الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رأي في أضحية العيد

الطيب طهوري

2014 / 11 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


(رأى النبي إبراهيم في المنام - ومرة واحدة - انه يذبح ابنه..وعندما هم بذبح ابنه فعلا حين سطعت شمس النهار افتدى الله الإبن بذبح عظيم ، كان حسب الشائع كبشا..
ماذا لو أن فقهاءنا كانوا أكثر رحمة بالمسلمين، والفقراء منهم خاصة، واقتدوا بما حدث لإبراهيم فجعلوا أضحية المسلم مرة واحدة في كل عمره؟.. .
ماذا لو جعلوا لكل واحد وواحدة من أبناء الرجل أضحية واحدة، حيث يضحي من له اثنان من الأبناء مرتين في حياته، ومن له ثلاثة يضحي ثلاث مرات ..وهكذا..تماما كما حدث مع ابن إبراهيم حيث افتداه الله مرة واحدة..؟
أكيد أن ذلك سيخفف الكثير من العناء عن معظم المسلمين الذين يجدون انفسهم في واقع اليوم، ولأسباب كثيرة، مضطرين إلى شراء أضحية العيد متألمين ، وعلى حساب حاجات أخرى ضرورية..
ألا تقول القاعدة الفقهية: حيث تكون المصلحة فثم شرع الله؟..
أليست مصلحة المسلمين في حاضرهم اكثر بروزا في ما اقترحته من هذه الطريقة التي تعودوا عليها ، والتي تلزم كل متزوج بان يقتني أضحية العيد، حتى ولو كان يقيم مع أبيه في نفس المسكن؟..
هل نجد فقهاء متنورين يتبنون ما اقترحته؟..
مؤكد اننا لن نجد..سيقول الجميع: هذا ما وجدنا عليه آباءنا..)..
حين نشرت هذا الرأي على صفحتي في الفايسبوك ، تلقيت مجموعة من الردود الرافضة في أغلبها..
قال البعض: الأضحية فرح في الأساس..فلماذا نحرم الناس من فرحهم؟..دعهم يضحون ويفرحون ويفرح صغارهم..
وكان ردي: لا اتصور انني اقف ضد الفرح، خاصة في عالمنا العربي الإسلامي الذي يعمه اليأس بشكل كبير..لست ضد الفرح ،بالتأكيد أقول ذلك..لكن حالة الأضحية في بلادنا لم تعد فرحا حقيقيا..لقد صارت فرحا مرتبطا بالكثير من الألم الناتج عن تحويل أضحية العيد إلى عادة ترتبط بالكثير من التكلف والمعاندة والتظاهر ..لقد صار الكل مضطرا بحكم ذلك إلى شراء الأضحية، الأمر الذي جعل أسعارها ترتفع بشكل جنوني، وجعل ما يرتبط بها من خضر وفواكه ترتفع اسعاره بشكل جنوني ايضا..لقد تحولت إلى ظاهرة استغلال بشعة يمارسها تجار المواشي الذين يكثرون في هذه المناسبة على عموم الناس..والمتضررون اكثر هم الموظفون البسطاء والفقراء عموما ، والذين يجدون انفسهم نتيجة الضغط الاجتماعي والنفسي المباشرين وغير المباشرين ، وما يتولد لديهم من تأنيب ضمير وخجل إن هم لم يضحوا ،مضطرين إلى شراء تلك الأضحية..
آخرون قالوا :إن كثرة الذبح تحرك سوق بيع وشراء الماشية، وهو ما يعني تنافس الفلاحين على تربية الحيوانات والاستثمار فيها، ومن ثمة المساهمة في خدمة الاقتصاد الوطني بشكل او بآخر ..
وأجبت: إن ما يعتبره البعض استثمارا هو في واقع الأمر استغلال بشع ، ذلك ان الكثير من الذين لا علاقة لهم بتربية الماشية وتجارتها طوال العام يلجأون بمناسبة العيد إلى التجارة بها..إنهم سماسرة يستغلون الفرصة لرفع الأسعار والاغتناء على حساب بسطاء الناس..لقد صارت العملية احتيالا وغشا ايضا..عملية التسمين المفبركة ظاهرة تنتشر بشكل كبير بمناسبة عيد الأضحى ، وهو ما يتسبب في ظهور بعض الأمراض التي ترتبط بذلك التسمين غير الطبيعي..ثم، هل يدفع هؤلاء السماسرة شيئا للخزينة العمومية كضرائب على ما يبيعونه مثلا؟..واقع الحال يقول: لا.. ألا يلاحظ أيضا توقف البيع والذبح بعد ذلك ولا عودة سوقهما إلى طبيعتها المعتادة إلا بعد أيام طويلة؟ ..ألا نرى معظم الناس يمتنعون عن شراء اللحم لمدد طويلة، محاولين تعويض ما أنفقوه من مال على الأضحية ؟.. قال آخرون: دعواالفقير يتذوق اللحم ولو مرة في العام..
فقلت: حبذا لو أن الفقير يتذوق اللحم كأخيه الغني طوال العام بدل المرة الواحدة في العام كما قلتم.. أضفت: المشكلة أن تذوق هذا الفقير للحم يكون بثمن باهظ..أسعار الأضاحي كما ترون معي ترتفع بشكل جنوني..والأضحية تؤكل في بضعة أيام وبشكل مفرط لدى اغلب الناس عندنا..وبعدها يحرم هذا الفقير من اللحم طوال ايام العام الأخرى..هل تعتبرون ذلك امرا طبيعيا؟..بالنسبة لي الأمر ليس طبيعيا بالمرة..علينا ان نحارب استغلال مناسبة العيد من قبل السماسرة الاستغلاليين..علينا ان ننمي ثروتنا الحيوانية أكثر لتصير اسعار اللحوم في متناول الجميع..علينا ان نكون عقلانيين في استهلاك اللحوم..علينا..وعلينا...
البعض اعترض على فكرتي بإحالتي إلى الواقع ، إلى التبذير الذي يلاحظ في الكثير من المناسبات ،وحتى في استهلاك الكثير من الأسر في يومياتهم العادية ، ورأى من ثمة أن المشكل يعود أساسا إلى هذا المجتمع المنهك، الضائع ، الذي لا وعي له، ولا يعرف أفراده كيف يتصرفون، وان هذا الوضع السيء سيزول حتما عندما يتملك الناس وعيهم ويصيرون يتعاملون مع مختلف سلوكاتهم ، وحتى ممارساتهم الدينية ببصيرة تضع في الاعتبار دائما مصلحة الجميع المشتركة في الحاضر والمستقبل ...إلخ..
وعلقت:أتفق معكم وبشدة في رأيكم هذا،وأنتقد بشكل صارم كل تبذير مهما كان نوعه، وكل استغلال من أي طرف كان..وإذا كنت قد تحدثت هنا عن أضحية العيد،وما يصاحبها من تبذير واستغلال، فلأن المناسبة مناسبة عيد ليس إلا..
أضفت:يبين الواقع أن هذا الوضع المؤلم طال أمده، ولا يبدو في الأفق انه سيزول..لقد صرنا مجتمعا اكثر تدينا..أفرطنا في تديننا..جعلناه تعويضا لنا عما كان يجب ان نقوم به من عمل لتطوير مجتمعنا وبناء مستقبله..وأضحية العيد تندرج ضمن ذلك الإفراط التديني.. لهذا علينا حمل معول النقد الصارم لهذا السلوك وما شابهه من سلوكات مضرة بمجتمعنا، بدل البقاء لا مبالين، منتظرين زواله هكذا وحده..
رد آخرون على تعليقي فقالوا: ألا ترى المجتمعات الغربية ، وما ينفقه الناس هناك في احتفالاتهم، مما يتجاوز ربما ما ننفقه نحن في عيد أضحانا، ونخص هنا أعياد الميلاد أساسا كمثال بارز للعيان على ذلك؟..
فكان قولي: إن الأسعار في العالم الآخر تنخفض بشكل محسوس ومدروس فيشتري الجميع ويفرح الكل..أما عندنا فترتفع اكثر أكثر..هذا جانب..الجانب الثاني أن التجار هناك معتمدون فعلا ، ويدفعون الضرائب على ما يبيعون..أما عندنا فإن معظم تجار الأضحية سماسرة يبيعون وهم غير معتمدين كتجار، ومن ثمة لا يدفعون الضرائب على ما يبيعون..إنها تجارة احتيالية في الأساس، لا شرعية لها.. علق أخيرا أحدهم فقال:
هل أنت في عقلك؟..كيف تنتقد أضحية العيد وهي سنة مؤكدة؟..إذا كان مسلمو اليوم يمارسونها بالشكل الذي تنتقده ، فإن ذللك يعود إلى سوء فهمهم للأسلام، لا إلى الإسلام ذاته..
وكانت إجابتي على تعليقه المتشنج هكذا: عجيب امرك يا صديقي..هل من ينتقد ظاهرة ما في مجتمعه لا عقل له؟..هل من يقدم اقتراحا ما كاجتهاد شخصي او رأي لا عقل له؟..
أضفت: يكفيني من كلامك انك تنتقد ممارسات المسلمين..فهل تراني أنتقد غير ذلك؟..
ثم..ألا ترى معي بأن كل دين في الواقع العملي هو ممارسات أتباعه؟..هل يطبق الدين الملائكة ام يطبقه الله ، أم يطبقه المؤمنون به؟..واقع الحال يقول إن من يطبق الدين هم الناس الذين يؤمنون به ..وهم يطبقونه وفق فهمهم له..وفهوم المسلمين للإسلام بالتأكيد تتعدد..وكل صاحب فهم يرى ان فهمه هو الصحيح..والقضية تعود اولا وأخيرا إلى وعي المسلمين ومستواهم المعرفي..إلخ..
أكملت:أعتقد اننا في حاجة ماسة إلى النقد ، تماما كما نحن ايضا في حاجة ماسة إلى إبداء الرأي في مختلف ممارساتنا، بدل وضع رؤوسنا في الرمال ومسايرة السائد القطيعي ( من القطيع)..
والقاعدة الفقهية تقول: حيث تكون المصلحة فثم شرع الله.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 11 / 3 - 12:40 )
لا تنسى أن الأضاحي تذهب لفقراء المسلمين , و هي عباره عن تكافل اجتماعي , لماذا لا تنظرون إلى فوائد الأضاحي؟ .


2 - عن فوائد الأضحية
الطيب طهوري ( 2014 / 11 / 4 - 13:42 )
صاحب التعليق الذي لم يذكر اسمه ( لماذا؟) يقول بان الأضاحي تذهب لفقراء المسلمين، ومن ثمة فهي تكافل اجتماعي..فعلا، نجد ذلك يحدث أحيانا..لكن الواقع العام هو ان حتى الفقراء ومن منطلق ما يشعرون به من خجل تجاه المجتمع يكلفون أنفسهم التضحية فيستلفون ثمنها او يشترونها بالتقسيط على حساب حاجات أخرى أساسية، ويخنقون انفسهم بحبل الذَّين ذاك..وقد يلجأون إلى القصابت فبصطفون لشراء اللحم الذي يكون ثمنه قد تضاعف قبل يوم العيد،ويتدافعون وقد يتخاصمون وهم مصطفون..هذه هي الحال في الواقع، اما ما تقوله فهو كلام مثالي يتنافى وحقيقة الواقع..إنك كمن يقول بأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فيما الواقع يبين اننا كلما ازداد المجتمع صلاة وصياما يزداد المنكر وتزداد الفحشاء..وكمن يقول بأن الحج يؤدي إلى تعارف المسلمين ومناقشتهم اوضاعهم..إلخ ، بينما الحقيقة ان أموال الحج الكثيرة جدا تذهي إلى جيوب امراء السعودية ليلهو بها في ملاهي الغرب..إلخ..نحن نتحدث عن الواقع ياأخي أو اختي لا عن اليويوبيات..شكرا جزيلا لك..


3 - بين الفوائد والمضار
الطيب طهوري ( 2014 / 11 / 5 - 17:11 )
ذكرت في مقالي الكثير من مضار أضحية العيد..وذكرت أنت منفعة مما تقول منافعهه..أنتظر منك تعداد تلك المنافع..ولنقم بعد ذلك بالموازنة بين منافعها ومضارها، فأيهما كانت الأرجح اخذنا بها..

اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah