الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو فهم افضل لاسباب تخلفنا - الجزء الثالث

فهد احمد ابو شمعه

2014 / 11 / 3
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نتابع في هذا الجزء ايضا الحديث عن الاسباب التي ادت الى توقفنا عن الابداع والتطور والى تقويض اركان العصر الذهبي العربي والاسلامي مع نهاية القرن العاشر الميلادي .
حرم الكيمياء , وكفر الجميع , من فلاسفة وعلماء وشعراء وحتى الائمة كفرهم حتى الامام الغزالي كفره , بل جعل من التكفير مدرسة , فكفر ابن سينا وابن رشد والكندي والفارابي والرازي وكفر الشيعة والصوفية فكفر الفيلسوف الصوفي ابن عربي , كما كفر المعتزلة ضمنا , وعمل على احياء الفكر السلفي واعادة صياغته بما يتلائم مع فكره المتشدد .
انه رائد الفكر التكفيري شيخ الاسلام ابن تيمية الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي وكان لفقهه وافكاره المتشددة دورا بارزا في التأثير والهيمنه على العقول الى يومنا هذا , والغريب ان افكاره شكلت غزوا ثقافيا اجتاح العالم العربي وتسبب في دخول العقل العربي في سبات طويل لم يخرج منه حتى الان , ولابن تيمية الكثير من المؤلفات وعدد ضخم جدا من الفتاوي جمعت في اكثر من ثلاثين مجلدا طالت كل جوانب الدين والدنيا , واصبحت بمثابة نصوص مقدسه عند البعض وشكلت دستورا و فكرا الهم فيما بعد الكثير من الحركات والتنظيمات الدينية المتشددة على امتداد العالم الاسلامي , كذلك لابن تيمية مجموعة ضخمة من المحرمات على رأسها الكيمياء وتصوروا معي كيف كان سيبدو العالم الان بدون علم الكيمياء الحيوي جدا والذي يدخل في مختلف الصناعات الغذائية والدوائية وصناعة الملابس والكثير من الاستعمالات الاخرى الضرورية .ولابن تيمية صولات وجولات في نقد ومعاداة المنطق والفلسفة , وشن حربا شعواء ضد العقلانية , مما شكل تكبيلا وانحسارا لدور العقل وخنقا للابداع , كما رسخ مفهوم تقديم النقل على العقل , فادت تلك الافكار الى جمود عقائدي ما زال مسيطرا حتى الان وكأن الفكر والفقه الديني توقف عند ابن تيمة لا يتعداه ولا يترك اي مجال لاي اجتهاد جديد , ولا يقبل بالاختلاف بالرأي معه ,
بلور فقه ابن تيمية اتجاها متطرفا داخل الطائفة السنية , وشكل فيما بعد خطرا ومأزقا حقيقيا عندما اعتبر هذا الفقه المرجعية الاساسية لاغلب الحركات والتنظيمات الدينية المتشددة في العالم العربي واعتبر صاحبه الاب الروحي لها , ابتداء من الوهابية التى نشأت في الحجاز في مطلع القرن التاسع عشر الى تنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة , وحتى حركة الاخوان المسلمين ، والتيار السلفي بشكل عام
واليوم وبعد مرور ثمانمائة عام على وفاة ابن تيمة مازال فكر الرجل ماثلا ومهيمنا على واقع الامة المعاصر , دون الاخذ بعين الاعتبار بان فكر ابن تيمية كان نتاج ظروف عصره السياسية والاجتماعية المعقدة .بل وتحول هذا الفكر الى مشروع سياسي عمل ويعمل باستمرار على تعطيل حداثتنا وتقدمنا وعلى عرقلة المشروع الديمقراطي العربي الذي هو امل المستقبل , فالمراقب اليوم لملامح الخطاب الثقافي السياسي الديني السلفي يلمح بوضوح ماضوية وبداوة ذلك الخطاب , حيث يمارس على الامه نقلا تلقينيا , ويهمن على ثقافة السواد الاعظم من الناس من خلال ادواته المتمثلة في مشايخ الدعوه او مايسمى هذه الايام بمشايخ الفضائيات الذين خرجوا لنا اجيالا تدور بعكس تيار التاريخ .
وبالمختصر فقد نجحت افكار ابن تيمية - وكذلك الغزالي من قبله - في اقناع الناس بان لا جدوى ولا فائدة من هذه الحياة الدنيا التي نعيشها , وان جل اهتمامنا يجب ان ينصب في العمل للحياة الاخرة بالطقوس والعبادات وان الزهد في هذه الحياة هو غاية الفضيلة , وبالتالي فان اي عمل او انجاز لايخدم هذا الهدف فهو بلا جدوى او هو بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار , واننا وحدنا على حق وما عدانا فهو باطل , وتشكلت ثقافة الامة على هذا النحو وتوارثتها الاجيال في جيناتها جيلا بعد جيل , فكانت سببا رئيسيا في تخلفها وتداعي حضارتها , كما افرزت تلك الافكار ثقافة الكراهية وعدم تقبل الغير او المختلف معنا في الرأي واقامت الحواجز النفسية بيننا وبينه , وعملت على تمترس وتقوقع الامة داخل الطائفية , بالاضافة الى ثقافة التابوهات الكثيرة , وقائمة المحظورات الطويلة واللانهائية والتي وصلت الى حد حظر مجرد السؤال او الحديث في بعض الامور , كما رسخت تلك الافكار لثقافة الخوف وجعلت من الانسان العربي كائنا خائفا متوجسا باستمرار يخشى الوقوع في المحظورات سواء من فعل او من كلمة او حتى من نظرة .
وبرغم التقدم الكبير في وسائل الاتصال وعلى رأسها الانترنت والذي كما يقال - جعل من العالم قريه صغيره - والثورة المعلوماتية الهائلة التي نشهدها في السنوات الاخيرة ومانتج عنها من تقارب بين الشعوب والثقافات , الا ان ذلك لم يزدنا الا انغلاقا وانعزالا وتقوقعا في ماضويتنا وطائفيتنا , وبؤسا وتشوها وانغلاقا في ثقافتنا , وتكريسا لتخلفنا , بسبب استغلال وسائل الاتصال تلك من قبل اصحاب الخطاب السلفي الماضوي .
ان مستوى تقدم اي ثقافة يقاس على اساس مقدرتها على الابداع والابتكار ويقاس بمدى ديناميكيتها وقدرتها على التفاعل مع مستجدات الحاضر , لا الجمود والتقوقع والانزواء واجترار نصوص الماضي البعيد.
والله تعالى يقول ( يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ) اذن فهي دعوه من الله الى تمازج الثقافات ولم يقل ان اكرمكم عنده هي الطائفة الفلانية او التنظيم العلاني
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا