الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقائق مهمة يكشفها الصندوق الاسود

مفيد بدر عبدالله

2014 / 11 / 3
المجتمع المدني


الاشخاص ،الزمان ،المكان، ثلاثية تشكل خزين الذكريات، وتتحرك حزمة واحدة في تجاويفها، فحين التقي شخصا أعرفه يحصل ربطا لا اراديا بين صورته وصور الأمكنة التي سبق لي أن شاهدته فيها، اهمها مكان لقائنا الاول، ولا تكتمل صورة المكان الا بأشيائه، فحين تتغير معالمه تأخذ معها كثير من الذكريات، كنت حين ازور احد اصدقائي (حسين الدغمان)، استنشق عطر جده وابيه رحمهما الله في غرفة استقبالهم القديمة، وتتراءى لي صورتيهما في زوايا الغرفة المختلفة. لكنهم عندما غيروا معالمها واضفوا عليها الحداثة (اخفوا منظر جندل السقف بسقف ثانوي، واستبدلوا الطابوق الفرشي ببلاط السيراميك وقاموا بطلي الجدران بالوان مغايرة للون القديم)، فعندما اختلفت معالم المكان، تلاشت من ذاكرتي كثير من الذكريات الجميلة.
قبل اعوام كنت أعمل سائق سيارة أجرة، استأجرني شخص يحمل معه حقيبة سفر وصندوقا اسودا من (السيسم)، طلب مني ايصاله للمطار، وبعد صعوده سيارتي دار حديثا بيننا فعرفت منه بانه مهاجرا لكندا، لم اتحفظ على استغرابي من الصندوق القديم، سائلته: ما حاجتك للصندوق القديم لتأخذه معك كندا؟ فأجاب وقد ارتسمت ملامح الحزن عليه:" هذا الصندوق يعود لأمي رحمها الله، توفيت قبل اعوام، وتركتني وحيدا مع هذا الصندوق، فيه اشياء قليل ثمنها كبير معناها، حين أتأملها اتحسر على سنين مضت، في الصندوق 12صحن طعام معلمة بلون مميز من اسفلها، فأمي رحمها الله قالت لي يوما: اي وليمة كانت تحصل في اي بيت من قريتنا، تجمع لها الصحون من كل البيوتات، العلامة خطت اسفل الصحون كي لا تختلط عند أعادتها، وهذه تحمل دلالة كبيرة على المحبة والالفة السائدة بين الجيران آنذاك.
وجدت في الصندوق وثائق تقول بان ابي وامي رحمهما الله وهبا أكثر من نصف ارثهما من البساتين للأوقاف صدقة جارية، عملهم هذا يحمل معان كبيرة، اهمها الثقة بالله الرزاق، وثقتهم بالناس وحبهم. في الصندوق ملابسي ولعبي وانا طفل صغير وصوري بالأبيض والاسود، كانت أمي تتأملها بين حين واخر، وحين فقدت بصرها أواخر ايامها صارت تتحسسها بأطراف أصابعها".
وحين توقفنا قرب بوابة المطار، فتح الصندوق، واخرج منه كيس الصور لأشاهدها، وانا اقلبها وجدت بينها صور الزعيم الراحل (عبدالكريم قاسم) رحمه الله، وحين سالته عنها قال: نسيت ان اقول لك بان امي تحبه كثيرا وقالت مرارا بانه تعتبره ابنها الثان، كانت تبكي وهي تتحسس صوره وتخاطبه قائلة: رحمك الله كم كنت طيب القلب، عفيف اليد.
ودعني باكيا، وآخر ما قال لي :"سأعود أن عات ايام الصندوق الاسود".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار