الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داعش واللغة

يحيى البوبلي

2014 / 11 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إن اختصار عبارة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" في كلمة "داعش" كان حدثاً بلا صوت؛ ليس لأنه خافت جداً، بل العكس تماماً هو الصحيح. الموجة ذات التردد العالي جداً لا تُسمع، لكن يمكن الشعور بضجيجها الصامت، بل وتلحق الضرر بالأذنين. اقتحمت كلمة داعش حديقة اللغة من بابها الخلفي، وما تزال تشق طريقها غير مبالية بما تدوسه من أزهار، وما تقتله من عشب، وما تطرده من طيور.

لو بحثنا عن الجذر اللغوي "دَعَشَ" في معاجم اللغة، قديمها وحديثها، فلن نجد شيئاً، وهذا ما عمّق من هول الصدمة، وجعل ظهور داعش مباغتاً كالانوجاد من العدم. فلنحاول إذاً أن نوجد معنىً لهذا الجذر، علّنا نخفّف من وقع المفاجأة. دَعَشَ: اعتدى، اغتصب، نهب، اجتاح، والمصدر دَعْشٌ. يقال: دَعَشَهُ أي اعتدى عليه (لاحظوا أن دَعَشَ فعل متعدٍّ بطبعه!)، ويقال: رجلٌ داعِش وامرأةٌ داعِش (وليس داعشة، وهذا ما يوقعنا في الحيرة، هل المقصود بالحديث ذكر أم أنثى؟!)، ويقال: مِدعاشٌ أي كثير الاعتداء. والدَّعْشَة: هي الخدعة، يقال: انطلت على العرب هذه الدعشة.

لنعد الآن إلى السؤال: هل داعش ذكر أم أنثى؟ هل نقول: داعش يقتل الأبرياء أم داعش تقتحم أراضي الضعفاء؟ هل نقول: داعش سرق الثورة السورية أم داعش اغتالت الربيع العربي؟ هل نقول: داعش هو صنيعة الغرب الإمبريالي أم داعش هي نتيجة تخلفنا وتفرقنا وذلّنا؟ إن معرفة الإجابة عن هذا السؤال مهمة، لأن التعامل مع الذكر يختلف عن التعامل مع الأنثى. لو كان داعش ذكراً، فلا بد من النظر في جبروته وبطشه وسطوته، ولا بد من الانتباه إلى أنه يحاصرنا بإحكام، كما يحاصر الخصيتين ثوب داخلي ضيق. أما إذا كانت داعش أنثى، فيجب الاحتراس من مكرها وخداعها، ويلزم الحذر الشديد من قدرتها على الإغواء، خاصة إغواء الشباب الباحث عن هويته الضائعة. أن تسير بلا هدى في ظلمة الليل في شارع قذر يعني إمكانية وقوعك فريسة لإغواء إحدى بائعات الهوى، بكل ما تحمله من ماضٍ غامض مطبوع على جسدها، وبكل ما ستثقلك به من أدواء.

هناك وحش قابع في منطقة غير واضحة المعالم، بين ما نتلفظ به وما نراه أمامنا، بين ما نكتبه وما يصيبنا، بين الكلمات والأشياء. يمدّ هذا الوحش أصابعه المروّعة من بين قضبان الحروف الأربعة، وعيونه متسمّرة على أعناقنا. هناك بالتأكيد معركة على الأرض، لكن هناك معركة أشد أهمية تدور رحاها في الوعي العربي؛ في أزقّة اللغة، وبين خنادق التراث، وعلى جبهات الفكر، ومصير المعركة الأولى معلّق بمصير الثانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي متواصل على غزة وحصيلة القتلى الفلسطينيين تتجاوز


.. إسبانيا: في فوينلابرادا.. شرطة -رائدة- تنسج علاقات ثقة مع ال




.. من تبريز.. بدأت مراسم تشييع الرئيس الإيراني رئيسي ورفاقه


.. أزمة دبلوماسية -تتعمق- بين إسبانيا والأرجنتين




.. ليفربول يؤكد تعيين الهولندي آرني سلوت مدربا جديدا له