الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


راشد الغنوشي وجائزة ابن رشد

سلام عبود

2014 / 11 / 1
المجتمع المدني


أثار فوز زعيم حزب النهضة التونسي، راشد الغنوشي، بجائزة ابن رشد للفكر الحر موجة عالية من الاستياء بين صفوف المتنورين والعلمانيين العرب، دفعتهم الى صياغة نداء استنكار جماعي من على صفحات موقع "الحوار المتمدن " العلماني.
أسباب الاحتجاج متعددة وكثيرة، تبدأ من كون الغنوشي أصوليا، وزعيما لجماعة متشددة تريد الوصول الى السلطة، لغرض احتكار الخطاب العقلي، وحصره في الآحادية العقائدية الدينية. وهو أمر وجدوا فيه ما يتعارض مع مبادئ حرية الفكر، التي نادى بها ابن رشد الفيلسوف، وابن رشد المؤسسة الثقافية. بعضهم ذهب أبعد من هذا مذكـّرا بارتباط الغنوشي بقوى باطشة سابقة كالقذافي، وبجماعات سياسية مسلحة، وبقوى دولية، وغيرها كثير.
أما أسباب اختيار الغنوشي فقد فسرت تفسيرات لا حصر لها، تبدأ من تدخل أجهزة المخابرات الأميركية في الشؤون الثقافية العربية، وضغط القوى السلفية والتكفيرية، وانتهاء بالعمالة لجهات عديدة.
حينما ننظر الى تلك الأسباب المتنوعة، نجد أنها، جميعها، قابلة للنقاش والأخذ والرد، ولكن بعد أن يُمنح الحوار فسحة أكبر من الهدوء والحيادية البحثية.
فعلى المستوى السياسي، الشخصي والعام، لا يجوز لأحد أن يقلل من حجم وسعة نشاط الغنوشي السياسي، الذي واجه سياسيا سلطات تونسية متعددة، تماشى معها أحيانا، واختلف معها الى حد القطيعة، وربما الى حد الموت، فترات طويلة. أما إسهامه الثقافي، فعلى الرغم من تواضعه النسبي حجما، (أكثر من عشرة مؤلفات)، وطبيعته الشكلية، وندرة ما هو جديد أو "مُؤَصِّل" فيه، إلا أنه إسهام لا ينكر، ولا يصح تجاهله، انجزه رجل سياسة، يستنزف العمل الحزبي جزءا كبيرا من طاقته.
أحد الاعتراضات على الجائزة يقول إن مدرسة الغنوشي السياسية تيار مناهض للتنوير، وللعلمانية العربية، ولمشروع بناء الدولة المدنية، يريد إعادة التاريخ الى الوراء، وفي أفضل الأحوال تجميده وتحجيره. وهذا سبب كاف يسقط عنه حق الفوز بجائزة علمانية ثقافية رفيعة للفكر الحر. وأبعد من هذا، يمكن القول إنه لم يحدث في تاريخ الفكر العربي قط، أن منحت مؤسسة ثقافية أصولية جائزةً فكريةً الى منوّر عربي علماني، أو مثقف متحرر من العقيدة السلفية. فلماذا يفعل العلمانيون ذلك؟ مثل هذه الأسئلة مردود عليها. لأن العلمانية أكثر حرية وأكثر رحابة من غيرها، تستقبل في محيطها حتى من لا يشاطرها خصوصياتها الدقيقة. وربما هناك ما هو أبعد من هذا، هو ميلها الأصيل، المفترض، الى إرساء قواعد عقلية جديدة، تربوية، وليست سياسية، تنشد منها إعطاء قوة المثل في عدم الانحياز وفي قبول الاختلاف، وقوة المثل في نقاوة ورحابة الحرية الفكرية التي تؤمن وتبشر بها.
تلك نقاط قوة، لا يصح تجاهلها. من هنا تغدو الاعتراضات والردود عليها جائزة وممكنة، باعتبارها حلقة في حوار متصل، يهدف الى نشر الحقيقة، لا الى تصعيد الخصام المتعصب، سواء صدر من علماني أو غير علماني.
ولكن، خلف كل هذا، هناك حقائق كبيرة يوثر الناس دائما تجاهلها، أو عدم التفكير فيها. لأن بعضها يمسنا نحن أيضا، باعتبارنا جزءا من منظومة ثقافية شاملة.
لنحاول تأمل المشهد من مساقط جديدة، تبعدنا قليلا عن أسوار المنظومة الثقافية الاحتكارية، مستخدمين زوايا هي أقرب الى المنظور الفني، منها الى السياسي.
قبل سنوات ثلاث فازت امرأة يمنية، اسمها توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام، أعلى جائزة على سطح كوكبنا. (نالها قتلة ومجرمون أيضا!) لقد أسعد الناس كثيرا فوز عربي من اليمن بهذه الجائزة الرفيعة، وأسعدهم أكثر أن الجائزة كانت من نصيب امرأة. عن هذه السعادة المرعبة كتبت، حينذاك، نقدا في صحيفة (النهار) اللبنانية، لم يسمعه أحد على الإطلاق، ربما لسماجته أو سذاجته. خلاصته أن هذه الجائزة سياسية خالصة، منحت للمرأة العربية الخطأ، في الزمان الخطأ، والمكان الخطأ. لا توجد خلف الجائزة دوافع مهنية مُؤهِّلة، ولا دوافع عقلية مُرَجِّحة، ولا دوافع شخصية مناسبة. حاولت أن أقارن الفائزة بعربيات من أمثال نوال السعداوي، فأحسست بالخجل، بسبب الاختلال العظيم في أطراف المعادلة. خلاصة الحكاية: جرى تدريب - دورة صحافية سريعة في أميركا - وتلميع وجه هذه المرأة المتواضعة، على يد مؤسسات صحافية أميركية، لسبب واحد، سياسي خالص تماما، هو كونها شخصية قيادية، تنتمي الى أسرة لها موقع في قمة التنظيم اليمني الأكثر تشددا وسطوة قبليا وعسكريا، والذي كان من المؤمل، في تقدير بعض القوى، وصوله الحتمي الى السلطة. (أيها القارئ: تذكـّر هذه النقطة جيدا!) تشغل الفائزة، حاليا، مركزا قياديا في اللجنة المركزية لحزب التجمع اليمني للاصلاح، الفصيل الإخواني القبلي المسلح. لكن مقارنة هذه المرأة بنوال السعداوي - من وجهة نظر أنصار مانحي الجائزة- جعلت من السعداوي نسيا منسيا. فقد صنعت النعوتُ الغربية، التي أطلقت على هذه الناشطة الإخوانية المتحمسة، كائنا خرافيا، نادرا، واستثنائيا، في المقاييس كلها! فقد "اختارتها مجلة (تايم) الأميركية في المرتبة الأولى من بين أكثر النساء ثورية في التاريخ! واختارها قراء - مشاهدو الصور التلفزيونية وتعليقات الانترنيت المقتضبة!!- مجلة (تايم) في المرتبة الحادية عشرة من بين مئة شخصية مؤثرة في العالم. أما السفارة الأميركية في صنعاء فقد منحتها جائزة الشجاعة، وتم اختيارها من قبل منظمة (مراسلون بلا حدود) باعتبارها واحدة من بين سبع نساء أحدثن تغييرا في العالم". من يستطيع مقاومة هذا التاريخ البشري الاستثنائي الفريد؟ حتى الفريد نوبل قام من قبره رافعا قبعته وديناميته وجائزته إكراما له!
إذاً، هناك موجبات سياسية لصناعة الفائزين. هناك آلة جبارة لإنتاج التاريخ البضاعي السحري، المشيّد فوق قبر التاريخ الحقيقي. هذا هو الاستنتاج الأوّل، الذي وصلت اليه.
ظللت أنتظر ردود فعل القراء لا على مقالي، بل على المفارقة في مفهوم الحرية، التي ظننت أنني أسعى الى عرضها على الناس في ثوب حسي، مباشر. لكن الجميع، بما في ذلك حرائرنا العلمانيات العربيات، لبثن يزغردن للجائزة! الاستنتاج الثاني، الذي توصلت اليه: يوجد خلل بنائيّ جدّيّ ومؤكـَّد في علمانيتنا، وفي فهمنا لموضوع الحرية الفكرية.
وما دمنا نتحدث عن الخلل العلماني، لا بدّ من الإشارة الى أن النقاش بين العلمانيين العرب حول الفتحة والكسرة في عين كلمة "علمانية" فاق، بمئات المرات، حجم مناقشة ربط العلمانية بالحياة وبالممارسة الوجودية، وتاليا توأمتها مع الممارسة الثقافية الواقعية والسلوك الحر. هذه ثالثة الأثافي: الانشغالات الهامشية والانغمار في ثقافة القطيع العلماني.
بيد أن السؤال الأهم هو: لماذا بدأنا نرى تكرارا لأمثال هذه الجوائز تمنح لقوى محددة، في توقيتات محددة؟ الجواب على تكرارية المشهد الخاطئ يتعلق بنا أولا كأفراد، أي بمقدار فاعليتنا، وحصاناتنا الداخلية، في مواجهة ضغط الواقع الخارجي. ويتعلق ثانيا بالجبرية التاريخية، جبرية ابن تيمية، التي كتب عنها الغنوشي، ومقدار وسرعة امتثالنا للجبريات القهرية الطبيعية أو المصنوعة. وفي أحوال كثيرة امتثالنا الى جبريات مختلقة من قبلنا سرا، لكي نبرر بها فشلنا المعلن، كنوع من الترضية والتطمين النفسيين والعقليين. أي تتعلق بالمناخ السياسي العام، التاريخي، الضاغط المحيط بنا، الذي يتمثل في صعود (أسميه "تصعيد"، لأن هذا التيار لم يصعد بنفسه، باعتباره قوة مستقلة، لها محركات داخلية ضرورية تاريخيا، بل حملته رافعات خارجية) ظاهرة الإسلام السياسي، وما تزامن معها من صراع عميق في قلب المجتمعات العربية من أجل الكرامة والخبز والحرية. وهو صراع علني في دوافعه، وعلني في سبل استثماره لصالح جهات غريبة عن مجتمعاتنا، تريد حصر هذه المجتمعات بين هلالين آفلين تاريخيا، اسمهما " أفضل السيئات": القبول بتسلط التكفيريين أو الارتضاء بالمنظومة السلفية التقليدية، العائلية، المرتبطة بالأسواق التجارية الدولية، باعتبارنا شعوبا قاصرة، لا نحكم إلا بالوصاية والحماية والاسترقاق. على الرغم من أننا جميعا نعلم أن هذين الطرفين، المفضّلين والمسيّرين أجنبيا، أجزاء من كل واحد، يفضي أحدهما الى الآخر، الى الوصاية والحماية والاسترقاق. إن حزب الغنوشي المسالم والوديع، حاله كحال إخوان مرسي في مصر، وثوار طارق الهاشمي في العراق، والمعارضة التكفيرية في سورية، وجماعات الوهابية التقليدية والوهابية المتفرنجة في لبنان (مسيحية وإسلامية)، قد ينقلب وحشا إذا فقد سلطته، أو إذا سُدت طرقاته. وقد تخرج من عباءته جيوش الظلاميين الذبّاحين، على حين غرّة، كما تخرج الأرانب من قبعات السحرة.
الجوائز ذوات الرسائل السياسية المضللة، تغدو في ظروف جبرية قاهرة، صفقات سلاح ثقافية، هدفها تزيين الوجه القبيح للمعارك الدموية العبثية، وتزيين وجوه حامليها من قطاع الطرق التاريخية.
إن السيطرة على التاريخ تشترط سيطرة على عملية وعي التاريخ وإدراكه، من طريق صناعة تاريخ كاذب، انتقامي، يتولى مهمة إقفال طرقات الحياة الراهنة والمستقبلية، وسد منافذ العقل والتعبير، بالوسائل كافة.
من كل هذا نخلص الى أمرين: لا خلل في منح الغنوشي أو أي إسلامي آخر جائزة علمانية، لأنه لا تعارض بين الأمرين.
الأمر الثاني: إن تذكّر الغنوشي من قبل مؤسسة ابن رشد للفكر الحر انتباهة ذكية حقا، من منظور الحرية الفكرية، ومن منظور كسر احتكار الحقيقة العقلية. ولكنها انتباهة ذات حدين، تشبه ديناميت نوبل. انتباهة لها مخاطر سياسية، لا تستطيع مؤسسة ابن رشد إنكارها، أو إخفاءها. أبرز هذه المخاطر أن الجائزة، قبيل الانتخابات، قد تفسر على أنها دعاية انتخابية. أي لا بد لها جبريا، على رأي ابن تيمية، من أن تسهم في ترويج اسم أو جماعة، في وقت مشكوك في صحة توقيته، وفي نزاهة وحصافة اختياره.
وقد تفسر أيضا على أنها رشوة سياسية، تمنح الى زعيم حزب، من المؤكد - في ظن جهات معينة- أنه سيصل الى السلطة بطريقة ديمقراطية وحضارية، بقوة أصوات الشعب. لا يهم بعد ذلك ما سيحدث، لأن الجائزة غير معنية بالتكهنات والإفتراضات أولا. وثانيا، هي غير معنية بنتائج لاحقة، ليست مبنية على فعل بريء سابق.
المفارقة التاريخية، التي لم تحسب مؤسسة ابن رشد حسابها، تكمن في أن إسقاط ورقة راشد الغنوشي السياسية لم تأت بفعل احتجاج العلمانيين العرب على نيله الجائزة، بل جاءت بفعل الواقع السياسي العام في تونس، الذي استشعر خطورة حزب الغنوشي، وتعلـّم درس الخشية من الحرية الإخوانية المريبة، سواء في ثوبها الأردوغاني، أو المصري، أو التونسي.
نتائج الانتخابات التونسية أفشلت حسابات مؤسسة ابن رشد العلمانية، وأفسدت انتباهتها الذكية، وبينت لها أن مؤسسات صناعة الفكر الحر لدينا ما زالت في طور الهواية. من دون شك، نحن هواة، نتلمس الطريق الى الحرية بمشقة، إذا ثبت أننا منزّهون حقا عن أي أغراض خفيّة، غير حرة.
إن الحرية العقلية والحرية الفكرية في مجتمعنا تبدو مثل الزواج بأربع في الإسلام. إنه حق مشروع، يجوز لنا الاجتهاد فيه، إذا استطعنا أن نكون عادلين. ولكن الله، العالم بكل شيء، مانح الحقوق والتشريع والاجتهاد، وخالق موازين العدل، يؤكد جازما على الشك في إمكانية أن نعدل مع زوجاتنا الأربع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لتحقيق اهداف موقع الحوار المتمدن
كنعان شماس ( 2014 / 11 / 1 - 15:27 )
هناك جيش من الكتاب والمعلقين ممن يكتبون في الحوار المتمدن لو تبرع كل واحد منهم شهريا بمبلغ عشرة دولارات مثلا لموءسسة الحوار لاصبح لها ثقل فاعل وموءثر جدا في الاعلام والثقافة وانذلك ما اسهل الاستغناء عن مثل هذه الجائزة التي تلوثت سمعتها لارتباطها بهذا الرجل والذي فضح سيرته الارهابية المفكر الكبير العفيفي الاخضر كم اتمنى ان تعمم الفكرة ويشرفني ان اكون اول المتبرعين تحية


2 - الدفاع عن حقوق الإنسان باحترام الوجدان والأديان
رؤى سردار ( 2014 / 11 / 1 - 15:49 )
وشروط النشر المعلنة بعدم الإساءة إلى الأشخاص لا نشر باسم الحوار المتمدن الحائز جائزة الفيلسوف العربي المسلم (ابن رشد)

للفكر الحر جنابكم (رزكار رشيد)،

نشر تشجيع الشتم والتطاول الرخيص على أشخاص الأنبياء سيما خاتمهم وذلك أعلى خانات صفحة التحديث اليومي للموقع بأسماء بعينها لإشاعة الجرأ على النبي محمد (ص)، باسم حرية الفكر الإلكترونية الافتراضية التي جسدها عمليا في تونس الثورة الخضراء الحائز على جائزة ابن رشد (راشد) الغنوشي.

الصدقية هي الرشد لا شروط النشر بشتم نبي وإيذاء المعتقدين بعقيدته ولا للتعرض للمتطاول من مرضى التطرف والشوفينية الداعشية.

الرشد رصانة وكياسة وسمت أو صمت حيال معتقد الآخر الساكت أوالصائت في آن.
http://www.alnoor.se/article.asp?id=257828


3 - لا صدقية ولا نزاهة ولا مروءة ولا شرف
زياد عزيز ( 2014 / 11 / 1 - 18:45 )

لمن يدلس ويحجب رأي الآخر وينشر للإمعات. لهذا فشل اليسار. حسب راشد الغنوشي الحائز جائزة ابن رشد: إيمانه بالحرية.. اقتد به
وافرج عن مجرد تعليق حجبته!!!.

رشد، راشد، رشيد
http://www.alnoor.se/article.asp?id=257828

اخر الافلام

.. هيومن رايتس ووتش تدين تصاعد القمع ضد السوريين في لبنان


.. طلاب في جامعة كاليفورنيا يتظاهرون دعمًا للفلسطينيين.. شاهد م




.. بعد تطويق قوات الدعم السريع لها.. الأمم المتحدة تحذر من أي ه


.. شاهد - مئات الإسرائيليين يتظاهرون ضد حكومة نتنياهو




.. بعد أن فاجأ الجميع بعزمه الاستقالة.. أنصار سانشيز يتظاهرون ل