الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحوة المدنية وبناء الدولة المدنية في تونس

ابراهيم قلواز

2014 / 10 / 28
المجتمع المدني


تعيش الجمهورية التونسية منذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي؛ مرحلة حساسة من تاريخها إن لم نقل أنها المرحلة الاستثنائية للبلاد، بما أن الشعب التونسي يعيش طيلة أيام هذه المرحلة الانتقالية على وقع التأسيس للانتقال الى الدولة المدنية الفعلية ؛المبنية على التعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير والمساواة بين الجنسين ،والتمكين لحرية المرأة ،ودور المجتمع المدني كشريك سياسي واجتماعي فعلي في بناء مستقبل الدولة التونسية.
وقد كانت تونس السباقة في التأسيس لمجتمع عصري مبني على مقومات الحداثة واللبرالية والتعددية السياسية؛ ولو بصفة شكلية إلا أن ذلك مكنها من بناء منظومة قانونية وسياسية واقتصادية لبرالية، ساهمت في بلورة منظومة قيمية اجتماعية مؤثرة على سلوك الفرد التونسي، وهو ما كان له صدا ايجابيا في نمو الوعي السياسي لدى التونسيين، وتفتحهم على الثقافة السياسية العصرية،فقد تبنت البلاد بعد استقلالها في أول دستور لها، إقرار مبادئ المساواة بين الجنسين، وتبني النهج الليبرالي والخيار الوطني القطري لبناء تونس الحديثة، وهو ما جعلها تتأخر في الانضمام لجامعة الدول العربية ،وتعيش نوع من العزلة والابتعاد عن الخط القومي والخط الإسلامي الأصولي الذي اجتاح بعض البلدان العربية.
أصبحت تونس بفضل انخراط المرأة في الحياة العامة؛ ونضالها المستمر من اجل أن تكون فردا كامل الحقوق في المجتمع، ومع تنامي دور منظمات المجتمع المدني، وصعود تأثير النقابات العامة في البلاد وكنتيجة لاحتكاك المجتمع التونسي بالثقافات الغربية باستمرار، من خلال الروابط الثقافية والسياحية أصبحت تونس دولة عصرية كأفضل نموذج بالمنظور الغربي للدولة المدنية الاوروربية.
كما مكن انتشار التقنيات الحديثة للمعلوماتية في البلاد من تأهيل الفرد التونسي، واكتسابه حسا نضاليا كبيرا ساهم في تكون حركة تضامن على نطاق واسع بين التونسيين، من خلال فعاليات المجتمع المدني والتنظيمات النسوية والنقابات العامة في البلاد، ومن خلال التفاعلات الايجابية التي ولدتها جموع المدونين عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
ما يمكن التأكيد عليه في هذا المقام ؛ بخصوص المجتمع التونسي وهو يقف على أعتاب الثورة التونسية العربية الأولى في الألفية الجديدة؛ هو جملة المقومات التي تسلح بها التونسيون وتوافرت لهم من القاعدة التاريخية والمرجعيات المدنية الكبرى والأرضيات الأولية للنضال السلمي، فامتلك بذلك أفراد المجتمع التونسي مقومات تاريخية ومقومات حديثة من اجل صناعة المستقبل المدني لتونس الديمقراطية المعاصرة.
لقد مثلت ثورة أبي القاسم الشابي الشعرية، ونضال النقابي فرحات حشاني؛ الموجة الأولى للصحوة المدنية في تونس ،صحوة كانت في ظل القيود الاستعمارية ،جاءت لتكسير الخط الاستعماري وزعزعة قناعاته بإمكانية قبول الشعب التونسي باستمرار حكم هذا الكيان الدخيل،لقد أكدت موجة الصحوة المدنية الطبيعة الأصلية للتونسيين في الميل للحرية والتمدن المبكر مثلما نظر له واصل له خط ابن خلدون في فكر العمران البشري.
جاءت انتفاضات قابس وقفصة والقصرين وسيدي بوزيد في ظل حكم الحبيب بورقيبة؛ لتعلن الموجة الثانية للصحوة المدنية في دولة صاحب نظرية العمران البشري، لتبشر بمستقبل واعد للدولة المدنية ومجتمع الحداثة في تونس، خصوصا وان البلاد تبنت مبكرا الخط الليبرالي والتخندق في المعسكر الغربي، وكان لندوة هلسنكي حول التحول الديمقراطي الأثر البالغ في تطلعات المجتمع التونسي إلى فضاءات الحرية والديمقراطية لتضيف أحداث أوروبا الشرقية قناعات أخرى للتونسيين بإمكانية تحقق هذه الآمال في المستقبل، خاصة وان دخول البلاد الشراكة الاورومتوسطية قد عزز كثيرا من هذه التطلعات والآفاق، فقد أصبحت عين المجتمع التونسي متعلقة كلية بالشمال، ومترقبة لكل خطوات التطور في هذه العلاقة فتعززت أكثر هذه الصحوة المدنية.
ورغم القهر والحرمان وسيادة منطق الفساد والاستبداد لعهد زين العابدين، المتسم بالانغلاق والتضييق على الحريات العامة، إلا أن شبكات التنظيمات المدنية كانت في تنامي مطرد كما وكيفا وأسلوبا ونوعية، واستفادت في ذلك من تجارب الثورات الملونة وكيفية تنظيم حملات النضال السلمي اعتمادا على شبكات التواصل الاجتماعي، ومعالجة المعطيات المتعلقة بالقضايا ذات الاهتمام السياسي والاجتماعي بعيدا عن مسرح القاعات والتجمعات المقموعة، وبدلا من ذلك انتظمت ضمن إطار أكثر فعالية وايجابية من خلال التفاعلات المفتوحة في الفضاءات الكبرى لشبكات المعلوماتية ،فكانت ثورة الياسمين وإسقاط بن علي والإصرار على إبعاد كل رموزه ورفض وصاية أي جهة ،للتحدث باسم الثورة، ورفض أي استقطاب أو تأثير خارجي، كانت هذه لحظة فارقة في صحوة المجتمع التونسي؛ في طريقه لبناء المدنية الحقيقية للجمهورية التونسية.
بينما تقدم القراءة المتمعنة لأول انتخابات في البلاد؛ لبناء مؤسسات الدولة المدنية للخروج من المرحلة الانتقالية، تقدم لنا الدلائل الكبرى لنضج الصحوة المدنية في تونس، وبلوغها مرحلة الوعي الحداثي والثقافة السياسية المكتملة، المستندة إلى مقومات الرزانة الاجتماعية ،الواقعية السياسية، ورشادة السلوك السياسي والانتخابي .
لقد اختار التونسيون في هذه الانتخابات طريق المدنية كخط نهائي لا رجعة فيه، ما يؤكد استحالة أية مساومة أو مناورة على مكتسبات الثورة والصحوة المدنية ،وعدم استعداد التونسيين للخضوع لأية مقاربات تبعدهم عن تحقيق الهدف الأسمى لنضالهم؛ وهو تشييد المدنية في البلاد بكل أبعادها وتجلياتها ،لقد فضل الشعب الدولة على الفوضى وفضلوا الشراكة الاجتماعية على الإقصاء أو الهيمنة، ولم ينحازوا لأي طرف فتجنب بذلك التونسيون العودة خطوات إلى الوراء في هذا الإطار.
خالف التونسيون الكثير من التوقعات التي كانت تقدم فوزا ساحقا للنهضة، كطبق انتخابي محسوم مسبقا في انتظار انتخابات الرئاسة،لكن خط افتتاح المرحلة التأسيسية إخوانيا، لم يكن كذلك لحظة خروجها، والانتقال إلى المدنية كان صحوة مدنية بامتياز، صحوة نضجت كثيرا في موجتها الرابعة الرابحة للشعب والدولة والعرب ،كنموذج مدني يمكن الاحتذاء به للتأسيس لتجارب المدنيات العربية وانجاز صحوة مدنية عربية شاملة مستقبلا.
فازت الصحوة المدنية في تونس في موجتها الرابعة، في انتظار التأكيد في المراحل القادمة، لكن مهما تكن النتائج فان تونس في طريقها لتسجل الاستثناء العربي في جملة التحولات العربية ما بعد الربيع العربي وليس الأمر بالغريب في بلد العمران البشري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخيّمات المهاجرين في تونس: صفاقس.. -كاليه- التونسية؟ • فرانس


.. متظاهرون إسرائيليون يطالبون نتنياهو بإتمام صفقة الأسرى مع حم




.. حماس توافق على مقترح الهدنة المصري القطري.. وقف إطـ ـلاق الن


.. العالم الليلة | المسمار الأخير في نعش استعادة الأسرى.. أصوات




.. شبكات | طرد جندي إسرائيلي شارك في حرب غزة من اعتصام تضامني ب