الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا أريد أن أجوع

عبد الرحمن جاسم

2005 / 8 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا ريب أن الجوع مسألة مهمة للغاية لكي تشد انتباهكم جميعاً حالما تقرأون، والجوع الذي أتحدث عنه يا أحبتي هو جوع كامن، ومن كل الأنواع، ليس جوعاً للطعام فحسب، بل هو جوعٌ لكل شي. جوع للطعام، جوع للجسد، جوع للجنس، جوع للحياة، إنه جوعٌ فحسب، وأنا لا أريده، فليأخذه أحدٌ عني.(ولا أظن أن أحداً سيفعل).
الجوع، يا أحبتي، هو كناية عن شعور نفسي مترابط مع شعور جسدي، فالجائع دائما يبغي طعاماً، يتغير نوع الطعام بتغير نوع الجوع. فالجائع الذي يبغي طعاماً، تتحرك مشاعره ابتداءاً من معدته. والجائع جنسياً، تتحرك حواسه من بين ساقيه، وجائع النظر تتحرك حواسه بدءاً من عينيه، والجائع مادياً تتحرك من جيوبه، إذا لكل جائع طعامه، ولكل طعامٍ خواص. الجوع إذا مفترس، لا يرحم ولا يبقى مشاعراً غيره، فهو حين الافتراس يفترسك ويفترس أي مشاعر تشغلك عنه.
الجوع للشيء، يجعلنا نعمى عن رؤية الأشياء الأخرى وحتى الحقيقة في بعض الأحيان، خصوصاً إذا ما استبد الجوع فينا. فجوع أحد مدرسي إحد المواد في إحدى الجامعات جعله يطلب من تلامذته مبالغاً من المال لقاء إنجاحهم فيها، ولن أدخل في تفاصيل يحكيها كثيرون عن فكرة دناءته أو حقارته أو غيرها من الصفات التي لا تفي الأمر حقه. إنه جوع كامن، إنه جوعٌ يجتاح الرجل؟ أولا يطفئ جوعه؟ من حقه أن يطفئ جوعه بالتأكيد شرط أن لا يكون الأمر على حساب الآخرين.
جوع آخر، ذلك الموظف الكبير الذي يستغل كل مرؤوساته من الفتيات، ويجبرهن على التودد إليه، وينتقي كل أنواع العاريات ليعملن في مكتبه. جوعه يجعله شبقاً، متصابياً، وغداً، كلها صفات تحدد الأمر، ولكن الجوع ما بين ساقيه يجعل الأمر منطقياً، فإذا ما تحدد نوع الجوع عرف الطعام، ولكن هل عرف الثمن؟ لا أعرف.
والموظف الذي يقف أمامه عشرات المراجعين، وينتظرون، لا لشيء إلا لجوعٍ أصابه فجأة، أو لمدة، ممسكاً إياه عن التحرك بسرعة، جوع لا يطفئ إلا برشوة بسيطة، بدعامة صغيرة لمداميك بيته، إنها لا تؤثر بك، ولكن على الكثرة تغني، هكذا يبرر جوعه، وهكذا نبرر نحن الأمر له، ونجعل جوعه يجتاحنا، ونقبل به.
وتظهر أنواع أخرى من الجوع، أنواع لا يحكى عنها الكثير، أنواع لا تشبه الضوء ولا العتمة، الجوع الذي يعتري سكان شارعٍ شعبي، حينما تمر فتاة عارية الساقين، جوع الرجال في البيوت وفيديوكليب عارٍ يعبر، جوع يعبر عيونهم هذه المرة، لا بين سيقانهم، قد يصل إلى هناك وقد لا يصل، لكنه يبقى متصلباً في عيونهم.
جوع في عيون كل من يمر بجوار مطعم شهي، يجعلهم يدلفون إليه بوحشية، ويتصارعون كالكلاب الضارية عليه، جوع يضرب أمعائهم، فيجرب عقولهم وأجسادهم على التصرف، ألا يقال بأن الجوع كافر؟
يا أحبتي لا أريد أن أجوع. لا أريد أن أكون مماثلاً لكل من سبقني، أريد أن أرفض هذا الجوع، أن أسبقه بخطوة، فأرفضه وأكممه، وأحمله في قلبي لا على شفاهي وعيوني وثيابي الداخلية. أريد أن أقف وأمعن النظر فيه، العين بالعين، وليس هناك سنٌ بسن.
أن أقول له: لقد تحررت منك، وأرفض تبعيتي لك، وأريد منك أن تتركني وشأني، حاجتي إليك انتفت، وإن كنت قد استعملتك أو اقتربت منك ثانية، فأنا آسف وأعتذر أشد الأعتذار، يا سيدي الجوع أنا أخطأت بحقك، والآن قف، لا أريد بجانبي... فلترحل لو سمحت... فأنا لا أريد أن أجوع بعد الآن...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة