتحليل موقع ومكان وزمان وظروف الحالة أو القضية وشخصيتها، ومن المؤكد إن لكل قضية تاريخية آثر يجره الزمكان من عصره إلى العصر الذي نقشت فيه الحالة أو القضية من جديد، والمبدأ السببي أو السببية مهمة جداً في التحقق من القضية التاريخية وذلك لأن لكل حادثة آثر والأثر وكلما كان تأثيره يأخذ جانباً طولياً وعرضيا في الواقع كلما كان وجود تلك القضية أكبر وأقوى وأكثر يقينا وأقل ريبة من القضايا الأخرى .

فلا يستطيع أحد أن ينكر وجود هتلر، لعدة ملازمات أبرزها :
1) كون الشخصية مرتبطة بقضية عالمية جرت على الواقع.
2) كون الشخصية قريبة الزمان، وأخذت تتواتر أفعالها ومجريات أفعالها.
3) كون هذه الشخصية ارتبطت بأكثر الحوادث استنهاض للنفس الإنسانية وعواطفها و إجرامها ودكتاتوريتها والهيمنة التي كانت تحملها.

فهنا آثر الحوادث المتتابعة والجوانب التي سارت بها ألزمت توثيقا لوجود الشخصية، وألزمت في نفس الوقت وجوداً للحادثة، ويعتقد إنه وبحسب المبدأ السببي لو غيب أحد المتلاعبين بمجريات التاريخ بحيث حاول محو اسم هتلر منه، فقد نلاحظ وبمرور الزمان غياب كامل للحوادث المرتبطة بهذه الشخصية، وغياب كامل لأفعالها الإجرامية، وهذا جل ما يفعله عباقرة القراء للتاريخ ليغير مجراه باتجاه معين .
كما وإنه ليس باستطاعة أي أحد أن ينفذ لعالم الإنسانية بالتجريد الذي ينزع عنها كل مكتسباتها التي حصلت عليها .

كما ولا يمكننا تعريف الإنسان تعريفا حقيقيا إلا بكونه مشحونا بالتاريخ، لأن إنسان كل عصر هو نتيجة ولو مادية على الأقل للعصر الذي سبقه، وللبيئة التي يعيش فيها.
فقد تكون جريمة التاريخ، هي نفسها جريمة الحاضر، وقد تكون نفس القضية التاريخية قضية عصرية تجر أذيالها من التاريخ نتيجة وجود شخصية هي انعكاس لعصر تاريخ تلك الحادثة والتي لم تستطع التحرر والانفكاك عن تلك الحوادث حتى جعلتها قضية ملازمة لوجود شخصيتها الواقعية، وبدونها لا يمكن أن يكون لها وجود .

وهذا نفسه تقريباً ما يراه بعض الفقهاء والكهنة أو بعض المفكرين الأعتباطيين، فهناك من الفقهاء ما يعتقد إنه لا يمكنه أن يكون فقيها إسلامياً إلا باستخدام وسائل تكفير الملل والديانات الأخرى، وكذا الفقيه الشيعي أو الفقيه السني، فكلٌ منهم يرى إنه لا يستطيع أن يكون فقيها إلا بأن يكون طائفياً لأن الطبقة العامة لكل مذهب قد بنيت تاريخياً بهكذا أيديولوجية وهكذا اعتبار، ولم يستطع حتى الفقيه أن يخرج هو من هذا القيد، ولم تخرج العامة منه.
وهذا نفسه لكهنة المعبد أو الكنيسة، فهو لم يستطع إلا أن يكون كاثوليكياً أو بروستانتياً أو غير ذلك، والقساوسة اليوم لا يختلفون عن بعض الفقهاء الإسلاميين، سوى إن الأول يهتم بأثبات الثالوث المقدس، والآخر يهتم بإثبات الخلافة أو الإمامة، وأما المفكر الأعتباطي فهو يعالج الأعتبارات لانتمائه دون أن يكون مفكر حقيقي، لأنه بحقيقته مؤدلج تاريخياً ومبرمج بالتفكير بصدق عقيدته ومذهبه وديانته على الديانات الأخرى.

كما ويمكن في بعض الأحيان أن تنتج الشخصية قضية على مستوى الواقع، وكلما كانت الشخصية ذات مستويات معرفية عالية كلما كانت القضية التي تنتجها والتي تصاحب وجودها التاريخي والعصري ذات أهمية كبيرة، ووفقاً لهذه الأهمية تنتج نحوها قدسية غير متوقعة من تلك الشخصية التي أنتجتها، وهذا يتكرر في بلداننا أكثر من بلدان العالم الأخرى، لأنا مجتمعاتنا دائماً ما تنظر إلى الشخصية ذات البروز الأجتماعي بقدسية وتعظيم لا تستحقه مطلقا، ولا تهتم بمناقشة أفكار أو القضايا التي أنتجتها تلك الشخصية، وهذا الحيثيات والتلبيسات التي تحدث لأفراد مجتمعاتنا أخذت لا تنفك عنهم، وأصبحت مقتنعا إن ظهور عبقري في بلداننا لا يقدمنا إلا بعض من الوقت، لأننا سنبقى مجبرين على على القبول بأفكاره حتى ولو أصبحت خاطئة لقرن من الزمن، فأنت الآن لا تستطيع نقد أبن تيمية أو الغزالي أو ابن خلدون ببعض المنطق الذي قدموه لنا، لأنه وبصراحة سيقال لك شخصيات عظيمة ومن المحال أن تكون أنت أعظم منهم وأكثر رؤية علمية وعقلية من أذهانهم.

وحتى بقينا أسارا أفكار تاريخية وشخصيات تاريخية أثمرت في وقتها، ولكنها خلفت زماننا وحاضرنا ومستقبل أجيالنا، وحتى أصبحنا اليوم لا نستطيح التحرر من قيود صنعتها هذه الشخصيات التاريخية والتي ربطنا بقضايا وحوادث تاريخية نحن في غنى عنها منها :
الطائفية والعرقية واللغوية والقومية والمذهبية والدينية والعبودية وغير ذلك من إفرازات الواقع.

والثورة التي يجب أن نقوم بتأسيسها اليوم هي ثورة المعرفة والمفكر الشجاع بحيث يمسك القلم بيد ويقتل جهل الماضي بيد أخرى، لأنه أبرز ما يعيق تقدمنا هو إن مفكرنا خائف ومتقاعس ويخشى على نفسه الموت في كل وقت، في حال إنه يجب أن يكون مضحياً أكثر من الآخرين لينير طريقهم ويحاول من أن يجعل موته قوة جديدة لأستيقاض واستنهاض الواقع وأفراده، لا أن يفترش وسادة بالية ويأكل خبزاً يابس ليعيش زاهداً فقط، فالزهد لا يصنع سوى شخصية معينة وهم حياة الفقراء اليوم، بل يجب أن يعيش حياة الواقع ككل ليفكر للواقع ككل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |