الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدرسة فرانكفورت و نقد العقل العملي

خالد الطيبي

2014 / 11 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ظهرت مدرسة فرانكفورت كتيار فكري في بداية العشرينيات مع مجموعة من المفكرين نذكر منهم على سبيل التخصيص لاالحصر كل من ، ماكس هوركهايمر ، فردريك بلوك ، فرانرنيومان ، ثيودور ادرنو ثم هاربرت مركوز، اشتهرت هذه المدرسة بانفتاحها على مرجعيات فلسفية كبرى ، كالفلسفة الكانطية ، الهيغلية ، الماركسية و غيرها ،حيث استهدفت رصد مختلف التحولات السوسيوسياسية في العالم المعاصر ، معتمدتا في ذلك منهجا نقديا لفهم و تحليل واقع المجتمع الغربي خاصة التطور (السلبي ) الذي شهده في الآونة الأخيرة بفعل الثورة الحضارية ،حيث زج بالانسان عقلانية أداتية جردته من كل دلالاته و معانيه (الدينية ، التاريخية ، النفسية ، الفنية ...الخ) لذلك وجهت المدرسة نقدها للعقل الشمولي في محاولة لتخليصه من براثن الهيمنة التي فرضتها الفلسفة وعلم الاجتماع الوضعي و الامبيريقي وحولته الى عقل أداتي في خدمة الدولة البرجوازية والأنظمة الشمولية. وقد اتسع النقد عندها ليشمل جميع فروع المعرفة الإنسانية ، الاجتماعية و الطبيعية كذلك .
هذه الفلسفة النقدية كانت منطلقا لرواد مدرسة فرانكفورت في انتقادهم للواقعية اللاعقلانية ، فالنظرية النقدية تعني نقد النظام المثالي الهيجلي ، ونقد الاقتصاد السياسي ، والنقد الجدلي .
تهدف هذه النظرية إلى إقامة نظرية اجتماعية متعددة المصادر والمنطلقات ، كالاستعانة بالماركسية ، والتحليل النفسي ، والاعتماد على البحوث التجريبية . وبتعبير آخر ، فالنظرية النقدية هي تجاوز للنظرية الكانطية ، والمثالية الهيجيلية ، والجدلية الماركسية ، فهي نقض للواقع ، ونقد للمجتمع بطريقة سلبية إيجابية . ويعني هذا بشكل آخر أن نقد متناقضات المجتمع ، ليس فعلا سلبيا ، بل هو فعل إيجابي في منظور مدرسة فرانكفورت . ويرتبط مفهوم " النظرية النقدية" بعنوان كتاب هوركايمر: "النظرية التقليدية والنظرية النقدية ، وقد جمع فيه صاحبه مجمل التصورات التي عرف بها أصحاب مدرسة فرانكفورت ، هذا الى جانب كتاب " جدل التنوير " الذي ألفه بمعية ثيودور ادرنو.
تركز مدرسة فرانكفورت للبحث الاجتماعي على الجانب الاجتماعي العملي في السلوك وتسعى جاهدة للبحث عن الطاقات الكامنة في الحرية والعدالة والسعادة (التي نص عليها عصر الأنوار) حين تمارس تحت ظروف وشروط تاريخية محددة وتهدف إلى نظام اجتماعي أفضل يحقق تلك الطاقات والظروف.
وكنظرية اجتماعية معيارية تحاول النظرية النقدية فهم وتشخيص أسباب الأوضاع السيئة في الواقع الاجتماعي. وينطبق هذا الهدف مع مقولات الرواد الأوائل لها، وعلى رأسهم ماكس هوركهايمر وثيودور ادورنو مثلما ينطبق ذلك على آراء زملائهم وتلامذتهم المعاصرين، وعلى رأسهم يورغن هبرماس ..

يشير هوركهايمر إلى ان" النظرية النقدية هي في المقام الأول ليست نظرية للمعرفة أو نظرية للحقيقة، مع انها جزء من المحاولات المستمرة التي تهدف للوصول إليها، انطلاقاً من اهتماماتها بالجانب الفلسفي للعلاقات الاجتماعية ، فهي لذلك محاولة جادة لإيجاد بديل نظري نقدي واضح المعالم للوقوف امام التيارات الفكرية والفلسفية التقليدية التي مارست انواعاً من السلطة التي هدفت إلى تقويض طوعي في تاريخ الفلسفة ، الذي اجبر النظرية على التراجع، وقامت على أساس منهجي قويم هو الربط الجدلي بين النظرية والممارسة. كما أكد هوركهايمر، ان جدلية النظرية والممارسة يجب أن تكون داخلية، حتى لو تنكرت النظرية لكل فهم ذاتي وفي لحظة تشكيل المصلحة، لكن على النظرية النقدية أيضاً ان تستغني، في الوقت ذاته، عن المماثلة والأحكام القاطعة التي تثير المصالح أو ترتبط بها، كما عليها ان تستغني عن كل وساطة، لأن قيمة أية نظرية نقدية للمجتمع لا تتقرر بالفصل الشكلي للحقيقة وإنما بالشروع في لحظة تاريخية معينة بالقيام بواجبها تجاه القوى الاجتماعية، وان اتخاذ مثل هذا الموقف انما يهدف أساساً إلى توجيه المعرفة الذاتية نحو المجتمع ونحو مصلحة عقلانية إيجابية، وهو ما مكنها من ان تكون فلسفة اجتماعية هدفها نقد المجتمع و خلخلة ثوابته من خلال نقد النظام القائم والكشف عن جوانب الخلل فيه ورفضه اذا كان سلبياً. وبمعنى آخر زعزعة المجتمع الصناعي ـ البرجوازي وعقلانيته التكنولوجية وما يرتبط بها من إيديولوجية، لأن نقد المجتمع، هو في الوقت ذاته، نقد ذاتي للأفكار التي تصدر عنه .

تمثلت النظرية النقدية بعدد من المفكرين الاجتماعيين الذين ينتمي الغالبية منهم إلى «اليسار الأوروبي» بعامة والألماني بخاصة، الذين سبقوا غيرهم في إثارة كثير من التساؤلات المعرفية التي تدعو إلى الشك والقلق والجدل، عن طريق نقدهم الفلسفي والاجتماعي والسياسي ورفضهم للنظام الاجتماعي القائم وكذلك إيديولوجيته. وكان من أبرز ما ميزهم عن غيرهم هو انتقالهم من نقد المجتمع ومؤسساته إلى نقد الفكر وآلياته، في محاولة لصياغة نظرية نقدية للمجتمع، وهو ما أثار اهتمام المثقف الأوروبي والأميركي وحرك في الستينات من القرن الماضي الشباب والطلاب للقيام بحركات اصلاحية في الجامعات والمؤسسات العلمية التابعة لها وكذلك في المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .
لقد أصبحت هذه المدرسة اليوم أساساً لأغلب النظريات والاتجاهات النقدية لما بعد الحداثة، وخاصة في الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والإنثروبولوجيا وحتى في الأدب والفن والموسيقى، وكذلك متابعة مصادرها وخطوط تطورها المتشابكة وتبلور نظريتها النقدية منذ نشأتها، محاولين قدر الإمكان توضيح العلاقات المعقدة لأفكار روادها الأوائل وخاصة في علاقتهم مع الفلسفات الهيغيلية والماركسية والوضعية من جهة، وحركات الشباب والطلاب التي تفجرت في منتصف الستينات من القرن الماضي من جهة أخرى، محاولين استعراض النظرية النقدية في ابعادها الفكرية والفلسفية والاجتماعية ونتائجها على تطور التفكير الاجتماعي والحركات الاجتماعية والثقافية والسياسية في الغرب، التي ميزتها عن غيرها من النظريات الفلسفية والاجتماعية، والتعرض إلى أهم المشاكل التي واجهتها في مسيرتها الفكرية الطويلة. وعلى الرغم من انطفاء شمعات أغلب روادها الكبار الا ان أفكارها الفلسفية والاجتماعية النقدية ما زالت حية، وهذا دليل على حيويتها وقوة تأثيرها وفاعليتها، التي مثلت جيلاً غير اعتيادي مرت لحظته التاريخية مروراً متميزاً وغير اعتيادي أيضاً ولم يبق من روادها الكبار اليوم سوى يورغن هبرماس، الذي يعد واحداً من أهم المفكرين والفلاسفة النقديين الكبار في أوروبا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجلة المراسل 01-06-2024 • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حزب الله يعلن قصف بلدتين في شمال إسرائيل وسط تصعيد متواصل




.. تصعيد بجنوب لبنان.. مسيّرات وصواريخ حزب الله تشعل حرائق في ا


.. الانقسام الداخلي في إسرائيل يتفاقم.. ماذا تعني تهديدات بن غف




.. تصاعد المعركة المالية بين الحكومة اليمنية والحوثيين يهدد بان