الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذات والحقيقة

محمد احمد الغريب عبد ربه

2014 / 11 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هناك ذوات كثيرة تبحث عن الحقيقة، ولا تبحث عن الحقيقة، فهناك صفنان، الذات التي تسير في الحياة وتخضع للايهام المسرحي للحظة، فتصبح احد المتلقين، او الممثلين او الصانعين، كل هذه الحالات هي اندماج في الحياة، ولا تقدر هذه الذات الولوج وسبر اغوار الحقيقة، ولكنها تشكل حقائق اخري خارج سياق سؤال نفسه الصلب، تذهب الي تمثلات اخري، حقائق صراعية، منها اشياء وهمية في الخير، تتحول للانتهاء، واشياء اخري محددتها الصراع.
تشكيلات الذات نفسها وطبيعتها لا يمكنها ان تعرف نفسها وحقيقة نفسها بالاساس، فهي خارج التفكير في نفسها، لان ذلك خارج اطار العقلانية، او يحتاج الي ازدواجية في العقلانية، وهناك يثار سؤال حول الخطاب العقلاني كيف يكفر ويبحث عن الحقيقة والخطاب اللاعقلاني الذي هو اسهل الي الحقيقة.
هذا الاشتقاق يصل بنا ان التفكير العادي المبسط هو فلسفة عقلانية للحياة بها حقائق براجماتية، تختلف عن الحقيقة الاخر، هل الحقيقة هي البؤس نفسه، ولكن اكثر الطرق صدقا للحقيقة هو طرق الجنون اللاعقلانية، هو معرفة البؤس والشعور المعرفي المصاحب للتشاؤم، ولكن ملامح الحقيقة في ذاتها حتي الان لم يصل اليها احد، او يعرف كنينونتها.
لذا الذات تشعر بالحقيقة، تلامسها دائما، ولكن لا تراها، او تتحقق من ثبوتيتها، فلا احد يفكر في الحقيقة الا في تمثلاتها، التفكير نفسه في اي شئ هو زائف، لأنه يحمل تفكير خارج الحقيقة، التي لا يصل اليها أحد، ولذا لا يمكن للذات ان تستغني عن هذا الشعور بالحقيقة، وليس هناك مرواغة او تكتيكات بين الذات والحقيقة، فالامور هادئة وليتسلل هذا الشعور دائما للذات من اجل الاستمرار، فلا استمرار للحياة بدون حقيقة موجودة، ولكن لا يمكن تأكيد فهمها واستوعبها.
وهناك حالات ذاتوية مختلفة، حسب درجات البؤس والالم التي تعيشه الذات، فحالة التي لا تري فائدة من وجودها وليس فكريا، بل جسديا ووجديا، مثل الشعوب المهقورة الفقيرة، هي لا تتكلم عن الحقيقة مطلقا، هي تشعرها وتلامسها اكثر من اي ذوات اخري. هل تتناغم روحيا ونفسيا مع الحقيقة، تخاطبها في صمت وعلي شكل الحان حزينة، فالكل المعرفي والكلي للحقيقة، والاسئلة التي تثار في اماكن اخري، تصبح مكبوتة الي اقصي مدي، كبت الحقيقي والمعرفي لدي الافريقي مثلا في الادغال يعبر عن وجود مؤلم يري بداخله حقيقة مذهلة عن سر العالم ويحتفظ بها لنفسه هذا الامتياز يجعله مستمرا الي حد ما.
هذا الكلي المكبوت للحقيقي، يفتقد الي اللغة الحرة الطليقة، والي التمظهرات والاشكاليات المعرفية المعتادة، هذه الخصوصية الاقرب الي الحقيقة تظل لذاتها فهي الاكثر خصوصية علي الاطلاق ما بين طرق الذات الي الحقيقة.
وهناك الذوات التي تري من وجودها قيمة، وتتمتع بظروف معيشية جيدة مثل الاقتصادي والاجتماعي، هي اكثر رفاهية في الحقيقة، تظن انها تقول الاقرب والانضج للحقيقة، حسب رؤيتها العمومية، وهذا ليس امتياز لفكرها ونضجها، ولكن لأن خطابها المعرفي يعطيها الحق في ذلك وفقا للظرف، وليس وفقا للاحقية في القول، وهي رفاهية الحقيقة بامتياز، فقول الحقيقة لديها ملئ بالرموز واللغة والتطور، ولكنها ابعد من الحقيقة كثيراً، فهي تفتقد الي الشعورية والألم الكبير، الا بعض الافراد من فلاسفة وشعراء وفنانين، يلامسون الشعور، ولكن تأثيرهم في الوعي الجمعي لا يكون مدرك وجيد.
فالحقيقة لا تكتب ولا تقول، هي فردية، شعوريا اذا ارادنا الوصول عبر طرقها وملامستها الي حد ما وليس كليا، فهو محال، وهناك درجات تقول قليلاً، ولكنها ايضا اكثر عدما من الظروف التي تقول بأريحية، فهي تتجاوز شعوريا الحقيقة اكثر من التي تقول أريحية، وهي مثلا الغرب.
فكلما زاد شعورية الذات بالحقيقة واقترابا من العدم، الاريحية في القول للحقيقة، او المعرفي او التفلسف وصناعة الفن، تناقص، القدرة للتفكير والسؤال تنتفي.
الذات تبحث عن الحقيقة لأنها رغبة دائما للذات، ومن يدخل هذا المعترك عليه أن يدفع الثمن، لأنه يعاني الكثير، ويحدث تبدل لكل البديهيات والامور القبلية قبل الحقيقة، بالاضافة الي انه بشكل دائم يتجه للحقيقة بعكس ذاته، وهذا التعارض بين الذات في شكلها التقليدي والبحث عن الحقيقة يسبب ألم وشعوريات وافكار لا يمكن القول عنها أنها لا شئ ولا تمثل عنفوان الذات وتحطمها وتغير وبناءها اكثر من مرة في الزمن القصير.
وخير مثال علي ذلك نيتشة الذي تعبر فلسفته وافكاره، عن جهود مضنية للوصول الي الحقيقة، بشذرات تحمل من الشفافية والصدق والعنفوان الفكري، لم تشهد البشرية والفكر من قبل، ومقابل ذلك، عاني في فترة انعزاله واثناء تأليف افكاره من وحدة مفجعة، ومعاناة يومية في كل شئ، حتي وصل به الامر في أخر 11 سنة من عمره عاني من جنون كامل حتي توفي.
الذات بأنواعها هنا متساوية في موقفها من الحقيقة، فمن لا يسلك طريق الحقيقة والألم، يحمل في نفسيته مجمل السعادة وانواعها ومشاعر الانسان التقليدية من خوف وقلق وكره وحب بدرجات مرتبطة بالواقع وتغيراته، يصبح أسير الحقيقة نفسها، ويخضع تحت سلطة الحقيقة، ولا يحمل اسقاطات سلبية علي العالم، فهو يحمل السلام النفسي الكامل مع الوجود والاشياء والناس، ولكن الامر لا يدوم ذلك، ولكنه يكون مضطرب بشكل جزئي، اي تتحول السعادة والسلام مع العالم الي عكسه في فترات قصيرة، نتيجة لاخفاق مقاومة الذات لمحاولات الارتباط بالحقيقة، فهناك دفاعات وحيل من الاندماج في اعالم والبحث عن اللذة، ونسيان الحقيقة، والحزن والالم، وعند الاخفاق القليل ترن الحقيقة في الافق، ولكن هناك حيل اخري تظهر ولكنها ضعيفة تحاول منع الذات من فهم هذه الحقيقة الطائرة، حتي يعود الامر كما كان.

ومن يريد البحث عنها، ويتمرد عليها لكل يصل اليها، هو انسان الحزن واسقاطه الظلم علي العالم، لكي يتجرد منه، فحالة الكره والاشمئزاز واجبة لهذا التجرد، هنا تتحول السلطة الممارسة من كيفية ادارة التماهي مع العالم لصالح الذات نفسها، وواحدة، ادارة اللذة لصالح الفرد، البحث عن سعادة شخصية، الي سلطة ممارسة لكيفية ادارة العالم نفسه، فهذه الذات الباحثة عن الحقيقة تريد النصح والارشاد دائما، هي تهتم بقضايا العامة، لذا هي تحمل حيل دفاعية انهزامية مثالية، وتحدث اسقاطات متنوعة من تعالي وكبرياء، وقسوة العالم.
وتختلف الذوات الباحثة عن الحقيقة كما ذكرنا بتنوعها السابق يحدث هذه الاسقاطات والسلطات.
فالذي يميل الي التعمق في الذات وكينونة الحقيقة المؤلمة المجردة الشعورية البحتة، ولا يهتم بقضايا بالعالم ولا بقضايا نفسه، حيث تتهشم علاقة الداخل بالداخل، والداخل بالخارج، ويفقد الحيل الدفاعية بشكل كبير واستمرار الذات في زهوها، ويملك سلطة هشة علي كل شئ، هو يعيش في حبس انفرادي ذاتي، في عزلة مدقعة، فقد انطبعت الحقيقة وروح العالم البائس واسرار الخير والشر في ذاته بشكل غير واعي، وليس هناك مساحات للتفكير او ممارسة سلطة علي الحقيقة نفسها، وهنا تفقد الحقيقة سلطتها علي هذه الذات، وتفقد الذات سلطته علي الحقيقة، فهناك ثنائية للسلطة بين الذات والحقيقة تتبادل، ففي الاولي تفقد الذات اللذة والحياة لفقدان الحقيقة سلطتها عليها وسعي الذات لادراة لذتها بالتعاون مع الحقيقة، والثاني تفقد الذات سلطتها علي ادارة الحقيقة نفسها، وسعيها الي اسقطات فكرية ونفسية علي العالم من شعوريات مختلفة منها الشعور بالتعالي والحكمة، او البؤس الكامل، والظلم من كل شئ، او التضحية، ثم طيغان الذات علي العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب