الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقعنا العربي الإسلامي والداعشية

الطيب طهوري

2014 / 11 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من أين جاءت داعش؟..كيف تكونت؟..هل هي نبت شيطاني ظهر فجأة في أوطاننا العربية هكذا؟..هل هي نتاج مؤامرة حيكت من قبل جهات خارجية لاترى إلا خدمة مصالحها؟..أم هي نتاج ما تشكل عليه واقعنا سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا؟..أسئلة كثيرة تفرض نفسها ونحن نرى ما تمارسه هذه القوة ( نعم هي قوة) من أفعال شنيعة منافية لكل القيم الإنسانية ، لا تعبر إلا عن حقد فضيع يملأ نفوس مسؤوليها ومقاتليها ، وجهل مطبق بمعنى الحياة وما يجب ان تكون عليه مجتمعاتنا ، وما يجب أن تفعله للخروج من ربقة التخلف والانحطاط التي طال امدها..
في تصوري أن الداعشية ما هي إلا نحن..ما هي إلا نتاج ما نحن عليه..
فأنا حين أتأمل واقعنا العربي الإسلامي أجد ان كل ما هو عليه لا يمكن ان يجعل من الفرد فيه ذكرا كان او انثى إلا داعشيا.. الداعشية هي قيح تعفن هذا الواقع..
أنظمة مستبدة تعمل وبكل ما اوتيت من وسائل على تجهيل مجتمعاتها وإفراغ عقولها من كل معرفة عقلانية ، وجعل الفرد فيها لا يحس باية مسؤولية اجتماعية ، ولا وعي لديه بواقعه المحلي والعالمي سوى وعي حاجته البيولوجية..وجعله ايضا إنسانا يائسا وبالمطلق من إمكانية إحداث أي تغيير جماعي إيجابي يجعل مجتمعه يزدهر ويتقدم..بل على النقيض من ذلك، إيصاله إلى قناعة مؤداها ( اقفز تعيش.. غبي من لا يستغل الفرص) وهو ما يعني اندماجه العميق بعالم الفساد ، يعمل كل شيء ، شرعيا كان أو غير شرعي، من اجل أن يكون متقدما في الهرم الاجتماعي..
ولأن أغلبية أفراد المجتمع لا يمكنهم تحقيق ما يقفزون من أجله ، فإنهم يزدادون يأسا وحقدا على واقعهم..يضاف إلى ذلك أنهم محرومون بفعل ذلك الاستبداد السياسي المرفود بالاستبداد الاجتماعي الذكوري المتفاوت طبقيا بفضل نهب المال العام والرشوة وما إليها من سلوكات النهب والاغتناء غير الشرعي ، والمرفود أيضا بالاستبداد الديني الذي تمثله مختلف تنظيمات القوى الأصولية مستغلة جهل المجتمع وضياعه في اليأس والفوضى وفقدانه ثقافة الحماية مما يضره للتغلغل فيه أكثر ، ومستغله ايضا عواطفه الدينية وحرمانه من مختلف متع الحياة التي تغزوه بفعل الإشهار الشارعي او الإعلامي ، ومدخلة إياه من ثمة في التدين المفرط طمعا في ضمان الجنة والتعويض فيها عن تلك المتع التي هو متعلق بها كونها تغزو ذاته في كل حين ، دون ان تسمح له إمكانياته بتحقيقها..دون ان ننسى ما هو مسلط عليه من قمع جسدي ونفسي إلى جانب انواع القمع السابقة سياسيا ودينيا واقتصاديا..ودون ان ننسى ايضا ما وصلت إليه المنظومة التربوية في هذا العالم العربي من إفلاس ، جعلها فاقدة القدرة وبشكل مهول على تكوين الإنسان العاقل الواعي المسؤول..
تلك المنظومة المفلسة، وما قلناه عن مختلف انواع القمع تجعل الفرد العربي لا ينشأ ويكبر ليكون إنسانا يقبل التعايش مع الآخر ويحترمه ويتحاور معه بشكل سلمي عقلاني يراعي ما هو مشترك من مصالح بينهما ..على النقيض من ذلك تماما، لايجعل منه، وحتما ،إلا إنسانا انفعاليا عنيفا متعصبا ،إذا ما اتيحت له فرصة التعبير عن ذاته فإنه لا يعبر إلا بالشكل العنيف..ولا يقبل الآخر المختلف عنه، بل يناصبه العداء ويحاربه.. ولأن العاطفة الدينية ووهم الحل الإسلامي هما ما بسيطر على عقله ومشاعره فإنه يتصور انه الممثل الشرعي لذلك الدين وانه المطالب وجوبا بتطبيقه في الواقع العملي كفرد وجماعة ،وعلى أساس ذلك يبدأ حربه للمخالفين له..
ولأن الذين يعتقدون انهم يمثلون الإسلام الحقيقي ويعملون على تطبيقه ويحاربون المتقاعسين عن ذلك والمخالفين لهم تنظيمات متعددة ، فإن تلك الحروب تكون في الأساس بينهم كأفراد وتنظيمات..ولأن الأمر كذلك فإنه لا عجب ان يحدث ما حدث بعد قيام ما سمي بثورات الربيع العربي ، حيث سرعان ما اوصلت تلك الثورات المجتمعات التي قامت فيها إلى الحروب الأهلية كما هو الحال عليه في سوريا والعراق وليبيا حيث كان الاستبداد أشد ، ا واو صلتها على الأقل إلى بروز القوى الأصولية التي تحاول إشعال الحروب فيها ( المجتمعات) ،كما هو الحال في تونس ومصر ، حيث كان الاستبداد أقل نسبيا، والتعددية السياسية والمعرفية أكثر تواجدا مقارنة بدول الحروب الأهلية التي ذكرنا...
خلاصة القول: إن اوضاعنا السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية لا يمكن ان تكوِّن إلا الإنسان الداعشي..إننا كلنا، بشكل او بآخر داعشيون ، ما عدا قلتنا المحدودة جدا التي أمكنها الانفلات من فكر وسلوك الداعشيين نتيجة بناء نفسها على ما يمكن اعتباره أسسا عقلانية سليمة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هنيئا لنا المرتبة15في تصنيف الفيفا
نور الحرية ( 2014 / 11 / 2 - 18:04 )
وما تفعل القلة مع الكثرة استاذنا المفكر الكبير طهوري وقد ملئت مدننا وقرانا بالمساجد وعبيت رفوف مكتباتنا بكتب عذاب القبر والثعبان الاقرع والولاء والبراء ضف الى هذا الاستبداد السياسي والاقتصادي والان دخلت كرة القدم على خط تخدير الشعوب .مجتمعات كهذه لن تنتج سوى الارهاب والتطرف والخمول الحضاري


2 - ماذا تفعل القلة؟
الطيب طهوري ( 2014 / 11 / 2 - 19:51 )
نور الحرية..طرحت سؤالا جوهريا: ماذا تفعل القلة مع الكثرة.....؟..لا اجد لي إجابة ممكنة ومقنعة وعملية على سؤالك..واقعنا العربي الإسلامي كله صار مسرحا عبثيا بامتياز..كل شيء فيه يحيل إلى الرماد..كل ممارسة فيه، سياسية كانت او اجتماعية او ثقافية أو..أو..لا تعمل إلا على ختق الحلم في الإنسان..صار الفرد في مجتمعاتنا هذه يعيش بالصدفة، لا فرق بيته والحيوان..صار اليأس يحاصره من كل مكان، غنيا كان أم فقيرا، حاكما كان أم محكوما ( ربما يتعجب البعض من ذكر الغني و الحاكم هنا)..لم يعد هناك امل..لكن المؤكد ان هذا الرماد الذي هو احتراقنا سيؤدي إلى ولادتنا من جديد..لعلنا نكون كطائر الفينيق الذي يحترق ليبعث من رماده فرخا جديدا..لعلنا..ليس امامنا سوى ان نأمل..ومن منطلق هذا الأمل نعمل ما علينا كقلة..نعمل أكثر على دفع مجتمعاتنا إلى أن تكون مجتمعات قارئة للمختلف أساسا..لأننا نؤمن ان المطالعة التي يجب ان تكون غذاء عقليا يوميا هي وسيلة تكوين الوعي لدى مواطنينا..الأمر صعب بالتأكيد..لكن..ليس امامنا من طريق سواه..هذا قدرنا وعلينا تحمله...شكرا جزيلا لك نور الحرية


3 - ما الحل؟
الطيب طهوري ( 2014 / 11 / 3 - 16:10 )
ما هو الحل؟..الحل هو إرادة الشعب ووعيه..عندما يريد الشعب ويعي ما يريد ويعرف كيف يحقق ما يريد حينها يكون الحل..امام ذلك معيقات كبيرة وثقيلة ومؤلمة جدا جدا..أولها القوى العالمية الكبرى المهيمنة سياسيا واقتصاديا وقفافيا..هذه القوى تدرك ان العالم العربي يمثل موقعا استراتيجيا مهما جدا لها ولمصالحها، وانه زاخر بمختلف الموارد الطبيعية التي تحتاج إليها، أبرزها البترول، وانه سوق كبيرة لمنتجاتها المختلفة ، حيث تعداد سكانه حوالي الـ 300مليون ، وان إسرائيل دولة تقع وسط هذا العدد السكاني الكبير كدولة معادية له..وهو ما يعني ان تلك القوى وهي غربية في الأساس يهمها بقاء الأوضاع على حالها : شعوبا لا تعي مصالحها ولا تعرف ماذا تفعل ولا تمتلك إرادتها ..تخلفا اقتصاديا رهيبا..تبعية شبه مطلقة..إلخ ثانيها: انظمة مستبدة مغتصبة للسلطة ملكية كانت او جملكية ، كما يسميها البعض، وهي انظمة ألفت نهب المال العام وكونت لها شبكة عميقة ومعقدة من المصالح ترتبط أساسا بقاء شعوبها متخلفة ضائعة..ثالثها الشعوب نفسها بما يعمها من جهل وتخلف ولا مبالاة وعجز عن إدراك مصالحها وكيف تحققها..


4 - ما الحل ..تابع..
الطيب طهوري ( 2014 / 11 / 3 - 16:13 )
رابعها القوى الإسلاموية المغيبة لعقول الناس والرابطة إياهم بعالم الآخرة والمعمقة من ثمة لتخلفهم، وهي قوى لا تخدم في الواقع إلا الغرب وتلك الأنظمة المستبدة..
الحل هو ان يصير الناس في واقعنا خلايا نحل - كما اكرر دائما - قرائية..إن المطالعة وحدها ، ومطالعة المتعدد المختلف وبكثافة هي وحدها القادرة على خلق التراكم المعرفي لدى الناس وجعلهم من ثمة اكثر وعيا بواقعهم المحلي والإقليمي والدولي ، وأكثر قدرة على تنظيم انفسهم والتعايش مع بعضهم في إطار الاحترام مهما كانوا مختلفين، والعمل من ثمة وفي إطار التوافق على إيجاد مشروع اجتماعي يجعلهم جميعا يعملون لخدمة مصالح أوطانهم وابنائهم ، وتحقيق المستقبل الآمن المزدهر لهم..المشكلة هنا ان القوى التي ذكرنا تمنع من تحقيق ذلك، وتحرص أشد الحرص على نشر نقيضه..تحرص على ان تبقى مجتمعاتنا غائبة في جهلها وتخلفها وتشرذمها وعنفها ولا عقلانيتها..

اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah