الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكر والأنثى والتفاضل بينهما

محمد كمال

2014 / 11 / 5
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



إن الانسان ومنذ تشكل البنية الطبقية في مفاصل علاقاته الاجتماعية والاقتصادية، والتي يعود تاريخها إلى ألوف السنين، يعيش حالة الإخلال الملازم المُلْزَمِ للعلاقة بين الرجل والمرأة من موقع الجنس فيهما، أي علاقة الذكر بالأنثى. هذه العلاقة، رغم تطور العلوم الإنسانية والتطور التاريخي، مازالت في حالة عدم التوازن، وخاصة في دول العالم الثالث ومنها دولنا العربية والإسلامية.
إذاً، من هي الأنثى ومن هو الذكر في أصل أصولهما؟، وهل هناك من مسوغ كامن في مسار النشوء والارتقاء يبرر واقع الحال من عدم التوازن في ميزان العلاقة بينهما، رغم أن تباين المكونات الفيسيولوجية ليست مدعاة للتفاضل بينهما. إن هذا الخلل في العلاقة يستحث الفكر على سبر غور الأصل في المسار البيولوجي والتاريخ الاجتماعي. وانطلاقة الفكر في هذا المنحى تؤكد على خطيئة الذكر في حق الأنثى، وأنَّ هذه الخطيئة لابد لها أن تُمْحَىْ.
المرأة في بيولوجيتها حاضنة للإنسان وهي النبع في تناسل التكاثر والإبقاء حفاظاً على الصنف والجنس البشري، تتلقف بيضتها المتجددة المتحفزة من الرجل قطرة التلاقح المتدفقة، ومن التلاقح ينبت الجنين في حضن رحم دافئ حي يوفر الغذاء والرعاية للجنين، وتتحمل الأم الأعباء والآلام الجسدية والنفسية والعقلية الى حين من الزمان يربو على الثلاثمائة يوم يكتمل عندها الجنين إنساناً كامل الأوصاف، فتسلم الرحمُ أمانتها من حضنها الى حضن الصدر والذراعين ورعاية النفس والعينين، فيتدفق الغذاء حليباً نقياً صافياً في ثدي المرأة الأم غذاءً طهوراً نافعاً لبناء الانسان من طراوة الطفولة الى صلابة الصبا. وتتلازم الأم برضيعها تلازم العضو من الجسد، فتكون الأمُ للطفل الرضيع العالمَ كله، وأولى بشائر الابتسامات تتعاكس بينهما، وأولى اللمسات والتحاضن، بجمال تجليات الحنان، تكون بين الأم والطفل الرضيع دون غيرهما. وبمقتضى حكمة في مراكز كيان الطبيعة فقد تعهدت بيولوجية التكاثر وحفظ الوجود أن تختار من جنسي الإنسانِ أفضلهما ليكون نبع وحضن التكاثر، فوقع الخيار على الأنثى لأن فيسيولوجيتها وملكتها الذهنية والنفسيّة أقدر على هذه المهمة المصيرية لتنامي الجنس البشري والمحافظة عليه، وأوكلت إلى الذكر دوراً يسيراً ميسوراً ميسراً بالكاد يستذكر الذكرُ منه شيئاً سوى لحظات الأنس مع الأنثى بالتحاضن والتلاقي، فالعبء والأعباء والآلام والمسؤوليات الجسام أوكلتها إدارة البيولوجيا الى الأنثى دون الذكر، وكم كان الخيار موقفاً، لأن البيولوجيا بالمطلق لا تُخْطِئُ الخيارَ وهي أدرى بقدرات منتوجها.
تأتي على الأنثى أعباء الحضانة في الرحم بعد اكتمال التلاقح، ولكنها تتحمل أعباء التكاثر وآلامها دون التلاقح حتى، فالبيولوجيا تُلْزِمُ الأنثى ببيضة التكاثر في أحشائها مرة كل شهر أملاً في التلاقح وتتابع مسار التكوين والتَكَوُّنِ. فهذه البيولوجيا العظيمة تنظر الى الأنثى بألف عين دون أن يرف لها طرف.
والمرأة، في التزاحم الاجتماعي وتلونه الوظيفي وفي نواة الأسرة ومقتضياتها التربوية والإدارية، حاضنة للإنسان، الذكر منهم والأنثى، الصغير منهم واليافع والكبير والشيخ المقعد وحتى الضرير، فهي الأم التي تحضن جيلاً من الأطفال وتتحمل مسؤولية تربيتهم وتدبير حاجياتهم اليومية بكل صنوفها، من غذاء وتغذية ونظافة وتنظيف ولباس وكساء، وهي التي تسهر على راحتهم وتأمين سلامتهم والاطمئنان على صحتهم، وهي التي تتولى مسؤولية تربيتهم وتوجيههم المسلكي والمعرفي والاطمئنان إلى راحتهم وحالهم الى أن يكتمل بنيانهم الجسدي وتتأكد قدراتهم الذهنية على الاعتماد على النفس. وحتى بعد اكتمال البنية وتبلور الذهن تبقى الأنثى هي الأم بؤرة الحب والحنان ومورد النصح والتوجيه، وما خاب يومٌ نُصْحَ أمٍّ لوليدها، والأنثى، بطبيعة الأمومة الملزمة من الذات على الذات، وبمقتضى وظيفتها الزوجية، هي المديرة المدبرة لشؤون الأسرة وهي الحامية والحافظة للأمانة الزوجية ولسلامة الاسرة ولسمعتها ومكانتها الاجتماعية.
ومع تفاعلات وتراكمات القدر التاريخي والاجتماعي والاقتصادي صارت الأنثى لزيمة الذكر في بنية نواة تُسَمَّى الأسرة، وبمقتضيات اللغة والأسماء، بغية التعرف والتعارف، تَسَمَّى الذكرُ زوجاً والأنثى زوجة، وتلازما تلازم مكونات الذرة في نواتها، وصارت الأنثى على مسار التاريخ وبناء المجتمعات في مكانة من الذكر أدنى. وكان هذا التحول هو بدايات ظلم الانسان للإنسان، تَنَكُّرَ الذكرِ للأنثى والتمادي في اضطهادها والنيل من كرامتها.
رغم أمانة البيولوجيا وعدالتها في توزيع الأدوار بين الذكر والأنثى، إلّا أن التراصَ البشري في بنيته الاجتماعية وتوزيع الوظائف الاجتماعية والاقتصادية غَلَّبَ دور الذكر على الأنثى في غالبية المجتمعات البشرية إلّا فيما ندر منها، وساهم التحول الاجتماعي-الاقتصادي من مجتمع التعاون، غير الطبقي، لتأمين العيش المشترك إلى مجتمع طبقي وبدايات استغلال الانسان لأخيه الانسان، في قلب الموازين بين الأنثى والذكر، فألزَمَ الذَكَرُ الأنثى أن تكون أقل شأناً بشرياً وأدنى مرتبة اجتماعية من الذكر، ليس إلّا بمقتضى المصالح الطبقية المستجدة في عنفوانها العبودي، حتى أن هذه الأنثى، التي عَظَّمَتْها حكمة البيولوجيا، أضحت بضاعة تباع وتشترى في أسواق النخاسة، وآلَ حالها آن تكون هدفاً للغزاة وبرابرة الحروب والتوسع، وصارت من بين الغنائم سبايا للغالب يتصرف بها على هوى نزعاته وحاجياته وأمراضه النفسية، ورغم أن المرحلة العبودية إستعبدت الذكر والأنثى، إلّا أن نصيب الأنثى من الاضطهاد وهدر الكرامة كان أَمَضَّ وأشقى، كان الشاري في سوق النخاسة يتفحص جسد الأنثى، عارية العُرَى، من قمة رأسها إلى أخمص قدميها ويُقَلِّبُ أطرافها ويتحسس معاطفها وأمام عموم الناس دون أن تتثاوب فيه ذرة من ضمير، دون أن يستذكر من مكامن الذاكرة أنَّهُ عاش في رحم أنثى وأنه رضع من ثدي أنثى، تبخرت الذاكرة وتَشَظَّى الضمير على صخرة المصالح الطبقية.
هذا هو الذكر الطبقي المصلحي الذي حملته الأنثى في أحشائها وسلمته الى فضاء الحياة. وهكذا سار الذكر في تعامله مع الأنثى على نهج يخالف الطبيعة ويناقض بيولوجية الحياة، وأُسْقِطَ هذا الحال من التنكر للأنثى على العلاقة الزوجية في نواة الأسرة، وحتى آليات التقدم للزواج هي أشبه بالبيع والشراء، ومدارك الحقوق والواجبات، ففي الحقوق هي الأدنى وفي الواجباتِ اللوازمُ عليها أشَدُّ وأقسى.
إنَّ للتراكم بمنعطفه النوعي وَقْعٌ آسِرٌ وغالبٌ على الذهن البشري، فمع تراكم التجربة البشرية الخاطئة في رسم العلاقة التفاضلية بين الذكر والأنثى، تحولت هذه التجربة إلى حقيقة شبه مقدسة، حتى أنَّ الأنثى خانتها التجربة في حقيقة ذاتها وسلمت أمر اليقين في تصديق منتوج التجربة الخاطئة والمغايرة لطبيعة الأشياء في أصولها، فتنكرت بذاتها لذاتها وهي في سكرة التصديق لما خَطَّهُ الذكر لها وعليها، وحتى أن مقدسات الذكر تستوجب الترفع والتعالي على الأنثى.
مع كل هذه المناقب والمسئوليات الجسام والأمانة في الأداء، هل حقاً الأنثى أقَلُّ من الذكر في إدارة وتدبر الشؤون العامة ووظائف الدولة؟ إنَّ الأمر في حاجة إلى مساءلة ومراجعة نقدية، دون أدنى تحفظ في هياكل النقد.
إنَّ الإنسان، وخاصة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، في حاجة الى السير على خطى تجربة تعيد الحق إلى نصابه، ويُسائِلُ نفسه: وإلى متى يستمر الذكر في إهدار كرامة أُمِّهِ؟ كل أنثى، وإِنْ بعدت علاقة الدم بينها وبين الذكر، فهي رمز للأمومة وهي الصورة العاكسة لكل الأمهات، فمن يتطاول على أَيَّةِ أنثى في حقوقها وكرامتها، كَأَنَّهُ تطاول على حقوق أمه وعلى كرامتها. وعلى الأنثى أنْ تستنكر الظلم عليها وتنطلق إلى فضاء حريتها بأن تُحَطِّمَ القيد عن رقابها وتهزم أوهام الذكورية في ذهنها، فهي القدر للإنسان وهي النِّدُّ للذكر وهي الكفؤ والوفاء في حياتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية وتقدير
حميد خنجي ( 2014 / 11 / 5 - 08:01 )
شكرا أيها الزميل الكريم
إن هذا المقال المتميز والعميق، أشبه ببحث سيسيولوجي، للعلاقة الإشكالية بين قطبي البشر( الوحدتين المتناقضتين) : المرأة والرجل!.. ولعل المنهج الذي ينطلق منه التحليل هو علمي بامتياز (المادية الجدلية / التاريخية).. ولابد أن ينطلق من النظرة الطبقية في المجتمع البشري.. بعكس ما يعتقده السيد صاحب التعليق في الفيسبوك، في ملاحظته من أن النظرة الطبقية لاعلاقة لها بموضوع تقدم وتخلف المرأة! .. حيث أن نظرته تنطلق من الفكر الليبرالي (هذا حقه ورأيه). لا أريد أن أأخذ حق صاحب المقال في الرد والتفسير على النظرتين المتناقضتين والمتعارضتين، المنطلقتين من منهجين مختلفين في الرؤية والتحليل
تحياتي

اخر الافلام

.. لهذا قُتلت لاندي جويبورو التي نافست على لقب ملكة جمال الإكوا


.. الدول العربية الأسوأ على مؤشر المرأة والسلام والأمن




.. إحدى الطالبات التي عرفت عن نفسها باسم نانسي س


.. الطالبة التي عرفت عن نفسها باسم سيلين ز




.. الطالبة تيا فلسطين