الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفكك الشخصية الوطنية

قاسم علي فنجان

2014 / 11 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تتطور الشخصية وتنمو وفقاً لانتاج ثقافة معينة داخل المجتمع, والثقافة تأتي عبر تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية تهز المجتمع وتحدث فيه اختلافات جوهرية وجذرية في رؤيته الى مجمل القضايا التي يعيشها ويتفاعل معها. هذه التغيرات التي تجري داخل ثقافة مجتمع معين, تولد مشكلات في تكون الشخصية يعبر عنها من خلال سلوكيات هذا المجتمع. نستطيع تلمس هذا التبدل في الشخصية من خلال التعبير عنها في سلوكيات هذا المجتمع. نستطيع تلمس هذا التبدل في الشخصية من رؤيتنا الى فنه (أغانيه, إشعاره, مسرحه, الخ).. او الى النضر في اساليب تربية الطفل والمنهاج التربوي والجامعي, او من خلال الطقوس والشعائر الدينية وما تعبر عنه. حتى مع الزي الذي يفضلون ارتداءه في المناسبات والاعياد التي يحتفلون بها الخ.
انها بنية كاملة برصدها نستطيع ان نرسم خطوطاً اولية لهذه الشخصية. فاذا ماكانت الثقافة او البنية الثقافية لمجتمع ما تصوغ وتشكل الشخصية, فمن المحتمل جداً ان تتغير هذه الشخصية او يصيبها التبدل اذا ماطرأ اي تغيير على الثقافة. السؤال الذي نطرحه هنا هو هل حصل اي تغيير في بنية شخصية الانسان العراقي في السنوات الاخيرة؟ وعندما نطرح المشكلة على هذا النحو فانه يجدر بنا ان نتسأل ايضاً متى بدأت تتوضح تلك التغييرات؟ وهل بقي شي للشخصية الوطنية داخل افراد هذا المجتمع؟ سنحدد باقتضاب قدر المستطاع, مالمسناه وبدا انه تغيتر وتبدل وتفكك داخل هذه الشخصية من خلال الواقع المعاشي والذي نتفاعل معة كل يوم.
باعتقادي ان هذا التغير حصل بعد الاحداث المدوية لعام 2003, تلك الهزة العنيفة التي اعادت صياغة كل شي تقريباً. (نقرة من اصبعك على الطبل تفلت جميع الانغام ويبدأ الايقاع الجديد) "ارتور رامبو" انهارت دولة او ماتبقى منها فانهار كل شي. لم يستطيع احد ان يتكهن بما ستؤول اليه الاحداث ؟ بداء الامريكان يسنون دستوراً سريعاً, دستوراً مفخخاً. الى الان نسمع دوي انفجارات مواده. وبدأ يشكلون حكومة. ستنتج لنا ثقافة طائفية وقومية. من خلال هذه الحكومة, ومن خلالها فقط بدأت تبرز ملامح جديدة للشخصية. تغيرت ردات فعل هذه الشخصية تجاة قضايا معينة وبدا انها لاتعنيها قضية "وطن" بقدر ما تعنيها قضية الطائفة او القومية. ولم يعد "العراق الجديد" يستطيع ان يجتمع في "وطن واحد" وبتعبير اخر جرى هنا "طلاق" ان صح القول داخل هذه الشخصية التي كانت في ما مضى تقف على ارض الواقع القديم, ارض "من زاخو الى الفاو" و"من الهور الى الجبل" الخ .. سقطت هذه الشعارات, الكلمات, اصبحت ذكرى قديمة, وادركت ان هذا الواقع بات مستحيلاً, وانها لاتستطيع ان تجد له اي حل.
وهنا بدأت هذه الشخصية المحبطة تبحث عن مخرج لاًزمتها فلم تجد الا الهروب الى الماضي بتذكر قائد يعتقدون انه "وطني" ويتداولون احاديثه ومواقفه وصوره, او تمثال يعبر لهم عن شموخهم الادبي والفني "المتنبي, نصب الحرية" او بعض الاغاني السبعينية "ياطعم, هذا انا" او اغاني الحرب "منصورة يابغداد" تذكرهم بأنتصاراتهم المجيدة, وبدا انهم يتوقون الى ان تتوحد بلادهم تحت اي حكومة او قائد او برلمان. ليشعرهم ذلك بالامان الذي فقدوه, مثلما يتوقون الى حياة جديرة بالانسان، لكن هذه الطموحات تبقى طموحات, بسبب انهم عاجزون تماماً على التغلب على تلك العوائق الداخلية والخارجية الكبيرة. فالهوية الطائفية والقومية, التي كانت بالامس فرعية, هامشية, اصبحت اليوم رئيسية. واخذت هذه الحكومة بكل تشكيلاتها ومؤسساتها ترسخ وتثبت هذه الهوية. وصنفوا المجتمع على هذا الاساس, حتى انهم في أرادوا تثبيتها على بطاقة التعريف الشخصية, وحاولوا ان يقيموا تعداد سكاني على هذا الأساس.
وصل تفكك الشخصية الى جمهور الانتلجانسيا. هؤلأ المثقفين التي تصدق عليهم مقولة ماركس "انهم ينجذبون, نضرياً, الى المشكلات والحلول عينها التي تستأثر عملياً باهتمام البرجوازيين الصغار, بحكم مصلحتهم المادية ووضعهم الاجتماعي" بل وصل هذا التفكك الى بعض القوى والاحزاب اليسارية. فبدأ المجتمع يصنفها على اساس طائفي وقومي. وهذا التصنيف ليس من اجتهادات المجتمع بقدر مايراه من سلوكيات لهذه القوى التي تنم بحق عن هذه الافكار. وهنا بدأت هذه الشخصية الوطنية بعد الضغط الكبير عليها تأخذ جانباً "انعزالياً" لإدراكها انها خسرت المعركة, وانها في مأزق حقيقي, وما عليها الا ان تتقبل ذلك الاغتراب البائس في علاقتها مع ذاتها ومع الاخرين..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المسيحيون في غزة يحضرون قداس أحد الشعانين في كنيسة القديس بو


.. شاهد: عائلات يهودية تتفقد حطام صاروخ إيراني تم اعتراضه في مد




.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ