الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءه في رؤية الدكتور عبد الحسين شعبان... ملاحظات مختلفة حول شخصية ودور الفقيد عامر عبد الله

أحمد الناصري

2014 / 11 / 1
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


وصلتني نسخة من صديق عزيز، من كتاب الدكتور عبد الحسين شعبان عن عامر عبد الله المعنون (عامر عبد الله: النار ومرارة الأمل) مع عنوان ثانوي (فصل ساخن من فصول الحركة الشيوعية). قرأت الكتاب بتمعّن، وفق رؤية نقدية للمادة وما تضمنته من معلومات وقضايا وأسئلة ونقد وعرض لقضايا ملحّة كثيرة، صاحبتها حوارات معمقة ومطوّلة سابقاً ولاحقاً مع د. عبد الحسين شعبان، حول الكتاب والفقيد وقضايا كثيرة تتعلق بوضع الحركة الشيوعية العراقية الراهن وآفاقها، والموقف منها، من موقع ماركسي نقدي، بالإضافة لحوارات مستمرة تتعلق بالأزمة والكارثة الوطنية العامة الحالية، طبيعتها ومخاطرها والموقف الوطني المطلوب منها.
إنجاز وإصدار هذا الكتاب بحد ذاته ينطوي على مساهمة كبيرة ومهمة في الكتابة عن الفقيد عامر عبد الله شخصياً، الذي بدوره كتابة مباشرة عن تاريخ الحركة الشيوعية العراقية والحزب الشيوعي العراقي وقيادته وعن الحركة الوطنية، وهو مساهمة في الفكر السياسي الوطني والعام، والتعرض للمراحل وللعمل والبرامج والأفكار والمواقف الحزبية والشخصية والسياسية والثقافية، وعرض قدرات وصفات وإمكانيات هذا الشخص أو ذاك، والتطرق للجوانب الإنسانية والصفات الشخصية لهؤلاء الناس.
قضية الكتابة عن الفقيد عامر عبد الله أو غيره من الشخصيات التي لعبت دوراً أساسياً و(حاسماً) في قيادة الحزب ورسم سياسته وتحديد مصيره في منعطفات كبيرة وحساسة، هي مهمة ايجابية وضرورية، مهما كان شكلها وحجمها وطبيعتها، قبل أن تكون حق طبيعي ضمن حرية التفكير والتعبير والعمل السياسي نفسه، بغض النظر عن الآراء والمواقف والحقائق المطروحة، التي يمكن أن نتفق أو نختلف معها، كما يمكن مناقشتها والرد عليها على أساس الموقف والانحياز والرؤى المتعددة.
ما تزال قضية المراجعات والتسجيل والتوثيق ضعيفة ومحدودة في بلادنا وفي ثقافتنا وسلوكنا المنهجي، إن لم نقل أنها معدومة، لأسباب تتعلق بظروف وتفاصيل وطبيعة العمل السياسي نفسه، وقضية الحريات والقمع والمنع وظروف الملاحقات وعدم الاستقرار، وإهمال وضياع الفرص الحقيقية والصراعات الداخلية والمزاج الشخصي والفردي لبعض القيادات الحزبية وأدوارها الحقيقية وقضايا التربية والوعي، لكن المحصلة النهائية الموجودة بيننا مخيفة بضياع وفقدان كم هائل من الشهادات والوثائق، إلى جانب آراء مهمة وكثيرة، ربما ضاعت إلى الأبد.
لكن أخطر ما في الموضوع ليس عدم وجود جهد رسمي مؤسسي أو حتى فردي رصين ومفيد للكتابة والتوثيق، إنما في محاربة ومنع وعرقلة أي جهد آخر، خصوصاً إذا ما جاء من خارج المؤسسة الرسمية، وخاض في إشكالات حساسة ومختلف عليها، لكنها موجودة ومعروفة.
لذلك لم يُكتب كثيراً عن الجيل المؤسس، وعن عاصم فليح وعن فهد نفسه ورفاقه الشهداء، وبهاء الدين نوري (سكرتير الحزب من 49 إلى 53) وحميد عثمان (سكرتير الحزب بعد اعتقال بهاء) وعن مالك سيف، كخائن خطير أضرّ بالحزب (المسؤول الأول أثناء وجود فهد في السجن، وهو الذي وشى به بأن سلم رسائله الصادرة من السجن) وعن الشهيد سلام عادل، ومجموعة شهداء 63، ومجموعة شهداء 69 - 71، ثم شهداء حملة عام 78 المنظمة والشاملة، وشهداء تجربة الجبل (في أحسن التقديرات فهم أكثر من ألف شهيد، 100 شهيد منهم سقطوا في مذبحة بشتاشان وقبلها وبعدها بقليل، حيث لا توجد أرقاماً رسميةً، وهذا نقص جدي وخطير له أسبابه ودوافعه) وشهداء المحاولة الفاشلة والمخترقة من قبل النظام لإعادة تنظيم الداخل خلال سنوات الثمانينيات، وأساليبها البدائية ومحصلتها الضئيلة مقابل خسائرها الباهظة!
كتاب عبد الحسين شعبان عن عامر عبد الله، هو نموذج ساطع وبارز لأهمية هذه المساهمة والحاجة الملحّة لها، ولكل هذه الإشكالات والخلافات والاتهامات الجاهزة والمسبقة، التي يثيرها مثل هذا الكتاب، ومن ثم الردود والتعاطي معه، ليس على أساس جوهره ومادته في الغالب، إنما بالموقف الخلافي المسبق والجاهز من شخص الكاتب، والبحث في نواياه وفي ضميره، وتكبير وإبراز نواقص ومعلومات بسيطة وشكلية، رغم أهمية وحساسية المادة الكبيرة المعروضة (على الأخص فهو يناقش بعض تفاصيل تجربة ثورة 58!) وفائدتها من حيث الكتابة عن شخصية (إشكالية) مثل الفقيد عامر أو بالنسبة لأجزاء مهمة من تاريخ الحزب والحياة الداخلية.
أهم ما توصلت إليه شخصياً من متابعة وقراءة الكتاب بصدد سيرة الفقيد عامر عبد الله، ومن خلال متابعتي السابقة لمواقفه ودوره، كسيرة علنية معروفة إلى حد كبير، إن تلك السيرة يمكن تقسميها إلى مرحلتين وقسمين، المرحلة الأولى هي قبل ثورة 58، والثانية هي مرحلة الثورة وما بعدها، والتي استمرت حتى وفاته، وفيها أحداث وتحولات وتقلبات كبيرة، شخصية وعامة.
المرحلة الأولى، مرحلة تكون شخصي ووطني، وهي مهمة ورائعة، تتوجت بالانتماء إلى الحزب الشيوعي العراقي (ربما كان ذلك عام 54 وليس قبل هذا التاريخ، أي عام 51، حسب بعض المصادر!) والتعاون الخلاق والمثمر مع الشهيد سلام عادل، والنجاح في توحيد الحزب وتطوير سياسته وحياته الداخلية ونضالاته وشعاراته الوطنية والعربية، من خلال صياغتها في الكونفرنس الثاني عام 56، وبعض الدراسات الهامة والجديدة في الفكر السياسي، وقيام انتفاضة عام 56 لمناصرة مصر ضد العدوان الثلاثي الغاشم، وصولاً إلى تحقيق وانتصار ثورة 58 الوطنية وآفاقها النوعية المختلفة اللاحقة، ودور عامر عبد الله الكبير والمتميز في الإعداد والتحضير للثورة، والتنسيق مع عبد الكريم قاسم والاتصال بالصين وبالاتحاد السوفيتي لتوفير دعم عسكري وسياسي مباشر، لحمايتها من أي تدخل خارجي قد يحصل.
كانت تلك التجربة مهمة وغنية وايجابية ونوعية في حياة وعمل الفقيد رغم قصرها وسرعتها وسرعة بروزه وصعوده وتقدمه الخاطف في الصفوف القيادية الأولى للحزب، لأسباب كثيرة منها مواهبه وإمكانياته والفراغ والنقص الموجود في القيادة نتيجة الملاحقات والاعتقالات الواسعة والمتلاحقة التي حصلت بعد اعتقال وإعدام الرفيق فهد عام 49، ومنها أيضاً قربه وعلاقته المثمرة بالشهيد سلام عادل.
أما المرحلة الثانية، التي أعتبرها سلبية بشكلها العام وفي محصلتها، بل خطيرة ومدمرة على حياة ووضع الحزب والوطن ومصير ثورة 58 (على الأقل بالارتباط بنتائجها المباشرة وحصيلتها النهائية كمعيار مهم!) حيث كان الفقيد ومعه الحزب أسير التأثير إن لم نقل الأوامر والتوجيهات السوفيتية، التي لم يختلف معها أو يخرج عليها.
وقد تمنيت على الباحث عبد الحسين شعبان أن يخصص بحثاً كاملاً ومفصلاً عن علاقة الحزب والفقيد بالسوفيت وطبيعة تلك العلاقة، وهل هناك سياسة سوفيتية ومواقف محددة من الثورة ومن عبد الكريم قاسم فرضت على قيادة الحزب؟ وموقف الحزب العام المشوش من السلطة (كل سلطة!).
بعدها جرى عزل عامر عبد الله مع مجموعة الأربعة، وممارسة ما عرف بالنقد الذاتي والتسفير لإعادة التربية والتثقيف، في المدارس الحزبية السوفيتية، للتخلص من ما سمي ضيق الأفق (البرجوازي الصغير)، ثم عودة مجموعة الأربعة على رأس قيادة الحزب (عدا الشهيد أبو العيس)، من دون محاسبة ونقد ومراجعات حقيقية، وتبني مشروع خط آب عام 64 مباشرةً، ودور عامر عبد الله فيه، والانتقال إلى طرح خطة العمل الحاسم عام 65، وانشقاق عام 67، وحصول انقلاب 68، وبيان الحزب الصادر يوم 29 تموز 68، والقمع الوحشي والملاحقات والتصفيات الذي تعرضت له القيادة المركزية وباقي الأحزاب والشخصيات السياسية على يد صدام حسين وناظم كزار وجلاوزة قصر النهاية، ثم اغتيال وتصفية عدد كبير من أعضاء اللجنة المركزية والكادر المتقدم في بغداد والمحافظات بين أعوام 69 – 71، والمؤتمر الثاني للحزب في أيلول عام 70 وبرنامجه وسياسته وقراراته، والدخول في مفاوضات للتحالف مع البعث، والمشاركة في الوزارة عام 72 بشخص عامر عبد الله نفسه ومكرم الطالباني، وتوقيع التحالف مع السلطة والبعث في 17 تموز 73، حيث كانت فخاً مرعباً وقاتلاً دخلته القيادة برجليها بطمأنينة وغفلة لا تصدق.
وحين كانت قيادة الحزب الشيوعي تحتفل بتوقيع التحالف، كان البعث يخطط لأمر آخر (ففي اليوم التالي لتوقيع ميثاق الجبهة الوطنية والقومية التقدمية، وزعت تعليمات على الجهاز الحزبي، تطلب فيه القيادة القطرية تقديم أفكار ومقترحات لتفتيت الحزب الشيوعي العراقي وكان أخطر تلك المقترحات التي أخذت طريقها إلى التنفيذ، أن يجري تلغيم الحزب الحليف بزرع أفراد مندسين من أجهزة الحزب الحاكم والأمانة العامة في صفوفه، وإذا أقتضى ذلك تركهم أعمالهم والتحاقهم بإعمال أخرى في محافظات ثانية).
فكم يوم أو ساعة دام هذا التحالف – الفخ، وما هي آفاقه الحقيقية، وماذا أنجز من خطط؟ بعدها طرح برنامج وسياسة المؤتمر الثالث البائس المنعقد عام 76 بكل سذاجته وأوهامه، لتنهار الجبهة الوطنية بين عامي 78- 79، حيث حصلت التطورات الكبيرة والحساسة التي تعرض فيها الحزب للملاحقة والتدمير بغرض التصفية السياسية، ولجوء عدد كبير من الرفاق إلى الجبل والخارج في محاولة للحفاظ على الجسم المتبقي من الحزب، فكانت أكبر محنة وضربة منظمة ومخططة معدة مسبقاً (رغم كل مؤشراتها لم تتخذ القيادة أي إجراء جدي لحماية وصيانة الحزب والرفاق بل أنزلوا توجيهاً يائساً ومستسلماً (دبّر نفسك يا رفيق!)، وكانت خسائرها باهظة ورهيبة.
لقد كان دور الفقيد عامر عبد الله الرئيسي في رسم هذه السياسات الكارثية ونتائجها المدمرة على الحزب معروفاً، إلى جانب عدد معين من رفاقه في المكتب السياسي تحديداً.
أعتقد هنا بعد هذه المرحلة أو التجربة الخطيرة والفاشلة ضعف دور عامر عبد الله، وعدد كبير من القياديين السابقين، إن لم أقل انتهى! هذا الموضوع كان موضوع خلافي كبير ومعقد داخل القيادة وفي صفوف القواعد الحزبية (ماذا حصل في بغداد؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ وماذا نفعل الآن؟!)، وقضية الخلاف حول مسألة الكفاح المسلح، والموقف الفكري والسياسي منها، إلى جانب الخلاف على قضية في غاية الخطورة والحساسية، لصلتها بالموقف الوطني، أقصد هنا كارثة الحرب العراقية الإيرانية التي اشتعلت في أيلول عام 80، والموقف الرسمي المشوش والغامض منها، وانتظار نتائج الهجمات العسكرية الإيرانية بصمت، أو انتظار قيام ضابط (شريف) بانقلاب عسكري، حسب تعبير عزيز محمد.
أما موقف المجموعة الأخرى الذي وصل إلى درجة الموافقة على اللقاء بالنظام وصدام تحت شعار الدفاع عن الوطن. ومن ثم حُسم الصراع داخل المؤتمر الرابع، بطريقة غير مبدأية وليست حضارية، أنهت دور عامر عبد الله وعدد كبير من القيادات (التاريخية) القديمة داخل الحزب لصالح مجموعة عزيز- فخري كريم، هذا الأخير الذي سيطر على مفاصل الحزب وقراره ومصيره بطريقة غير طبيعية وليست شرعية طبعاً، من دون تاريخ أو مؤهلات حقيقية، عدا الاستحواذ والعزل والسيطرة، بدعم وموافقة عزيز محمد. هنا جرى استغلال وتوظيف كل هذه القضايا والمشاكل والأخطاء في مسألة الصراع الداخلي، لكن بطريقة غير مبدأية وليست صحيحة لفائدة الحزب!
لقد طرح وأثار الكتاب عدداً كبيراً من المشاكل والقضايا المعلقة والمتروكة والمتراكمة والتي لم تجر معالجتها وكشف حقيقتها وحجمها وظروفها، ثم معالجتها بالطريقة الصحيحة والمطلوبة، لكن البعض يحاول منع فتح ومناقشة هذه الملفات المتروكة على رفوف النسيان والإهمال المتعمد!
أبرز القضايا التي أثارها الكتاب والتي أثارت ردوداً خلافية وسلبية وانتقامية غير موضوعية هي...
* مشكلة الموصل ومشكلة كركوك والمواقف والأخطاء والممارسات التي رافقتهما وضرورة كشف هذه الملفات ومعالجتها بطريقة موضوعية جريئة، بعيداً اللفلفة والتأجيل والإنكار.
* التجاوزات الكبيرة التي مارستها منظمة اليمن ضد عدد كبير من الرفاق.
* اعتقال وتعذيب مجموعة الشهيد منتصر، الذي أستشهد تحت التعذيب الوحشي على أثر خلافات فكرية وحزبية داخلية.
* ظروف الإعداد والتحضير للمؤتمر الرابع، وقضية عزل نصف القيادة، بطريقة غير شرعية وفي أجواء غير طبيعية.
* قضية الفقيد ثابت حبيب والتباس محاسبته الكيدية والانتقامية المتأخرة، وعدم الاعتذار الرسمي والعلني له حتى الآن.
* قضية الاختراق الواسع من قبل النظام للحزب على جميع المستويات الحزبية في الداخل والخارج والجبل وتأثير ذلك على فشل محاولة إعادة تنظيم الداخل.
من الملاحظات المهمة الأخرى، والتي جرت أثارتها بشكل مفتعل ومقصود، فأنني لم أر أية إشارة، مهما كانت بسيطة، أو أي تلميح سلبي، لا من قريب ولا من بعيد في الكتاب، تستهدف الانتقاص من الشهيد سلام عادل ودوره، أو محاولة تقديم وتضخيم دور الفقيد عامر عليه، ولم يرد ذلك الشعور أو الموقف إلاّ في بعض الردود الموجهة نحو هذه النقطة لتوظيفها بشكل عاطفي غير عقلي ولا نقدي. ورغم كل معاني الاستشهاد ودروسه وقيمه البطولية العالية، فإن الاستشهاد لا يحول الرفيق المناضل الشهيد إلى كائن مقدس لا يطوله النقد، أو لا تشمله وتمس مواقفه المراجعات، فهذه قضية لا تخص الماركسيين والشيوعيين.
رغم التدهور النوعي في آراء ومواقف عامر عبد الله في مرحلة اليأس والانكسار وفقدان الوزن والعدمية (اللندنية) في القضايا الوطنية الأساسية والأولية، وقضايا التجربة الاشتراكية، فأنني لا أفصلها عن عموم مواقفه (اليمينية) السابقة. وهذا السلوك والموقف ينطبق على أغلب العناصر القيادية التقليدية السابقة، وموقفها المرتبك من الاحتلال أو من النظام السابق. الجذور كانت هناك، مع تطورات عاصفة وتغيرات مثيرة، حطمت وأطاحت بكل شيء!
في تجربة ثورة 58 والعلاقة الخاصة بالسوفيت لا يمكن توقّع مواقف أخرى مخالفة لهم من قبل الفقيد أو باقي القيادة، وهذا سبب رئيسي ومباشر في توالي المواقف اللاحقة في خط آب والدخول في فخ التوقيع على التحالف مع البعث بنصائح أو أوامر سوفيتية واضحة. العلاقة بالسوفيت والقبول بما يسمى بالماركسية السوفيتية لا تسمح بالتطور والاستقلالية بالنسبة للأحزاب والأفراد!
الأخطاء الكبيرة، الفكرية والسياسية المتكررة، هي تعبير مباشر عن نهج معين سائد في الحزب، وعن مستوى العناصر القيادية، والظروف السياسية العامة المحيطة بهم، فهناك مسؤولية جماعية عن تلك المواقف والأخطاء، لكنها لا تغلي تماماً دور الأشخاص المؤثرين فيها!
إن ما يكتب من آراء (اتفاق أو اختلاف) مع عامر عبد الله، وبالتحديد منذ ثورة 58 حتى عزله في المؤتمر الرابع، تنطبق تماماً على سيرة القيادة التقليدية، التي قادت وسيطرت على الحزب وحدّدت مصيره ووضعه، إلى ما حصل لاحقاً بعد الاحتلال، من مواقف هزيلة ومشوشة، هزت وثلمت الموقف الوطني الشهير للحزب، ولم تتمسك بالمواقف والتقاليد الوطنية المعروفة. لقد وصل الحزب إلى هذه الحالة وهذه الدرجة نتيجة للتآكل البطيء والطويل، مع فقدان الطاقات والإمكانيات الكبيرة، نتيجة السياسات والمواقف الخاطئة المتصلة والمتلاحقة أيضاً!
الخلاف مع وحول الفقيد عامر عبد الله ودوره في سياسة الحزب، لا يلغي ولا يقلل من مواهبه العديدة وإمكانياته الكبيرة وصفاته الشخصية، لكنها وظفت حسب تقديري بطريقة خاطئة ومضرة في العموم، لأسباب عديدة مبثوثة بين صفحات الكتاب والسيرة وطبيعة الأحداث والمهام!
أغلب الردود (شبه الرسمية) على الكتاب، بتكليف أو بالتطوع، هي ردود منفعلة وسلبية، تركت الكتاب ومادته وسيرة الفقيد وشخصيته وأمسكت بالكاتب وردّت عليه بملاسنات ومناكفات عقيمة وانتقامية ضيقة، بلا فائدة أو طائل، لا تمت بصلة للحوار والجدل والخلاف الطبيعي، وصلت إلى درجات مؤسفة من المعايرة والإسفاف والنبش، بينما كان يمكن الرد والاختلاف والنقاش والجدل الايجابي حول مادة الكتاب وقيمتها!
كتب الدكتور عبد الحسين شعبان كتباً ودراسات عديدة عن شخصيات ثقافية وسياسية عديدة مثل الجواهري وحسين جميل وسعد صالح وهادي العلوي وأبو كَاطع وشخصيات عربية مثل منصور الكيخيا وعبد الرحمن النعيمي والطيب صالح وغيرهم. الغريب والمؤسف في الأمر، عندما يجري الاعتراض بغرض محاولة منع المخالفين في الرأي من الكتابة والبحث في القضايا الخلافية أو تناول سيرة بعض الرفاق والشخصيات، بينما لا يبادر أي أحد منهم في تناول هذه الموضوعات المسكوت عنها أو المتروكة. بينما يمكن الخلاف ونقد مواقف الدكتور شعبان السياسية والفكرية في مجال آخر وليس بالربط التعسفي بكتب وموضوعات محددة!
هناك أمثلة كثيرة على هذا السلوك، فقبل سنوات طويلة شهدت حادثة مشابهة، وكنا في ندوة لمناقشة كتاب الدكتور عبد الحسين شعبان حول الفقيد شمران الياسري (أبو كاطع على ضفاف السخرية الحزينة)، كان اعتراض أحد رفاق المؤسسة الحزبية، بأن هل يجوز ويحق للدكتور عبد الحسين أن يكتب عن أبي كاطع؟ وكانت الملاحظة غريبة، لم تتناول المادة وقيمتها، وكان سببها الواضح هو الموقف من الكاتب، ثم لم يكتب شيئاً آخراً ولم تصدر أية كتب عن أبي كاطع منذ غيابه إلى الآن، رغم قيمته وموقعه بالأدب العراقي، حتى كاد أن ينسى أو يضيع!
السؤال الرئيسي الأخير، الذي أود طرحه وتثبيته، هو، هل ساهم الفقيد وعموم قيادة الحزب في طرح برنامج سياسي واقتصادي لتطوير ثورة 58، مع خطط للدفاع عنها ضد الحلف القومي الديني الرجعي المرتبط والمحرك من الخارج، في تلك الفرصة الكبيرة الضائعة، (أو برامج سياسية لاحقة) كمعيار دقيق نقيس به مستوى تطور وصحة عمل الحزب وقيادته، ومستوى التفكير والفكر السياسي الوطني والماركسي العام؟!
كتاب الدكتور عبد الحسين شعبان فرصة جديدة لطرح أسئلة كثيرة ومهمة ومحاولة جادة للإجابة عليها!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صفقة مذكرات
خالد حسين سلطان ( 2014 / 11 / 1 - 16:31 )
العزيز ابو شهاب
بعد التحية
بالنسبة الى مسالة الفقيد ابو حسان / ثابت حبيب العاني لقد قامت دار الرواد المزدهر ( المزدهرة جدا) بطبع ونشر مذكراته باشراف من السيدة شروق ابنة الفقيد وعدد من القادة السابقين للحزب والمتمسكين بالخط الذي تطلق عليه اسم الرسمي ( جاسم الحلوائي ، عادل حبة ، عبد الرزاق الصافي ... وغيرهم ) وهم ( الحزب الرسمي ) يعتبرون هذا الانجاز هو اعتذار غير معلن للفقيد ابو حسان واعتقد ان هنالك تلاعبا حصل في تلك المذكرات وخصوصا في مرحلة عزل وتهميش وااقصاء الفقيد حيث تم تناولها في المذكرات بشكل سريع ومختلق ومشوش ومرتبك ، وعلى ما يبدوا ان ذلك تم بصفقة مع عائلة الفقيد تنص على نشر المذكرات من قبل الحزب ولكن بتصرف وباشراف عدد من القادة السابقين كما اشرت .
شكرا لهذا الموضوع الرائع
مع تحياتي ومودتي


2 - مقال مهم لأحمد الناصري
أبو شهاب ( 2014 / 11 / 1 - 18:57 )
شكرا رفيق أمين على هذا المقال المهم و الذي طرحت فيه تساؤلات مهمة عن المراحل المفصلية في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي و القيت الضوء على كتاب الدكتور عبد الحسين و كشفت نواقصه . نتطلع إلى أن نقرأ لكم كتابات توضح لنا خلافاتكم مع القيادة الكردية و اليمينية وما اعقبها من لجوئكم الى الكفاح المسلح ضدها .. و نريد أن نعرف الى أي حد تحققت أهداف حركتكم الثورية .. كما ارجو أن توضح لنا مشكورا موقف بهاء الدين نوري من حركتكم اذ انني سمعت أنكم نزلتم عنده في مقره .
كما أتساءل هل تلقيتم ردود من الحزب الرسمي طوال هذه السنوات ؟
دمتم و تحياتي لكم


3 - الوثائق
Almousawi A . S ( 2014 / 11 / 1 - 20:40 )
عرض واقعي شامل
لأهم الامراض التي رافقت بزوغ الفكر الجديد
سواء بتظخيم دور الفرد
او مسخة وتعليق كل اسباب الانحراف والهزائم
على عاتقة بحيث اصبح جريئا صدور كتاب لسيرة ذاتية
لمن عمل ظمن منظمات الحزب
وعلية لابد من اختيار الزمن الهادئ الملائم
رغم الاحساس ببعد هذا الزمن
بالنظر لمجرى الاحداث باتجاهات كارثية ومأساوية متسارعة
غطت على ما يمكن الالتفات الية من تاريخ نضالي كان حلم فجر يوم جديد
وستكون الغاية المتوخات من مثل هكذا كتاب
هي الحكم مستقبلا او لمن عاش ودفع ثمن المرحلة
احسنت الايجاز


4 - عزيزي خالد
أحمد الناصري ( 2014 / 11 / 2 - 11:05 )
عزيزي خالد محنة (أبو حسان) قاسية وصعبة على يد (رفاقه)، وهي تدخل في باب الوشايات والتسقيط والصراع الداخلي غير المبدئي. والمشكلة تتضاعف مع غياب تقليد الأعتذار والتصحيح، أما الباقي فهو ترقيع هزيل لمشاكل حقيقية كبيرة. مودتي.


5 - عزيزي (أبو شهاب)
أحمد الناصري ( 2014 / 11 / 2 - 11:38 )
عزيزي (أبو شهاب) سؤالك غير واضح بالنسبة لي عن (كتابات توضح لنا خلافاتكم مع القيادة الكردية و اليمينية وما اعقبها من لجوئكم الى الكفاح المسلح ضدها ..)

كما إن أسمك غير واضح، وهو ما يتعارض مع شروط التعليق في موقع الحوار المتمدن الذي يرفض النشر باسم (أبو، أم وغيرها) وإذا كانت لك أسباباً حقيقية وضرورية لإخفاء أسمك، فيمكن لك الاتصال على الإيميل والتحاور المفيد... مودتي.
[email protected]


6 - عزيزي أبا زهراء
أحمد الناصري ( 2014 / 11 / 2 - 12:32 )
عزيزي أبا زهراء شكراً لمتابعتك... موقف ومحاولة للمساهمة بالنقد الموضوعي لتاريخنا المشترك وفق قراءات ورؤى مختلفة، مع العلم بأننا لم نكتب تاريخنا بشكل سليم وواسع للآن... مودتي

اخر الافلام

.. ماذا وراء تقارب السودان وروسيا؟


.. الاحتجاجات الداعمة لغزة: رئيسة جامعة كولومبيا تهدد بفصل طلاب




.. بلينكن: أمام حماس عرض -سخي- من قبل إسرائيل.. ماذا قال مصدر ل


.. الانتخابات الأميركية.. شعبية بايدن | #الظهيرة




.. ملك بريطانيا تشارلز يستأنف مهامه العامة | #عاجل