الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموقف من استمرار الوجود -4-

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2014 / 10 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أولا: تلخيص لما سبق

في الجزء الأول تحدثنا عن صعوبة هضم مفهوم الأبدية بالنسبة للذات الإنسانية احتمالية الوجود، قصيرة العمر، ونفور العقل البشري من الأبدية رغم اشتياقه لها، وعن طبيعة الإيجو البشري ومحددات تصميمه التي يمكن تعديلها لتتيح فسحة الأبدية حتى للذات المحتملة الوجود، ثم انتقلنا إلى مسألة استمرار العالم والكون نفسه، وانتهينا إلى أنه أمر عائد إلى الذات الإلهية واجبة الوجود.

في الجزء الثاني تحدثنا عن الوعي الضروري الوجود، الشاهد على كل ما يتكون ويزول، وعن خلقه للعالم، وعن أن الرغبتين البشريتين المتناقضتين في الفناء وفي الأبدية هما انعكاس لرغبتين إلهيتين باستمرار العالم وفنائه، وكيف أن توازن الرغبتين يفضي إلى الاستمرار في الحالتين، استمرار مشدود إلى أصله الساكن..

في الجزء الثالث تحدثنا عن دور البشرية في استمرار العالم الذي تلعب فيه دور البطولة، وكيف أن تشكيل الكون يظهر أن القصة لا تزال في بدايتها وأن مسؤولية استمرار العالم تقع على عاتق البشر، الذين يجب أن يحافظوا على استمرار نوعهم عن طريق البحث عن مصادر للطاقة في الفضاء (ومنها الوصول إلى الطاقة مباشرة من الشمس) وكذلك الاستيطان في كواكب الكون ومجراته المختلفة.

ثانيا: استمرار هناك وهنا

الغيب واجب الوجود، والكون محتمل الوجود، ولكن إرادة الغيب تفضي إلى وجود الكون باستمرار، ولو انعدم هذا الكون ستوجد غيره، هذا يعني أن الاستمرار هو سنّة الوجود المحتمل الذي يتشكل ليفنى، بأمر الغيب واجب الوجود.... فإذا فني تشكل غيره...

ولكنه استمرار مشدود إلى أصله الساكن، معترف بأن الوحدة حق، يواسي لوعة الوحدة لما يسببه لها الاستمرار في الانفصال من أسى، يواسيها بحبه، لكنه يواصل ... يواصل ويجعل الوحدة في قلبه، وينظر إليها بعين الممتن العاشق ....

وهذا هو الصراط المستقيم .... صراط الذين أنعمت عليهم (أهل التوازن بين الوحدة والانفصال، بين الفناء والاستمرار، بين الإفراط والتفريط)..... غير المغضوب عليهم (أهل الاستمرار الذين لا يلتفتون إلى الوحدة) ولا الضالين (أهل الفناء الذين لا يسعون للاستمرار)...

وفي قول الله "ابتغ في ما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا" إشارة إلى هذا التوازن، استمرار الدنيا (استمرار وجود لدنيا ما) في موازاة استمرار الغيب...


ثالثا: استمرار لا أشهده؟

لا يملك الإنسان ألا يسأل عن جدوى السعي لإطالة عالم لا يشهده، فهو وإن كان مجبولا على التكاثر، فلعله أمل فيه بأن يذكره ابنه بعد مماته، ثم يذكره حفيده.... ولكن وبعد عدة أجيال من موته، بعد أن انتشرت مادته الوراثية إلى حد ضاع معه أصلها، وذهب ذكره، ما جدوى عالم لا يشهده ..... فالإيجو مبدؤه "أنا ومن بعدي الطوفان"....


وهو مبدأ يساعد على الاستمرار، لأن استمرار العالم قائم على أنا الأفراد، ورغباتهم الذاتية، الوجدانية والحسية....

وهذا الإيجو لا يمكن مواساته بأي طريقة حين نتحدث عن فنائه.... أي حديث لا يتضمن بقاءه هو حديث مؤلم ومرفوض وموحش ومحزن له ....

الوجود الواجب قادر على تمديد وجود ما هو محتمل الوجود إلى الأبد، وهذا لا يجعلهما متساويين، كون الواجب الوجود سيبقى دائما سابقا للمحتمل، منشئا له... محيطا به ... شاهداً عليه...

ولكن احتمالي الوجود خائف، فالإيجو طبيعته الخوف، وهو مرتاب، ويحتاج إلى تطمينات من واجب الوجود بأنه لن يكون مجرد طيف خيال مرّ في خاطر الغيب، في خاطر الله، ثم انطفأ كما تنطفئ الشمعة....

حتى إبراهيم الخليل يسأل الله "أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي".....

الخوف في جوهره ليس من نهاية الوجود، بل هو قبل ذلك، هو الخوف من نهاية الشهادة على الوجود، حتى لو استمر الوجود، فلا عزاء لشخص على وشك الفناء حين تقول له لا تقلق فالدنيا ستستمر بعد موتك ولسان حاله هو "فبم تبشرون" أو بكل صراحة "يا فرحتي"....

رابعا: حال الأغلبية المحجوبة والقلة المكشوفة:

إن محتمل الوجود هنا على عدة أنواع ..... فنوع اعتبر كل الوجود محتمل الوجود، وأنه لا يوجد وعي إلهي واجب الوجود، وهم الملحدون..... وفيهم أيضا أهل فناء وأهل بقاء ..... أهل الفناء منهم يتقبلون الموت ويقولون "الموت لا يعني لنا شيئا يكون فلا نكون".... أما أهل البقاء، فمعاناتهم أكبر، ومنهم أهل الإنجازات الكبيرة من الملحدين الذين يريدون أن يحققوا أكثر ما يمكن تحقيقه من إنجازات قبل الموت.... بينما أهل الفناء منهم يريدون تحقيق أكثر قدر من الملذات قبل الموت ....

والنفس متقلبة وليست حادة بالشكل الذي يجعلهم يجزمون بأنه لا وجود للوعي واجب الوجود....

النوع الثاني بين محتملي الوجود هو أهل الإيمان باللسان، قوم يسلّمون فلسفيا أو دينيا أو "تراثيا" بغيب واجب الوجود، ولكنهم في اغتراب عن الإحساس به يقينا، ولأن النفس البشرية متقلبة وليست حادة بالشكل الذي يجعلها تجزم بشيء، فهؤلاء خائفون، يتقبلون الموت ويتجنبونه، يسعون للملذات (فناء) وللإنجازات (استمرار) ويحاولون مثل الملحدين تناسي الموت باعتباره بوّابه لم يعد أحد منها...

النوعان الأول والثاني هما كل البشرية تقريبا، والله يوضح للناس أنه ما كان ليطلعهم على الغيب بشكل يقلل همة الناس عن الاستمرار والكد والجهد، لأن قيام دليل قاطع أمام البشر على وجود حياة بعد الموت سيجعل عجلة الاستمرار تتوقف، فعجلة الاستمرار وقودها محاولات الناس لاستنفاد حدود الممكن، وهذا اللايقين مما بعد الموت هو الذي أدى للإبداع والابتكار والإنجازات الكبيرة..... إن كون الغيب محجوبا ومستورا هو سنة الحياة وطريقة استمرارها... وبغيرها يفسد العالم ... "فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه"... نعم إن رغبة الاستمرار هذه هي وراء كل ستر للغيب عن الناس....


"وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله".... وهذا هو النوع الثالث، نوع نادر.... ينكشف أمامه الحجاب لأسباب تستدعي تدخّل الغيب في الأحداث بما لا يتعارض مع الاستخلاف .... فبدلا من التدخل الإلهي المباشر في تصريف الأحداث، أو الإيحاء بأفكار معينة لبعض الناس (inception)، فإنه بانكشاف الحجاب لأناس معينة، يمكن توجيههم لأعمال معينة بما لا يتعارض مع الاستخلاف، كون هذا التوجيه ليس ملزما ..... وقد تحدثنا في مقال سابق "مخافة الله بين بوذا ومحمد" كيف أن بوذا مثلا اختار عدم التعاون مع التوجيهات الإلهية، بعد انكشاف الحجاب له، وهو في ذلك مارس الاستخلاف الذي هو في حد ذاته إرادة إلهية، في مقابل محمد الذي اختار أن "يسلم" لله وينفذ مشيئته بأدق التفاصيل ما استطاع إليها سبيلا.


إن الاستخلاف هنا (قبول الغيب واجب الوجود باستقلال نسبي لإرادة محتملي الوجود عن إرادة الغيب) لا يستثني من تم هدم الحجاب أمامهم، فلهم أيضا أن يكونوا من أهل الفناء أو أن يكونوا من أهل البقاء... ولهم أن يتخذوا الموقف الذي يشاؤونه من استمرار الوجود


"ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"

http://1ofamany.worspress.com











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل الانسان له اراده
ابو العزوز ( 2014 / 10 / 26 - 06:53 )
الانسان مادة كيف يكون له ارادة؟ لا وجود لشيء اسمه -انا-

اخر الافلام

.. اليمن.. حملة لإنقاذ سمعة -المانجو-! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ردا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين: مجلس النواب الأمريكي




.. -العملاق الجديد-.. الصين تقتحم السوق العالمية للسيارات الكهر


.. عائلات الرهائن تمارس مزيدا من الضغط على نتنياهو وحكومته لإبر




.. أقمار صناعية تكشف.. الحوثيون يحفرون منشآت عسكرية جديدة وكبير