الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عائد من مؤتمر علمي ... بورتريه وانطباعات

العربي عقون

2014 / 10 / 24
التربية والتعليم والبحث العلمي


في سلسلة النشاطات العلمية التي تنظمها جامعة تبسة (الجزائر) قامت كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بذات الجامعة بعقد مؤتمر علمي دام يومين موضوعه الهوية والدين والمجتمع المدني دعت إليه نخبة من أساتذة الجامعات الجزائرية وكذا من بعض الدول العربية.
وبعد كلمة رئيسة الملتقى الدكتورة وسيلة بروقي والاستماع الى السلام الوطني الجزائري جاء دور السيد عميد الكلية ممثلا لرئيس الجامعة الذي أعلن عن افتتاح أشغال الملتقى مرحبا بالجميع متمنيا لهم النجاح في أعمالهم.
وقد جرت فعاليات المؤتمر في جو علمي اتسم بحسن التنظيم وكرم الضيافة وعلى الخصوص ثراء المادّة العلمية التي قدّمت على مدار يومين شملت 25 مداخلة في قاعة المحاضرات الكبرى بالتوازي مع 39 مداخلة موزعة على ثلاث ورشات، ولقد كانت هذه المداخلات جميعها موزعة حسب مادّتها على محاور هي :
1. الهوية والدين والمجتمع المدني : مقاربات مفاهيمية ونظرية .
2. الهوية والدين والمجتمع المدني : تصورات ، اتجاهات وممارسات.
3. أثر الهوية والدين في تشكيل المجتمع المدني .
4. اثر المجتمع المدني في تكريس مفهوم حركي لكلّ من الهوية والدين.
5. الهوية والدين والمجتمع المدني في ظل التحولات العالمية الراهنة.
لقد كانت أغلب المداخلات المقدَّمة عبارة عن محاولات لتفكيك بعض المفاهيم والنظريات من قبل متدخّلين دارسين لم يصلوا بعد إلى استيعاب ثلاثية الهوية والدين والمجتمع المدني ولم يتجاوزوا ذلك الى التنظير ، ولأن الجدل الديني حاضر بقوة في الثقافة العربية عموما فإنّ الانتصار للهوية الدينية الإسلامية بالأساس كان حاضرا بقوة في المداخلات وفي النقاش الذي يلي جلسات المؤتمر كما أن الهوية في أغلب المداخلات كانت الهوية العربية الاسلامية العابرة للحدود والقارّات دون التطرّق إلى الهويات المذهبية المتفرعة عنها والتي أضحت محسوسة أكثر في المشرق العربي والتي تزحف على مناطق وشعوب أخرى لم تعرف هذه الهويات المذهبية. وكنا ننتظر في هذا السياق أن تطرح قضية هامّة وهي هل العرب هم الذين أسلموا أم أنّ الإسلام هو الذي تعرّب لتعرية انتهازية القوميين العرب الذين أطلقوا عبارة : عربنا الاسلام لتحويل الاسلام إلى مجرد أيديولوجية سيطرة وتعريب مفروض على معتنقي الاسلام من غير العرب لطمس لغاتهم وهوياتهم لتكوين إمبراطورية من المحيط إلى الخليج في عهد غادرت فيه كل الشعوب عهد الامبراطوريات وتحررت من الأباطرة والقياصرة والأكاسرة والخلفاء والأمراء .
هذه الانتهازية هي التي جعلت القوميين العرب يصفون الايرانيين يوميا - رغم ما لهؤلاء من أيادٍ بيضاء على الحضارة العربية الاسلامية - بعبارات المجوس والصفويين لأنهم احتفظوا بلغتهم وهويتهم ولم يحدث لهم ما حدث للمصريين والسوريين والأمازيغ الذين انقرضت لغاتهم وطمست هوياتهم.
لقد استحدثت الهرطقة البعثية عبارات ومصطلحات أطلقتها في الساحة الثقافية العربية في المدارس والجامعات وعبر الصحافة وأصبحت على كل لسان دون استشعار مدلول هذه الاصطلاحات الأيديولوجية وهي اصطلاحات تردد صداها في المؤتمر بل يتردد في كل المؤتمرات مثل مصطلح "الوطن العربي" فالعلم والتاريخ يقول الوطن العربي هو شبه الجزيرة العربية ولا وطن للعرب خارج شبه الجزيرة العربية وإذا افترضنا مثلا أن الاسبان فعلوا ما فعله العرب خلال غزوهم لأمريكا وتنصيرهم لأهلها إلا أن الارجنتين والمكسيك لا يقال عنهما أبدا أنهما وطن إسباني لمجرّد أن اللغة في البلدين هي الإسبانية.
إذا كانت بعض شعوب المشرق قد استعربت مثل الكلدان والانباط والسريان والأقباط فإنها احتفظت ولو جزئيا بدينها المسيحي وإذا كان الأمازيغ قد أسلموا جميعا واستعرب بعضهم فإن جزءا منهم لا يزال يحتفظ بلغته الأمازيغية فهل تقوم الحركات الاسلامية اليوم بعسكرة الهوية العربية – الإسلامية لتكمل ما بدأ به الغزو الأموي لتبيد نصارى المشرق أو تفرض عليهم الاسلام قسرا كما تفعل "داعش" وكذا لتبيد أمازيغ شمال أفريقيا كما كان يحلم الإنقاذيون وفرقهم الارهابية ؟
هنا يأتي دور المجتمع المدني الذي يناضل بجد لترسيخ ثقافة الدولة المدنية لإيقاف الزحف الأصولي الذي يستدعي اشباح الماضي لإنتاج حروب دينية طائفية احيانا وعرقية عنصرية احيانا اخرى وهو أي المجتمع المدني الذي يستطيع دحض الخطاب الدغمائي المغرِّر بالعامة التي تتخذها الحركات الدينية المعادية للدولة المدنية دروعا بشرية ومادّة احتراب وميليشيا وجيش احتياط ، وإذا تمكن المجتمع المدني من التموقع والتوغّل داخل المجتمع بخطاب عقلاني حداثي يعقبه عمل جادّ وعناية بالشأن العامّ ومشاركة وجدانية وملموسة فإنّ من شأن ذلك أن يقوّض أركان تلك الحركات الظلامية خاصة وأنّ ما يعيشه العالم العربي الآن يسهم في الكشف عن مخططات هذه الجماعات والحركات.
ان ما يجمع بين بلدان العالم العربي هو الحضارة وبنسبة أقل الثقافة أما الهوية فكل بلد له هويته لآن فكرة الهوية الواحدة تعني إلغاء الهويات الحقيقية وإنشاء كيان إمبراطوري تحت مسمى الخلافة ويومها سنبحث عمّن يكون الخليفة وأنّه لا بد أن يكون من سلالة نبوية ويأتينا الملايين بمشجرات أنساب نبوية منحولة لا تعدّ ولا تحصى وندخل في تناطح أحمق بعيد عن الاحتكام إلى الرؤية العلمية للأشياء والمجتمع المدني الذي يحسن التنظيم ويتقن توظيف آليات الحراك الاجتماعي هو وحده الذي يمكن أن يغادر بنا مستنقع التراكمات الاركائيكية المذهبية والطائفية الدينية لجعل الهويات الوطنية متعايشة بعيدا عن صدام الهويات أو هيمنة هوية "أعلى" تباركها الآلهة والكتب المقدسة أو تسندها أنظمة حاكمة دكتاتورية على هويات "أدنى" .
لا يجمع بين الوافدين إلى المؤتمر من بلدان العالم العربي في الغالب إلا خيط رفيع وهو اللغة ومع أن اللغة واحدة إلاّ أنّ فهم المتدخلين بعضهم لبعض ليس متيسرا كثيرا لأنهم قادمون من بيئات مختلفة ومن تجارب سياسية ترعاها أنظمة حاكمة مختلفة وبلغة اصطلاحية لها خصوصيتها ومع ذلك تَمكّنّا من خلال المداخلات من معرفة الخطوط العريضة لرؤية كل بلد وتجربته ومنهجه في تعريف الهوية وعلاقتها بالدين وطبعا لا يمكن أن يحصل تقارب على سبيل المثال بين متدخِّل قادم من اليمن الجنوبي عاش المرحلة الاشتراكية في جمهورية اليمن الجنوبي وزميله القادم من المملكة السعودية التي تقوم مناهجها الجامعية في العلوم الانسانية على "تفنيد ودحض" كل ما جاءت به العلوم الانسانية والاجتماعية الحديثة من رؤى ونظريات ومناهج والنظر إليها على انها "هرطقات" قادمة من الغرب يراد لها أن "تقوِّض" أركان ديننا الحنيف وحضارتنا العربية الاسلامية الراقية ... ومن ثَمّ تقديم القرآن على أنه المرجعية في كل شيء وعلى ضوئه يتم البحث والتمحيص وهو الحكَم على كل العلوم وأن الكلمة الأولى والأخيرة للفقهاء ... ونحن هنا ليس لنحكم على هذا أو ذاك ولكن ما استفدناه هو التعرف من خلال المداخلات على المنهج الفكري السائد في الدوائر الأكاديمية هنا وهناك لا غير.
لا ريب ان الملتقى وهو في طبعته الأولى قد أثار موضوعا جديرا بالنقاش وأن أهمّ خطوة بعد هذا النجاح الذي حققه هي طبع أعماله كما وعد بذلك منظِّموه وهذا للتمكن من إيصال موادّه العلمية والفكرية إلى جمهور عريض من القراء في مختلف مواقعهم وهو ما نتمنى أن يتحقّق في القريب.
اختًتِم الملتقى بتعاقب منظميه على منصة الخطابة حيث ألقى كل منهم كلمة شكر للمشاركين وخاصة القادمين من بلدان العالم العربي وجاء دور مقرر المؤتمر الذي تلا على الحضور توصيات الملتقى ثم كانت الكلمة الختامية للسيدة رئيسة الملتقى وللسيد عميد الكلية نيابة عن رئيس الجامعة.
في الأخير أتوجه بالشكر لكل المؤطرين والمشرفين على هذا المؤتمر العلمي الهامّ على حسن الاستقبال وكرم الضيافة وعلى العناية وحسن الرعاية التي تلقيناها من قبلهم وتحية لكل من التقينا بهم من طلبتنا القدامى ومن زملائنا الذين احتفوا بنا فلهم مني كل التقدير والاحترام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية للبروفيسور العربي عقون
الشهيد كسيلة ( 2014 / 10 / 24 - 18:08 )
في البدء احييك على صبرك وعلى تعايشك مع من لا يؤمنون بالتعايش فما اعرفه ان ملتقيات العلوم الانسانية والاجتماعية يسيطر عليها الاسلاميون والبعثيون والغريب ان البعث والاسلام السياسي في بلدان المشرق العربي لا يلتقيان وهما خصمان لدودان لبعضهما البعض لكن في شمال افريقيا اتحد الخصمان لانهما امام عدو مشترك هو الهوية التاريخية لشمال افريقيا لذلك ترى الذئب البعثي متحدا مع الثعلب الاسلامي يسيران جنبا الى جنب ويتربصان بالامازيغ والامازيغية
الهوية العربية الاسلامية تحولت الى انظمة حكم في بلدان شمال افريقيا لها بوليس وعسكر ووزارة تربية على امتداد اكثر من نصف قرن وهي ما ضية في مسخ وفسخ ابناء هذه البلاد وبعد جيلين او ثلاث لن نرى احدا يتكلم الامازيغية وربما تنفتح بلدان الخليج على ثقافة عالمية وتتقدم شعوبها لكن شمال افريقيا سيظل تحت الاستعمار العربي الاسلامي قرونا اخرى


2 - الاحتكام الى الحكمة
العربي عقون ( 2014 / 10 / 28 - 06:52 )
سيد كسيلة شكرا على إبداء رأيك في الموضوع غير أن الأمر اختلف فنحن لا نعادي أحدا ونستمع إلى مختلف التيارات لكننا نطرح السؤال تلو السؤال ونترك الكلمة القوية لتجد مكانها مهما كان المُحاوِر فالمغرور والمكابر والمتشدد ومريد شيخه ... كل هؤلاء لا يستمدون قوتهم من أرائهم الحرّة لأنهم لم يكوِّنوا بعد رأيا حرّا وما هم إلا أتباع لمشيخات أيديولوجية تجندهم وهؤلاء لا يستطيعون السير بمفردهم أبدا ...

حقا ... الأمر ليس بالهيِّن بل كثيرا ما يكون من الخطورة بمكان خاصة عندما يلجأ من ينصب نفسه خصما لك بالوكالة عن أشياخه أو قياداته المذهبية ويبيح لنفسه استعمال كل الادوات المحرّمة أخلاقيا ... لكن الصبر والاحتكام إلى الحكمة يمكن أن يعيد كلّ عمل شرير إلى ذويه لانهم أولى به
أما ما أثرته في شأن الأمازيغية فلا أظن أن الأمر كا تعتقد ... لأن العراقيل القانونية التي كانت في الماضي زالت الآن بل إن الأنظمة الآن أصبحت مرنة ولا تمانع أبدا في القيام بأي عمل فكري أو ثقافي أو علمي لترقية هذه اللغة وكل ما في الامر هو مواقف شخصية معادية من أفراد يتموقعون في دواليب الدولة ومؤسساتها ..


3 - انت خارج التغطية
عقبة بن سعد ( 2014 / 11 / 7 - 19:03 )
لست ادري ماذا تقصد بالقوميين العرب, الذين قلت انهم وصفوا الايرانيين بالمجوس الصفويين, لكن إسمحلي ان اقول لك انك خارج التغطية!! هؤلاء اعطوا هذه الصفة لرجال الدين الايرانيين و ازلام الدولة الخمينية و ليس لعموم الشعب الايراني فهو شعب مسلم جعلوه يؤمن بالخرافات انه ضحية لا غير, وهؤلاء الصفويين هم اصلا يمجدون الدولة الصفوية و يعتزون بها فاتسائل لماذا انت تدافع عنهم حيث لا يسرهم دفاعك, وهم أبعد ان يدافع عنهم المسلم الحق, لانهم يعتبرون القرآن محرف (كتاب الكافي للكليني) و يفضلون الائمة على الانبياء و الملائكة (كتاب الحكم الاسلامي للخميني) و المجال لا يتسع لسرد جرائمهم في حق الاسلام, لكن ماعدا هؤلاء الامة الايرانية هي عظيمة برجالها و القوميين العرب لم ينكروا ان لهم ايادي بيضاء على الحضارة أنظر الى الكتب التي طبعها القوميين العرب و التي تمجد العلماء الفرس قبل نشوء الدولة الصفوية من أمثال النسائي وبن ماجه و نيسابوري و غيرهم
رجاءا العرب أمة جميلة رغم اخطائها فلا تحملوا الاشياء اكثر مما تحتمل


4 - قومجي لا يعرف انه قومجي
Syphax Rex ( 2014 / 11 / 13 - 21:44 )
سي سعد اسعدك الله وبعد
يعني انت من هؤلاء القوميين الذين لا يعرفون انهم قوميين وهذا اظن هو الجهل المركب يعني عندما تصف مواطنين في بلدانهم بانهم ازلام وتصف الدولة الايرانية بانها دولة خمينية وتهين الامة الايرانية ... هل هذا في رايك شيء عادي وعندما تصف البروفيسور صاحب المقال بانه ليس المسلم الحق يعني انك اخرجته من ملة الاسلام وتاتينا بتهم جاهزة يكيلها الوهابيون لاخوتنا الشيعة ... يعني هذا كله ولا تدري انك وهابي قومجي
اللهم اعط العقل لعبادك ... آمين


5 - أنا لم أهن الامة الايرانية
عقبة بن سعد ( 2014 / 11 / 18 - 19:45 )
إذا كان الذي يصف من هم حقا أزلام بالأزلام هو مخطئ في نظرك فأنا حقا عاجز عن إقناعك, أنا لم أهن الامة الايرانية بل بالعكس مجدت علمائها و قدمت أمثلة عن ذلك, أما فيما يخص الاتهامات التي قلت بأن الوهابيون يطلقونها, صدقني فهي ليست إتهامات و رأيي ما هو الا نتيجة بحث, إقرأ الكتابين الذين ذكرتهما في تعليقي السابق فسوف تجد العجب العجاب (إقرأ الكتابين بتريث و خذ متسع من الوقت فهما موجودان في الانترنت)
بالمناسبة لي مقالات في هذا الموقع يسرني أن تقرأها
تحاتي


6 - بعثي لا يرى نفسه انه بعثي
كريمو ( 2014 / 12 / 6 - 11:34 )
عقبة بن سعد هداك الله الى قول كلمة الحق وحفظك من هرطقات عفلق وال الاسد والوهابيين لعنهم الله جميعا وبعد
لماذا تصر على ان الايرانيين ازلام وتمارس فرق تسد في قولك بعض الايرانيين

الامة الايرانية الفارسية واحدة موحدة بعلمائها وسياسيها وخبرائها وشعبها وسينصرها الله لانها وقفت مع المظلوم الامام الحسين وانتم وقفتم مع معاوية بن هند اكلة الاكباد، وعقبة، هذا الاخير الذي عينه يزيد بن معاوية المرتد عن الاسلام

اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا