الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف يكون الدين في الواقع ؟

الطيب طهوري

2014 / 10 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


طرحت عبر تاريخ المجتمعات وأديانها ، وتطرح اليوم ، أسئلة كثيرة عن علاقة الدين بالواقع : أيهما يشكل الآخر يا ترى؟..هل يتغير الدين عبر التاريخ بتغير واقع المؤمنين به؟..هل يتغير الواقع بفعل تأثير الدين فيه؟..أين هو الدين اليوم؟..هل ما يزال فاعلا مؤثرا ، أم زال تأثيره بفعل عوامل ما زحزحته؟..
في عالمنا العربي الإسلامي: كيف هو الدين؟ كيف هو الواقع؟..كيف هي العلاقة بينهما؟..وأسئلة أخرى كثيرة بالتأكيد..
ليس في مقدورنا البحث في الإجابات عن كل تلك الأسئلة..يحتاج ذلك إلى الكثير من الجهد والبحث..يحتاج – ربما – إلى مؤسسات مختصة وإمكانيات كبيرة وسنوات طويلة للبحث في تلك القضايا المثارة..
سأترك كل تلك الأسئلة وأتناول في هذه الفقرات القصيرة علاقة الدين بالواقع في عالمنا العربي الإسلامي وبشكل نظري أساسا..
يمكن القول في هذا الإطار بأن مثول الدين، أي دين، في االواقع ، لا يمكن ان يكون إلا من خلال فهم المؤمنين به له وسلوكهم..
ولأن المؤمنين بالدين، أي دين أيضا، متعددون كجماعات فئوية أو طبقات اجتماعية ، فإن فهومهم له تتعدد حتما..
هذا يعني ، في الإسلام، كما في اي دين آخر، ان كل جماعة وهي تبرز فهمها له، وتمارس سلوكها على أساس ذلك الفهم، هي جماعة إسلامية بالضرورة، مهما كان فهمها مختلفا عن فهوم الآخرين ، وليس من حق أي جماعة في أي شكل كان تمثلها، حزبا سياسيا أو مذهبا فقهيا، او ..أو..ان تقول عن الأخرى انها ليست من الإسلام في شيء..
المشكلة في واقع المسلمين أن كل جماعة تدعي انها الممثل الشرعي للإسلام، اي تماثل فهمها للإسلام بالإسلام، ومن ثمة تصبغ عليه ( فهمها) ما يمكن اعتباره قداسة ، وانها على اساس ذلك تكفر كل من يعارضها او يطعن في فهمها ذاك..
ولأن معظم الجماعات الإسلامية ، إن لم نقل كلها ،تماثل فهمها للإسلام بالإسلام ،وتدعي امتلاكها الحقيقة المطلقة، وتمثيل الله في أرضه، فإنه لا مجال امامها في علاقاتها ببعضها البعض إلا ممارسة العنف بأشكاله المتنوعة، وحسب إمكانياتها..
إن ذلك لا يعني أيضا سوى ان الجماعة التي تمتلك القوة أكثر هي التي تفرض في الواقع فهمها، وتصادر فهوم الآخرين وتحاربها..
النتيجة المنطقية لكل ذلك هي فقدان المجتمع التعدد والاختلاف ،أي فقدان ما يراكم معارف الناس ويرفع من مستوياتهم العقلية ووعيهم، ويحسن من أدائهم في مختلف مجالات حياتهم، ويتيح لهم التعايش مع بعض، مهما كانت خلافاتهم، في ظل الاحترام المتبادل والتواضع والمشاركة الجماعية في خدمة مجتمعهم ، وبناء مستقبله الأرقى والأجمل والأقوى..
ترى، متى تدرك الجماعات الإسلامية ذلك، فتتواضع وتقول هذه فهومنا للإسلام، وليست هي الإسلام بإطلاق، وتقبل بمناقشة تلك الفهوم والاعتراض عليها حتى، ومن ثمة تصير عاملة أكثر على تحسينها ( الفهوم) بما يجعلها تتحسن وترتقي أكثر..؟..
للأسف الشديد، في مجتمعاتنا العربية الإسلامية التي تحبذ الجهل وتراه فضيلة، وترى في كل فكر يخالف السائد الجماعي كما تحدده القوى الدينية المهيمنة ثقافيا يصعب تحقيق ذلك ، خاصة إذا أدركنا أن مجتمعنا هذا يتافف كثيرا من القراءة التي يستحيل بدونها وبدون ان يصير المجتمع في علاقته بها خلية نحل – كما أكرر دائما - قرائية، يقرأ المتعدد المختلف ليرفع من مستوى وعيه، ويتانسن اكثر ويتواضع، ويرى انه مجتمع كباقي المجتمعات البشرية الأخرى، وأن الأفضلية في هذا العالم للمجتمعات التي تبني عقول أفرادها على أساس التعايش في ظل الاحترام مهما كانت مختلفة فكريا او اعتقاديا..الأمر صعب، صعب جدا في بلادنا..
المؤكد أن نقيض إيجابيات المقروئية كما نلاحظها في المجتمعات التي تعطي الاهتمام الكبير للكتاب هو ما يسود واقعنا ..وأبرز ما يسود أساسا هو تحول هذا المجتمع إلى مجتمع يتم التلاعب فيه بكل شيء ، ويتعمم الفساد في شرايين حياته أفقيا وعموديا..
المؤكد أيضا ان اخطر تلاعب ينتج عن هيمنة الجهل فيه هو التلاعب بالدين ..وباعتبار الدين مقدسا يلجا الناس إليه هروبا من واقعهم الحقيقي المتازم والبائس نتيجة عجزهم المزمن عن تغيير واقعهم نحو الأفضل ، ورضوخهم المطلق لذلك العجز ، وتيقنهم، نتيجة ذلك ، من استحالة ذلك التغيير ، وجعلهم الإفراط في التدين وسيلتهم التي يتصورون انهم بها يعوضون – كما قلت سابقا – عما افتقدوه من ملذات في الدنيا بملذات الآخرة ، يصير ذلك التلاعب بالدين أكثر سهولة وانتشارا..
خلاصة القول: لا دين في الواقع العملي خارج فهوم الناس له..ولا يحق لأصحاب أي فهم الادعاء بأن فهمهم ذاك هو الدين الحق، لأن ذلك الادعاء لا يؤدي إلا إلى التعصب والتضييق على حرية الفكر والإبداع ، ومن ثمة طرد المجتمع من التاريخ، وتعميق تخلفه، ونشر اليأس في نفوس أناسه، ورميهم في حال اللامبالاة والعجز والتدين المفرط المغيب للعقول، والقاتل للأحلام، إلا أحلام الآخرة ممثلة في نيل مكان ما في الجنة،وهي الأحلام التي يغريهم بها رجال الدين أئمة وفقهاء، ويسيطرون بها على عقولهم ومشاعرهم ، ويجعلونها بديلا عن جنة الدنيا التي يبنيها الآخرون بكدهم وجدهم ، ويشعرون بسعادتهم فيها وهم يطورونها ويحسنونها، ويحسنون من أدائهم فيها بشكل متواصل عن طريق الخطأ والصواب، الفشل والنجاح، كونهم بشرا يأملون ويتأملون ويفكرون ويجربون..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah