الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة الله الشعبية

محمد لفته محل

2014 / 10 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كثيرا ما اهتم الباحثين بصورة الله عند النخبة من الفلاسفة وعلماء الدين وخاضوا في تفاصيلها دون أن يهتموا بصورة الله الشعبية عند عامة الناس حيث الصورة مختلفة عن الصورة النخبوية ذات المرجعية العقلية أو الحدسية بينما صورة الله الشعبية ذات مرجعية نفسية واجتماعية، وهذا ما سأبحثه صورة الله في وعي الناس في المجتمع العربي.
في صورة الله الشعبية لا تحتل مسالة وجود الله وإثباته إي إشكالية لأنهم يرثون الإيمان به بالتعلم والتنشئة الاجتماعية فتترسخ صورته في نفوسهم أكثر من الإيمان به بالدليل! لان الذي يرث الإيمان بالله لا يزعزعه أي دليل مضاد لوجود الله لأنه آمن به بدون دليل أصلا عكس الذي آمن به بالدليل الذي قد يزعزعه أي دليل مضاد. وهم لا يشغلون ذهنهم بأدلة معقدة بل يكتفون بأدلة عقلية بسيطة شبه عفوية كقولهم (هناك من خلقنا وخلق الكون) أو (لابد من خالق لهذا الكون وهذا النظام الدقيق) (لقد رأينا الله بالعقل وليس بالعين) والمسألة التي تحتل الأولوية عند الناس هو أن الله بالأساس يجب أن يكون مرجعية اجتماعية موروثة أخلاقية وشرعية ومعرفية وجزائية، لان الظالمين والمجرمين يجب أن يعاقبهم الله بالعذاب الأخروي والبلاء الدنيوي، ويكافئ المؤمنين والمحسنين والخيرين بالجنة بالآخرة والتوفيق والستر بالدنيا، ويجب على كل شيء يفعله الفرد أن يكون له حسنة أو سيئة عند الله، ويكون حرام أو حلال عنده. أما إذا طغى الظالمين والفاسدين في الأرض بدون عقاب الهي قال الناس (إن الله يمهل ولا يهمل) أو (إن الله لا يضرب بعصا) وحين يبتلي المؤمن بالمصائب قال الناس (انه اختبار من الله، لان المؤمن مبتلى)، وهذه المرجعية هي التي تجعل صورة العالم مقبولا والحياة تستحق العيش بوجود العدالة والجزاء والتشريعات المثالية المتعالية على تشريعات البشر، وبذلك تكون للفرد منظومة أخلاقية وشرعية متكاملة جاهزة تغنيه عن قلق الحكم الشخصي تكتسب صفة مقدسه لا تسمح بتجاوزها، وتطمئنه من بشاعة الظلم والاستغلال والعنف والطمع الإنساني، وهذا أهم ما في الله الذي يفوق أهمية وجوده، وبدليل أنهم يرفضون صورة الله عند المذاهب الربوبية التي تجرد الله من الوحي مصدر النبوة، ويرفضون صورة الله في المذاهب الفنية التي تصور الله كمنبع للجمال الخالص مبثوثا في الطبيعة والإنسان والأشياء، وهكذا فصورة الله الشعبية لا يمكن تجزئتها عن مكوناتها، لان الله إذا لم يكن موجودا فهذا يعني كل شيء حلال وكما يقال شعبيا (ماكو حلال وحرام) ووجوده مرتبط عندهم بكونه سلطة مرجعية معيارية اجتماعية للانا الأعلى للفرد، وللعقل الجمعي للمجتمع، وان يكون متعالي مفارق للإنسان حتى يحظى بالمرجعية الاجتماعية ألمقدسه، ولن يكون بدونها موجودا أو له أهمية لديهم. والإنسان بدون هذه السلطة المرجعية يعيش قلق معرفي ونفسي لا يعرف ما هو الحرام والحلال وقد ينتهك كل شيء، وهذا ما يخشاه المجتمع من انفلات الضمير من أي راع أخلاقي، فالله ضابط أخلاقي وشرعي وجزائي اجتماعيا، من هنا يجب أن يكون الخوف والطاعة هي العلاقة الضامنة بالالتزام بالمرجعية الاجتماعية (الله). والله مفهوم اجتماعي عند الناس وليس عقلي كما عند الفلاسفة ورجال الدين، في حين أن مسالة الخير والشر هي قضية فلسفية مستقلة عن قضية الله عند النخبة. ويمكن القول إن الله هو قوانين الجماعة مسقطة إلى الخارج من هنا أصبح الله مفارق للإنسان بعدما انبثق من داخل المجتمع وكما يقول عالم الاجتماع (أميل دوركايم) (إن المجتمع لا يعبد إلا نفسه) ومثلما الجماعة أقوى من الفرد وليس عليه سوى الطاعة والخضوع وهي باقية والفرد فاني، أصبحت علاقته بالله يحكمها الخضوع والطاعة وأصبح الله خالد والفرد فاني، والانتربولوجيا الدينية أثبتت إن الإلهة كانوا رجالا بارزين قدسهم الناس بعد وفاتهم.
غير أن هناك صورتان أخرى لله غير كونه مرجعية معيارية اجتماعية موروثة بل كونه يحمينا ويرعانا ويعتني بنا شخصيا في لحظات الضعف كالمرض والعوز والظلم والنكبة والكارثة ويكون الفرد كالطفل يبتهل أو يبكي بالدعاء والصلاة يرتجي من الله العون والعناية ويصبر على قسوته وهذه اسميها الصورة الأبوية وتكون خاصة بالفرد، أما اجتماعيا فصورة الله هي سلطان مهاب يستعبدهم بسلطته، يخافه الناس أكثر مما يحبوه، فرأس الحكمة مخافة الله! وكما يقال شعبيا (ما خاف بس من الله) يحكم بمزاجه كما يشاء يغني ويفقر، يظلم ويُسعِد، يرفع ويسفل من يشاء! ويجب على الناس أن لا يسألوا أو يعترضوا على التفاوت الطبقي والمعيشي وعلى الفاسدين والمجرمين المتلاعبين بالقانون والمقربين من السلطة، بل عليهم أن يشكروا فقط! وينعموا بمنّة البقاء أحياء فقط! لان كل ما يجري حكمة من الله أعلى من فهم البشر! حتى لو كان البشر ضحية هذه الحكمة! وهذه اسميها صورة الله السلطانية لأنها من صناعة السلطة السياسية عبر وعاظها الرسميين، لتبريرها بأنها حكومة الرب أو ظل الله على الأرض.
فيصبح الله مصدر كل ظواهر الطبيعة كالمطر والليل والنهار والزلازل والفيضانات وتعاقب الفصول ومصدر كل حياة البشر كالولادة والموت، الغنى والفقر، الزواج والطلاق، والعمل والبطالة، الفرح والمصائب، الصحة والمرض، الستر والفضيحة، النجاح والفشل الخ، وبهذا تتنحى السببية الفيزيائية مقابل سببية الله، فكل شيء يحدث في الطبيعة والإنسان تقول الناس (سبحان الله) وأي شيء يريدون تحقيقه يقولون (إن شاء الله) لان السلطان يريد التحكم بمصير الناس ومستقبلهم، فيشيع وعاض السلاطين صورة لله منسوخة عن السلطان، فتتطبع الناس في الأنظمة المستبدة على الاعتقاد أن حاضرها ومستقبلها رهين لسلطان السماء، وان مستقبلها مكتوب من الولادة حتى الموت في السماء!.
ولا حيلة لهم سوى التزلف لسلطان السماء بالطاعة والشكر والقناعة والدعاء لتحسين حاضرها ومستقبلها المملوك بيده، لان الفرد مسلوب الإرادة في المجتمعات المستبدة فلا يبقى له إلا الترجي والتوسل لسلطان السماء (الله)، وهذه القوة هي ذاتها المرجعية الاجتماعية الأخلاقية والشرعية والجزائية، من دون أن تنفي الناس هذه القوانين التي يتعلمونها بالمدارس، لكنها لا تؤثر في تفكيرهم مثل الله، لان صورة الكون الشعبية عاطفية في حين صورة الكون العلمية فكرية مجرده خالية من العاطفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 10 / 17 - 01:47 )
الله تعالى لا يحيط به عقل و لا يتخيله ذهن، فهو أعظم من كل شيء، و الله تعالى يقول عن نفسه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11]، و يقول: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طـه:110].

اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر