الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مزرعة الدجاج و الإستبداد

التهامي صفاح

2014 / 10 / 30
التربية والتعليم والبحث العلمي


قمت قبل أشهر ب"تأسيس مجتمع" جديد من الدجاج غير الإصطناعي لملاحظته ملاحظة علمية و الإستفادة من إنتاجه للبيض و الكتاكيت ولم لا للإغتناء المشروع و ذلك ببناء مزرعة على النمط الحديث فيها أقصى درجات الحماية "الأمنية" الأوتوماتيكية بالأسلاك الكهربائية من الأمام لوقايته من المتطفلين و المتربصين السارقين من الحيوانات كالقطط أو غيرها خصوصا بالليل و بواسطة كاميرات المراقبة المرتبطة بالكمبيوتر.فبنيتها عالية عن الأرض و محمية بالشبابيك الغير قابلة للصدأ و مجهزة بالمراوح لترطيب الجو و بالأنابيب المائية و غطيت الكل بالخشب الأصفرالجميل .كما بنيت "فنادق صغيرة من أربعة نجوم" للدجاج عالية تقترب من السطح ولها مدرجات غاية في الجمال يصعد فيها الدجاج بكل سهولة وخيلاء للمبيت في الليل أو لوضع البيض .و يمكن تنظيفها و أخذ البيض المنتظر من الخارج دون إزعاج الدجاج .ثم جعلت لها أبوابا في كل جانب و في الوسط تفتح وتغلق بسهولة ولا تترك أي مجال للعابرين من القطط للتجرؤ على الضيوف الكرام أي الدجاج و مكان خاص لعزل المرضى المحتملين لمراقبتهم يوميا وأمكنة أخرى خاصة بالدجاجات التي تحضن البيض والمؤهلة لتصبح أمهات.ثم هيأت أواني الأكل و الماء وتقديم الأدوية والتلقيحات و مأدبات شهية تعتمد على التغذية العلمية المتوازنة للدجاج المؤلفة من الذرة والقمح و الخبز المعالج ووو الخ . ثم أدخلت أول دجاجة بالغة شابة و جميلة و سميتها حليمة ووضعت لها خشبة رقيقة محمية من المطر مكتوب فيها إسمها ووزنها و لونها و تاريخ جلبها وسنها وحالتها البيولوجية كما جاءت.كانت الخشبة كافية لإضافة أي معلومات أخرى خلال التربية.ألصقتها في واجهة المزرعة بحيث يمكن لأي كان أن يطلع على تلك المعلومات من الزوار و الضيوف الذين تستهويهم رؤية أو التفرج على الدجاج.كما يمكنه التعرف على تطور حياة الدجاجة المقصودة بدءا من تاريخ دخولها للمزرعة . كانت المزرعة أنيقة ..و جميلة ..
وهكذا أدخلت باقي الدجاج حتى صار العدد كبيرا. كل دجاجة بإسمها والمعلومات الخاصة بها .وكان المكان المعد لهذا الغرض يسع الجميع وكاف من الناحية العلمية . كان هذا العمل ممتعا حقا .
بعدما قضت الدجاجة الأولى تقريبا أسبوعا و نصف وحدها أدخلت دجاجتين أخريين للمزرعة .واحدة تقريا في سنها (5أشهر) و الأخرى أصغر منها (4 أشهر) .كان رد فعلها عدوانيا بكل المقاييس .فقد هاجمت الدجاجتين الأخريين بكل شراسة بالنقر و إشتبكت معهما رغم كون الطعام كان كافيا للجميع .لم تستسلم الدجاجتين الجديدتين و دافعتا على كرامتهما بكل قوة أمام الدجاجة الأولى .لكن هذه المقاومة لم تدم سوى يومين إستسلمتا في النهاية للأمر الواقع .و رغم ذلك كانت الدجاجة الأكبر سنا من الوافدتين الجديدتين (ذات سن 5 أشهر) تشتبك مع حليمة بين الفينة و الأخرى .وفهمت حليمة هذه المقاومة و أدركتها بحيث لم تكن تهاجمها كثيرا كلما مرت بالقرب منها كما كانت تهاجم الدجاجة الأخرى التي تهرب منها .لكن الدجاجة الجديدة والمقاومة الفذة الأكير سنا هي أيضا أصبحت تنقر صديقتها الأصغر سنا كلما مرت بالقرب منها .يمكن إذن رسم سلسلة نقر تنازلية تبدأ بالرئيسة (حليمة ) الأكثر نقرا التي تنقر الجميع و تنتهي بالأصغر سنا هكذا :حليمة – الدجاجة الوافدة الأكبر سنا – الدجاجة الوافدة الأصغر سنا .
هذا السلوك الحيواني العدواني الغريزي كان يعطي لحليمة فرصة أكبر للأكل الكثير وحرمان الدجاجتين الأخريين منه من خلال الإزعاج الذي تسببه لهما خلال النهارو يتكرر حتى مغيب الشمس حيث يريد الدجاج المبيت فيبدأ في القوقأة الخفيفة فلا يكون هناك نقر ويعم السلام بينهم ثم يناموا حتى الصباح.. النتيجة و هي أن حليمة تزداد وزنا يوميا و قوة مقارنة مع الدجاجات الوافدة .
كانت علاقة حليمة الرئيسة بالدجاج علاقة ديكتاتورية بإمتياز.منطقها القوة .كلما مرت في ساحة المزرعة ينسحب باقي الدجاج من أمامها خوفا من النقر.كانت إرهابية كبيرة.ولكن هذا السلوك الحيواني كان سلوكا غريزيا لتنظيم جماعة الدجاج كحيوانات تعيش في جماعات .و هو سلوك مخالف لسلوك النحل مثلا في مملكته .وكذلك لسلوك جماعة النمل والضباع ...الخ
لقد أدخلت الكثير من الدجاج للمزرعة الصغيرة و كنت ألاحظ نفس السلوك الحيواني يتكرر.كلما دخلت دجاجة جديدة إلا و أسرعت لها الرئيسة حليمة من أقصى المزرعة تنقرها بشراسة لإخضاعها وكأنها عدو جديد رغم أن الأكل كان كافيا للجميع .بطبيعة الحال كانت الدجاجة المعتدى عليها تدافع عن نفسها مدة طويلة تنتهي بإستسلامها للأمر الواقع خصوصا و أنها كلما أفلتت من حليمة إلا وباغتها باقي الدجاج بالنقر.وخلال مرور حليمة بالقرب من الدجاج الآخرالقديم لا يسلم من منقارها و جبروتها وتهديداتها اللحظية وكأنها تقوم بتذكيره كل لحظة برئاستها الدائمة وقساوتها .
وما أثار إنتباهي في سلوك الدجاج الآخر الذي يرزح بخضوعه تحت عبودية صاحبتنا حليمة و الذي هو الآخر يهاجم بالنقرالدجاج الجديد الذي يضاف للمزرعة ذكرني بسلوك بعض الإخوة في الأردن و الإمارات و غيرها الذين كلفوا أنفسهم دون تكليف من أحد بالدفاع عن رؤساء هذه الدول من خلال فيديوهات ترد على فيديوهات أشخاص آخرين مواطنين لنفس البلدان يعيشون في الخارج و ينتقدون هؤلاء الزعماء بلغة خالية من الأدب و الإحترام فيشتمونهم و يحرقون صورهم بل يضعونها بطريقة وقحة في المراحيض تدل على تربيتهم فيما يشبه خم الدجاج .و السبب المعقول ربما هو أن الحكام الديكتاتوريين لا يحترمون العقل ولا المنطق و يشتغلون بمبدأ "نفعل ما نريد و لا نُسأل وهم يُسألون" لذلك يحصدون من مواطنيهم مثل هذا السلوك المنافي للإنسانية .
هذا السلوك سلوك الرد على المنتقدين للرؤساء بهذه الطريقة لا يوجد في دول ديموقراطية يتمتع الإنسان فيها بالحرية و الكرامة .ليس هناك من رئيس لدولة ديموقراطية يشبه صاحبتنا حليمة في سلوكها العداوني المهدد دائما لجيرانها من الدجاج . مما يدفع للتساؤل حول الفرق بين إنسان منطقتنا الذي يفوق وزن دماغه أضعاف الأضعاف مخ الدجاج الذي لاحظنا عنده هذا السلوك ؟
هل تم حذف أو تعطيل جزء من دماغه بطريقة ما ليصبح سلوكه مشابه لسلوك الدجاج ؟ .
لقد أنتج الدجاج في المزرعة الصغيرة نسبيا الكثير من البيض و الكتاكيت و بعت منه الكثيرباثمان معقولة أقل من أثمان السوق .و في النهاية بعته كله لأتخلص من "المشاكل الدجاجية" ولم أتمم المشروع لأنه كان مكلفا ..و مخلفات الدجاج لم تكن مريحة.
ولكن الملاحظة العلمية ونتائجها المصاحبة لهذا المشروع التي في جزء منها قد قدمتها هنا هي التي نجحت بكل تأكيد (هناك ملاحظات أخرى لم أذكرها هنا ).و يمكن لأي كان أن يعيد التجربة ويتأكد بنفسه مما ورد من ملاحظات في هذا المقال تهم سلوك الدجاج .
هذا هو الفرق بين الفكر العلمي الحديث و ثقافة حكايات الجدات التي يقال فيها حكت لي جدتي ...أوحكى لي جدي ....و أخذ تلك الروايات على أنها حقائق فقط عن طريق الرواية دون إعطاء أي حجج أو براهين عقلانية منطقية أو تجارب يمكن إعادتها للتأكد من صحة تلك الروايات والتي يتشكل منها الثراث الذي تم فرضه بالقوة ويتم إستهلاكه يوميا في تنفس مواطني شمال إفريقيا والشرق الأوسط للأسف دون قدرة الذين في إمكانهم تغيير هذا الوضع أن يقوموا بأي مبادرات شجاعة على أرض الواقع لإقامة الفرق بين القرون الغابرة الجاهلة التي أنتجت هذه الثقافة و أصحابها و بينهم هم و زمنهم الثوري علميا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما شكل المقاربة الأمريكية للدفع باتفاق سياسي لإنهاء الحرب في


.. خلافات معلنة بين بايدن ونتنياهو.. ما تأثيرها على الانتخابات




.. واحات جنوب المغرب -الساحرة- مهددة بالزوال!! • فرانس 24 / FRA


.. السفينة الأميركية -ساغامور- تحمل أولى شحنات المساعدات من قبر




.. #متداول.. مستوطنون يقطعون الطريق بالحجارة أمام شاحنات المساع