الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو فهم افضل لاسباب تخلفنا - الجزء الثاني

فهد احمد ابو شمعه

2014 / 10 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


انتهينا في الجزء الاول من هذا المقال الى التساؤل : هل الامام ابو حامد الغزالي وحده يتحمل المسؤولية الكامله عن التراجع والانحطاط والتخلف الذي بدأ بالتدريج مع بداية القرن الحادي عشر الميلادي بعد عصر ذهبي دام حوالي ثلاث قرون حملنا فية مشعل العلم والمعرفة ووصلت فيه الحضارة العربية الاسلامية الى ذروة ازدهارها ؟
ولكن قبل الاجابة عن هذا السؤال دعونا نبحث اولا في الظروف والاسباب التى كانت وراء هذا الازدهار الحضاري الكبير في ذلك العصر .
فالواقع انه كان ظرفا تاريخيا اجتمعت فيه عدة عوامل جعلت منه بحق عصر الانجازات العلمية والادبية والفنية , من تلك العوامل الاحتكاك والتواصل مع الامم والحضارات الاخرى كاليونانية والفارسيه والهندية وغيرها بحيث نشطت حركة الترجمة بشكل كبير الامر الذي ادى الى ان اخذ العرب الكثير من المعارف والعلوم من الامم الاخرى واستفادو منها وطوروها , وبنو عليها , وكان ذلك يتم ايضا بدعم وتشجيع من المؤسسة الحاكمة مثال على ذلك ان الخليفة المأمون كان يعطي كل من يترجم كتاب مقدار وزنه ذهبا , كما اسس دارا لهذا الغرض سماها دار الحكمة ,فكان يتم فيها ترجمة الاف الكتب من الهندية والفارسيه واليونانية كمؤلفات ارسطو وافلاطون وغيرهم من فلاسفة وعلماء اليونان وغيرهم , حتى انني قرأت ذات مرة ان بعض المؤلفات التي ترجمت الى العربيه كانت تتلف او تضيع في بلد المنشأ بمرور الوقت بسبب الاهمال او لاسباب مختلفة اخرى فيتم اعادة ترجمتها من اللغه العربية الى لغتها الاصلية , تطورت في ذلك العصر حركة الترجمة الى ابعد مدى مما نتج عنه شلالا وفيضانا واتسونامي من المعارف في شتى المجالات , من العوامل الاخرى ايضا التسامح الديني الذي كان سائدا في المجتمع الاسلامي آنذاك بين كافة الطوائف والاعراق والديانات والذي شكل عامل جذب للعديد من الثقافات التي تمازجت وتلاقحت في اجواء من الحرية نتج عنه ثورة ابداعيه في كافة المجالات وعلى رأسها الفلسفة -ام العلوم والمعارف - والتي قطعت شوطا طويلا في ذلك العصر , حيث ظهرت الكثير من المدارس الفلسفيه التي كان لها اثرا كبيرا في ارساء اسس البحث والتحليل العقلي والعلمي كالمدرسة ( المشائية الارسطية ) التي استندت الى اسلوب الاستدلال بالبرهان العقلي وكان من ابرز اتباعها ابن رشد وابن سينا والفارابي , وعامل اخر هام جدا ايضا هو تعاظم دور فرقة المعتزله كتيار فكري حر , اعتمدت النهج العقلاني في الفكر والعقيدة وفي تفسير وفهم النصوص الدينية مقدمة العقل على النقل مما كان له الاثر الكبير في تحريض العقل على الابداع , وبحسب فلسفتها فان الانسان يمتلك الارادة الحرة وهو مخير في اعماله ومسؤول عنها , وانطلاقا من مركزية العقل كمقياس رئيسي واوحد في الفهم والتأويل قدم المعتزلة الكثير من الطروحات الفكرية التى ساهمت في انارة وتمهيد طريق النهضة الحضارية في ذلك العصر الذهبي , وكان ينتمي لهذه الحركة الكثير من العلماء والفلاسفه وحتى الخلفاء كابن سينا والرازي والكندي والخليفة المأمون الذي بلغ الازهار الحضاري في عهدة اعلى المراتب على الاطلاق ( وفي رأيي الشخصي انه لو اتيح للفكر المعتزلي ان يدوم ويسود ويتطور ويستمر الى يومنا هذا لكنا اليوم في مقدمة الامم ) , وباختصار شهد ذلك العصر تصالحا بين العقل والنقل في حالة فريده من نوعها في التاريخ العربي الاسلامي .
نعود الى السؤآل الذي طرحناه في المقدمة حول ما اذا كان الامام ابو حامد الغزالي وحده يتحمل مسؤولية الانحطاط والتراجع الذي طرأ على عصر الازهار مع نهاية القرن العاشر الميلادي ؟ والاجابة انه بلا شك كان احد المساهمين او احد العوامل التي ادت الى ذلك التراجع , ومن هذه العوامل الاخرى ايضا انه عندما تولى الخليفة المتوكل الحكم بعد المأمون بعقدين من الزمن تقريبا , لم يكن ميالا للمعتزلة , بل على النقيض من ذلك كان ميالا لتيار معاكس تماما هو( القدرية) او (الجبرية) التي تقوم فلسفة اتباعه على ان الانسان مسير وجميع افعاله مكتوبة له ولا ارادة له فيها بل هو مجبور عليها , اضطهد الخليفة المتوكل المعتزلة وحد من حريتهم وصادر بعض مؤلفاتهم , وكذلك حارب المتوكل بعض الفلاسفة العقلانيين فحاكم وسجن الفيلسوف والعالم العربي الكبير ابو اسحق الكندي وصادر مولفاته - ابو اسحق الكندي الذي كان يقال عنه انه اعلم اهل زمانه كان عالما موسوعيا في الفلسفة والفيزياء والكيمياء والرياضيات والطب - ويقال ان المتوكل تراجع بعد ذلك واطلق صراحه .. وباختصار شهد عهد المتوكل بعض الخصام مابين العقل والنقل مشكلا البذور البدائية الاولى لحركة تراجع تنامت واثمرت انحطاطا في حقب زمنية لاحقة .
هناك ايضا الوزيرالسلجوقي ( نظام الملك الطوسي )الذي عاش في اواسط القرن العاشر الميلادي ويعتبره الكثيرين مسؤولا عن قلب الاوضاع وعن التراجع العلمي والمعرفي حين احدث في الدولة نظام تعليمي جديد سمي آنذاك ( المدارس النظامية ) تم من خلال هذا النظام مأسسة التعليم الديني بحيث اصبح التركيز في هذه المدارس على التعليم الديني السني فقط وما يتفرع عنه من علوم القران وعلوم الشريعه وعلوم التفسير وعلوم الفقه وعلوم الحديث والشروح وشروح الشروح ..الخ .. , وتم اهمال باقي العلوم كالبحوث العلمية والعلوم الانسانية الاخرى .
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -