الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سميح الغائب بجسده، الحاضر بيننا

دوف حنين

2014 / 10 / 21
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية



أتيت اليوم(*) لأودع سميح القاسم، سميح الصديق، سميح الرفيق، سميح الانسان، سميح الشاعر الكبير.
تعرفت على سميح في أيام الصبا خلال زيارته لوالدي في مدينة تل أبيب مع رفيقه الراحل الأديب أميل حبيبي. أذكر سميح الشاب، المليء بالأحلام والطموحات الكبيرة، المليء بالعنفوان الثوري والانتماء الإنساني الأممي.
سميح القاسم كان أحد ركائز قافلة شعراء المقاومة، وحادي مسيرتها، إلى جانب العديد من رفاقه العصيون على الغياب كتوفيق زياد ومحمود درويش وسالم جبران وغيرهم من حملة القلم والرسالة، المناضلين في صفوف الحزب الشيوعي ممّن كتبوا في صحيفة الاتحاد، ومجلة والجديد وساهموا في صقل الهوية الجماعية للأقلية العربية الفلسطينية وحددوا مسارات نضالها.
سميح القاسم، الشاعر الانساني الذي التقى في كتاباته مع معانات الانسانية والشعوب المقهورة اتّسع قلبه ووجدانه لمآسي العالم كلّه، وحمل راية التحرر من الاحتلال والتخلص من الظلم والقهر على كتفيه فتماهى مع المقاتلين في فييتنام وتضامن مع الأسرى في سجون الأبارتهايد في جنوب أفريقيا وصولًا إلى المقاتلين في صفوف المقاومة الشعبية في أمريكا الجنوبية. وبالرغم من التلاحم مع هذا الفضاء الثوري العالمي، بقيت حصة الأسد من نصيب معاناة شعبه العربي الفلسطيني، ووهب قصائده ونتاجه الشعري والأدبي للشعب المشتّت والمشرد واللاجئ في أرجاء العالم، للشعب المُحتلّ، الذي ما زال يلاطم مخرز الاحتلال ويقاوم المشروع الاستيطاني، ولم ينس شعبه ومجتمعه الذي يعاني من الاضطهاد والتمييز العنصري في وطنه الأصلي.
سميح القاسم يحمل في طياته مسيرة الشعب الفلسطيني منذ بقاءه في وطنه وبلده بعد النكبة ونضاله ومقاومته بشموخ وعزة وكرامة لسياسات الحاكم العسكري متحديًا بدلك السجون والإقامة الجبرية وتقييدات الحركة وأجهزة الرقابة المختلفة، سميح الذي صمد في وطنه وقاد المهرجانات والاجتماعات الشعبية وألقى القصائد الثورية الشامخة متحديا التمييز العنصري والاحتلال ومتمسكًا بمشروع البقاء وبناء المستقبل الذي يرنو لحياة أفضل، ملؤها العزة والشموخ والكرامة.
سميح القاسم النموذج المثالي للشاعر والقائد السياسي الثوري، فقد كان كان جزءا من حزب ثوري، اختار النضال العربي- اليهودي المشترك، لأنه يعي أن الصراع الأساسي ليس بين اليهود والعرب، الصراع الحقيقي هو بين المُضطهِد والمضطهَد، بين القامع والمقموع وبين القاهر والمقهور. بين الساعين للسلام والمساواة وبين أولئك الذين اختاروا طريق الاحتلال والاضطهاد والتمييز. سميح القاسم سار بهذا الطريق برؤية ثاقبة وهامة مرفوعة، دون أن يتزحزح قيد أنملة وخاطب اليهودي الأسرائيلي الذي هو جزء من الشعب المضطهِد المحتلّ بوضوح وثبات دون تأتأة.
عندما فارقنا سميح القاسم، اخترت قصيدته ذات العمق الانساني، والسمو الأخلاقي، "تذاكر سفر"، لوداعه، بما ستناسب مع قيمة وقامة هذا الشاعر الكبير، تقول القصيدة:
وعندما أٌقتَل في يومٍ من الأيام
سيَعثُر القاتل في جيبي
على تذاكِرِ السفر
واحدة الى السلام
واحدة الى الحقول والمطر
واحدة الى ضمائر البشر

ارجوك الّا تُهمِل التذاكر
يا قاتلي العزيز
ارجوك ان تسافر
سميح الشجرة وارفة الظلال، الضاربة جذورها عميقا في أرض وطنه، في أرض الجليل، فروعها ترنو للعلو، لا تنحني في الشدة، سميح الشجاع الصنديد الذي يواجه الانتقادات بثبات ومبدئية لا مثيل لها. فأذكر كيف واجه الانتقادات على اشتراكه في حدث بذكرى مقتل يتسحاق رابين، قيل بحقه كيف لشاعر المقاومة أن يكون جزءا من مساعي الأسرلة. وهكذا رد سميح القاسم: لطالما دعمت الحوار اليهودي العربي، الاسرائيلي-الفلسطيني من أجل تثبيت أقدام السلام في المنطقة، وأستمر بدعمه حتى دحر الاحتلال والعنصرية وإنهاء معاناة الشعبين. كلّ المعارضين للحوار، يلجأون لحمل الشعارات ضد الاحتلال، وعلى أرض الواقع هم يساهمون لبقائه واستمرار معاناة شعوب المنطقة. انني أرفض هذا التوجه، وأرى بأنني أتحمل مسؤولية شخصية على كل نقطة دم تسيل. وأنا أحاول أن أكون شاعرا أنسانا وعربيا فلسطينيا يضع الحق صوب أعينه، أما أولئك أصحاب المواقف المأجورة لن يثنوني عن اتمام مسيرتي من أجل الوصول إلى الحق والحل العادل.
جئت اليوم لأودع سميح القاسم، لكننا لن نفترق أبدًا، سميح الغائب بجسده، الباقي والحاضر بيننا بروحه ورسالته النضالية الباسلة، بقامته الشامخة المنتصبة، مواقفه المبدئية وقصائده الثورية.
ستبقى ذكراك خالدة.



* نص الكلمة التي ألقاها النائب دوف حنين في حفل تأبين الشاعر سميح القاسم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العذوبة
فؤاد النمري ( 2014 / 10 / 22 - 10:12 )
دوف حنين هو أعذب ما في الاسرائيليين
تحياتي الحارة لدوف حنين

اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا