الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنقاذ التاريخ

موسى راكان موسى

2014 / 10 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إن العلم هو كذلك .. لأنه يقطع كل علاقة مع عالم الغيب و المعجزات , إن العلم هو كذلك .. لأنه يقيم حقيقة [مادته] من خلال [مادته] ذاتها , و حتما وجدت من يجعل للعلم هوية .. دينية أكانت أو قومية .. و ستجد {حتما} من يصنفه إلى شرقي و غربي , و العلم .. أي و كل علم ليس له هوية سواء دينية أو قومية .. و {حتما} هو لا شرقي و لا غربي , العلم مشاعي الهوية إن أردت أن تعطيه هوية .

مرة أخرى أخرج عن نقد العولمة لسعاد خيري .. لأتناول [التاريخ] .


[حوار] كان يُراد أن يكون لكنه كان جدل لا حوار .. بدأ دراميا ً و إنتهى تراجيديا ً , تم تناول موضوع [التاريخ] لتبيان (( علميته )) و الإنتصار لها , طرفي الجدل كانا ينطلقان من قاعدتين مختلفتين تماما .. ما كان لأحدهما أن يتنازل عن القاعدة و ما يترتب عنها من مناهج و نتائج , أحد الطرفين كان ينادي بالعلمية و الآخر سردي بجوهر فقهي .

[الموضوعية] .. [النقد (الخارجي / السند) و (الداخلي / المتن)] .. إلخ مما يُزعم إنتهاجه في تناول التاريخ و التأريخ من قبل {السردية} و {الفقهية} , منهج يبدأ ب [حقيقة] يزعم دراستها و ينتهي بقدرة {السحر} إليها ك [حقيقة] أو ما يكاد يشبهها هي , بل و قد يزعم بكل وقاحة أن هذا {السحر} هو {علم} قد تم إثباته ! .


كم من الكتب التاريخية و التأريخية .. قد قرأت في مقدمتها أو إفتتاحيتها بقلم صاحبها أنه إلتمس الحقيقة في بحث إطروحات الكتاب بكل موضوعية و تجردية من الولاءات و الإنتماءات و بكل ما أمكنه العقل النقدي من يقظة على الموضوع الذي هو في خضمه ؟ .. تكاد تكون جميعها كذلك , لكن هل كانت كذلك حقا ؟! .

هذا شيء و المواضيع التي يطرحها أصحاب التاريخ _على إختلاف منطلقاتهم_ شيء آخر .. فمن المشهور هو ما يعيبه البعض (الفقهاء منهم) على أصحاب التاريخ أنهم [حطابي ليل] و أن ما يدرسوه هو [علم] لا ينفع أو يكاد أن يكون كذلك , و قولهم هذا يطال جانبا كبيرا من الحقيقة .. لكن حينها أبدا لا يكون التاريخ [علما] بل شيء آخر أقرب لطلسمة الذهن من أن يكون [علميا] , و قد وقع الطرف السردي في إستمثال ما يدل على ذلك .. حين طرح طريقة [السردية] التي تدل على [علميته!] من خلال معالجة قضية .. و قد إختار هذا الطرف كمثال على ذلك (( خطبة طارق بن زياد )) من صحة إنتسابها إليه _أي طارق بن زياد_ من عدمها , و قد جاءه الرد مباشرة من الطرف المُضاد : و ما الذي ينفعني أن أعرف صحة إنتساب الخطبة من عدمها لطارق بن زياد .. و كذلك ما الذي يضرني إن لم أعرف ؟! .


فبدأ الطرف السردي حينها يُناقش صحة [المنطلق العلمي] للتاريخ .. مشيرا إلى أنه أقرب إلى الفن منه إلى العلم [!] , في محاولة بائسة لتشبيه التاريخ بالموسيقى و الرسم مبتعدا عن جعله متماثلا مع الفيزياء و الكيمياء و لو بدرجة ما [!] .

نعم قد لا تكون (مناهج و أساليب) ما يسمى بالعلوم الطبيعية هي ذاتها (مناهج و أساليب) ما تسمى هي الأخرى بالعلوم الإنسانية , لكن لا صحة في الفصل بين علم طبيعي و آخر إنساني من حيث [العقل] الذي يحكمها و في كونه فيها لا خارجها .. لكن كممارس و باحث لعلم طبيعي أو إنساني لي مناهج و أساليب في البحث قد تختلف [نعم] بعضها عن الآخر .. و لبعضها حين التعمق و التخصص قوانين و قواعد منهجية تختلف بعضها عن الآخر _التجربة مثلا_ , فالفيزياء ليست هي هي الكيمياء و ليست هي هي البيولوجيا , لكل الثلاثة مرتبطين شئنا أم أبينا .. و سواء أأدركنا ذلك أم لا , و يجمع الثلاثة [عقل] .. و قد نختلف فيه أو عليه , و يبقى إختلافنا ها هنا ضمن دائرة [العلم] .. سواء أصبنا أو أخطأنا _راجع الفرق بين الخطأ العلمي و الخطأ الغير علمي بمقال سابق بعنوان (التاريخ .. بين ثلاث)_ .


إن ما يسمى {مناهج البحث التاريخي} عند [السردية] و [الفقهية] إنما هي وسيلة لإظهار كل ما يمكن إظهاره من معتقدات شخصية في مظهر موضوعي مجرد عن الذات .. مهما كانت تحوي تلك المعتقدات الشخصية من دجل و شعوذة و أحايين أخرى شيطنة , و على سبيل المثال أنظر للتاريخ العربي الإسلامي .. إنك لا تجد تاريخ [الشعوب] أو حتى [قوانين موضوعية تحكمه] و إنما تجد تاريخ [الأفراد] و [الأهواء] من خلفاء و أمراء و عساكر .. إلخ مما يوحي لك من القراءة الأولى أنهم هم [محرك التاريخ] بوحي من الهوى و بمشيئة الله [!] .

من النقاط التي جعلت الجدل تراجيديا هي نقطة الدين , فعلمية التاريخ و إن كانت تقوم على نقض الفكر الغيبي للتاريخ .. إنما لا يعني أن تكون ضد الدين ذاته , و قد سبق أن أوردت كيف أن بن خلدون جاء بفكر علمي ينقض الفكر الغيبي للتاريخ دون أن يكون نقض للدين و هو _أي بن خلدون_ فقيه مالكي بل و قاضي المالكية بمصر .


لكن كما يمارس زغلول النجار شعوذته بتكييف العلوم الطبيعية لما يعتقده من معتقدات و آراء دينية .. يمارس أصحاب السردية كما الفقهية ذلك على التاريخ و فيه , حقا هو سيء أن تكيّف الحقيقة لمعتقدك .. ففيه مضرة و شر على الحقيقة و المعتقد عدا عن نتائج هذا التكييف الخطيرة , و كان من الأفضل سواء لزغلول النجار و أصحاب السردية و الفقهية أن [يكيّفوا] معتقداتهم للحقائق لا العكس , و ما كان ليكون تكييفهم هذا ليخرجهم من دائرة الدين .. لكنه كان ليجعلهم [علميين] حقيقيين , و لعل الباحثان السيد القمني و خالد منتصر مثال على ذلك .

و لكي لا يتم فهمي خَطأ ًو خِطئا ً .. فإن شعوذة التكييف ليست في ممارستها حِكر على المنتمين لدين معين أو مذهب معين , فعلى سبيل المثال كل من قرأ عن الطاعون الذي أصاب جيش سنخريب سيمر على القول القائل أن ذلك لتدخل الغيب على إثر دعاء الشعب الإسرائيلي بملكه حيزقيا [!] , و بشكل عام تفسير الكوارث الطبيعية كان لها و لا يزال لها طابع غيبي عند البعض رغم تقدم العلوم _بين مبتلين لأنهم من المغضوب عليهم و آخرين أيضا مبتلين لكنهم من المختبرين لصدق إيمانهم [!]_ .


و المشكلة التي قد تتمثل في أصحاب السردية و الفقهية حين مواجهتهم في خلطهم _عن قصد و دون قصد_ بين الدين و الفكر الديني .. أو بتعبير آخر اللاهوت و الناسوت .. و بآخر بين فهم إنساني قابل للخطأ و الصواب للدين و عاطفة إيمانية شخصية , هذا الخلط يؤدي لنتائج خطيرة أقلها تقديس الأخطاء و عصمة الشيطان و تعطيل النقد .

فالتاريخ الذي لا ينتج معرفة و يكتفي بمنهج أهل الحديث في تناوله الأخبار أو ذلك المكتفي بالسرد لغاية السرد .. و التاريخ الذي فيه من الأخبار و الأحداث ما هو فوق النقد [مقدس] .. و التاريخ المرتبط بالغيب بجعل قانونه و عقله خارجه , هو ليس تاريخ بمعناه و منطلقه [العلمي] .. إنه تاريخ في معناه و منطلقه ما قبل علمي , فهل نعمل على علميته و ننتصر لها ؟! أو بصياغة أخرى .. هل ننقذ التاريخ بأن نعلمنه بأي بجعله [علميا] ؟!













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 10 / 19 - 01:00 )
المسلمون لا يقبلون في دينهم و تاريخهم إلا روايه تتوافر فيها شروط قبول الرواية بقسميها الصحيح و الحسن، ويجب أن تنطبق على الروايه الصحيحه شروط خمس و هي:
1- اتصال السند.
2- عدالة الرواة.
3- ضبط الرواة.
4- انتفاء الشذوذ.
5- انتفاء العلة.
تابع :
عِلْم الرّجال عِند أمة محمد ... تحَدٍ مفتوح للمسيحية ..! :
http://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=8246


2 - راااائع
السودانى الحائر ( 2014 / 10 / 19 - 13:59 )
مقال رائع حرام ان يكون المعلق عليه عبدالله خلف فقط..انت ممتع الى الامام


3 - توضيح ليس إلا
موسى راكان موسى ( 2014 / 10 / 22 - 18:12 )
و في تعليق عبدالله خلف توضيح لنقطة كنت أسعى لإظهارها .. و هي [اللا علمية] الفقهية التاريخية .. ففي ما يورده عبدالله خلف فالمسلمون لا يقبلون إلا بشروطهم التي يعتقدونها هم سواء في التاريخ و الدين .. و لست أتقصد الدين في الطرح فالدين شيء و الفكر الغيبي في التاريخ شيء آخر لكن يبدو أن الموضوع يشكل حساسية لعبدالله خلف كما أثار قول كوبرنيكوس بكروية الأرض حساسية الكهان في أوروبا .. و غيرها الكثير في شتى العلوم , و على ما يبدو أن الدخول في مواجهة اللا علميين في شتى المجالات (و منها التاريخ) ضرورة للإنتصار لعلمية المجالات المُقصودة بتقدم البشرية و تطورها (و منها التاريخ) ,

ففي تحليل لقول عبدالله خلف .. يبدأ ب [المسلمون] الذي يختزلهم عبدالله _بالحكم على الموقع الفرعي الذي يوردهُ_ هم على ما يبدو الفرقة الناجية المحصورة بأتباع السلف الصالح أبناء بن تيمية و بن القيم و ليس آخرهم بن عبدالواهاب , و هذا الإختزال من منظور طائفي لا يصح على معيار القاعدة , فالدين قاعدة ينطلق منها المتطرف كما المبتدع كما المعتدل كما المنحرف و أحيانا الملحد ..


4 - يتبع ..
موسى راكان موسى ( 2014 / 10 / 22 - 18:22 )
لذلك فالمعيار الذي يطرحه عبدالله خلف و ما يزعم أنه [علم] الرجال .. إنما هو معيار طائفي لا معيار ديني

و الواضح أن [علم] الرجال أنما هو في الحقيقة [إستقصاء] و [إستقصاد] طأفنة الرجال ليس إلا .. فمن هم على مذهب السلف و طائفة بن تيمية فهم أهل الثقة و الأمانة و الدين .. و كل من دونهم هم باطل رجيم , و قد تتفاوت درجة ذلك حسب الحالة النفسية الطائفية

و أكرر مرة أخرى .. أن بن خلدون رغم كونه فقيه مالكي بل و قاضي المالكية بمصر فهو أول من جاء بفكر علمي في قراءة التاريخ , فهو قد كان ضد فكر غيبي في التاريخ و ليس ضد الدين بحكم كونه دين .. و قد كانت إحدى النقاط التي طرحها في نقده للمؤرخين و منهجهم هو ما عنوّن ب [وهم أمانة الناقلين] و التي يطرحها عبدالله خلف ضمن شروط قبول الرواية التاريخية


==========================

و الشكر موصول لك عزيزي السوداني الحائر ..

اخر الافلام

.. زعيم الحوثيين يعلن -تدشين العمليات المشتركة مع فصائل عراقية-


.. مسيرات حزب الله تشعل إسرائيل .. وتل أبيب تتوعد بانتقام قاسي




.. صواريخ الحوثي تصيب سفينة أميركية .. والغارات تشعل سواحل اليم


.. نشرة إيجاز - هجوم واسع لحزب الله ووعيد إسرائيلي




.. موكب شاحنات غذائية لاستقبال الحجاج يوم عرفات