الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهداء أم ضحايا؟!

أحمد الناصري

2014 / 11 / 6
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية



أعرف إن الموضوع حساس ومؤلم في نفس الوقت، يثير الكثير من الأسى الأسئلة، ويفتح الكثير من الجروح والملفات الغامضة والشائكة والمتروكة. لذلك سوف أناقشه بهدوء وموضوعية ومسؤولية عالية وكبيرة، تنفيذاً لوصية الشهداء، في أن نتذكرهم ولا ننساهم ونحفظ أحلامهم وذكراهم وآمالهم وكلماتهم الأخيرة ووصاياهم، كي نرى من خلال كل ذلك الحقيقة المتعلقة بالحياة والموت، ومصير رفاقنا، وظروف وأساليب جرائم القتل الفردي والجماعي الذي تعرض لها شعبنا ورفاقنا على يد الفاشية الغاشمة، وفي الحروب الداخلية والخارجية، القومية والطائفية، التي ما زالت مشتعلة ومتنقلة، وكلها حروب رجعية عبثية، ضد الوطن والناس، ضد الحياة وقودها الأبرياء...
الكتابة هنا تمجد بطولة ونهاية الشهداء ومواقفهم، لكنها تبحث في تفاصيل أخرى عن ظروف استشهادهم وتصفيتهم...
قضية الشهداء قضية إنسانية كبيرة، تستقر في عمق عقول وضمائر وأرواح البشر والمجتمعات، وتشغل عائلات ورفاق وأصدقاء ومعارف الشهداء، كما تشغل الرأي العام الوطني والمجتمع والناس، من النواحي السياسية والاجتماعية والمعنوية والعاطفية والقانونية، وفيها دروس ومعاني كبيرة وجميلة، رغم طبيعة المأساة والخسارة الفادحة، بسبب عدد الشهداء الكبير، ومحاولة معرفة الجهات التي قتلتهم وصفتهم، وأساليب القتل والتصفية، ومعرفة أماكن دفنهم وإخفائهم. لقد مرت سنوات طويلة، ووقت طويل نسبياً، كأنه دهر، دون حل هذه المشكلة المحزنة والثقيلة، بينما تنتظر الأمهات والآباء والحبيبات عودة الغائبين من المجهول.
أنها هي ملفات ضخمة، تحتاج إلى جهد ومتابعة استثنائية دائمة. وقد تابعت الموضوع بشكل دائم وكتبت عن أغلب أصدقائي الشهداء، بجهد فردي يعتمد على الذاكرة والمعلومات المتناثرة عن الشهداء الذين أعرفهم (حتى نبهني صديق بأنني سأتحول إلى كاتب مراثي ولم أكترث لهذه النصيحة واعتبرتها غير دقيقة رغم معرفتي بقصده الإيجابي) وقد دعوت للتوثيق والكتابة المنظمة عن الشهداء، وعن كل تفاصيل حياتهم ومناقبهم ومواقفهم وغيابهم المفجع.
أننا نمتلك تاريخ طويل وقوافل من الشهداء، مقابل قليل من الذاكرة والتسجيل والتوثيق، والتعويض عنها بذاكرة شفوية مشتتة ومبسطة، بل انتقائية أحياناً، بينما المطلوب الكتابة عنهم ولهم وللناس وللتاريخ والأجيال القادمة، كي تعرف حقيقة ما جرى لهم كما هو، وليس من خلال النقل المتقطع والمتباعد! فكم كتاب مثلاً صدر عن التاريخ والتجارب والشهداء؟ أنها شحيحة إلى درجة مخيفة ومعيبة، وهي تكشف عدم الاهتمام بهذه القضايا، بل التهرب منها.
من البداية أوضح بأنني لست ضد الاحتفال بالشهداء وتذكرهم وتكريمهم وتسجيل مآثرهم وتضحياتهم، وقد قمت بهذا الواجب نحو الشهداء الذين أعرفهم وأعرف ظروف استشهادهم، لكنني ضد (المناسباتية) والانتقائية في هذا الموضوع الإنساني والاجتماعي والأخلاقي والسياسي الكبير، وضد غياب تقاليد إنسانية عميقة للاحتفال بهم وتذكرهم وتمجيدهم، وتسجيل أدق التفاصيل عنهم، وكيفية استشهادهم في المعتقلات والمعارك السياسية والعسكرية، وعدم نسيان أو تناسي أحد منهم، وأن لا يخضعوا للمساومات والصفقات والتحولات السياسية المتقلبة. عندها تصبح قضية الشهداء مبدأية وحقيقية، وليست موضوعاً للإعلام السياسي والحزبي الضيق والموسمي، تستخدم حسب الحاجة للدعاية العابرة والضيقة!
الموقف من الإنسان ووجوده والشهادة والصراع، قضية استثنائية من قضايا الحياة، يفرضها طرف ما أو موقف خطأ على الناس، كي يصادر حقوقهم ومصالحهم ويقرر وجودهم الطبيعي وحياتهم بطريقة معينة، وهذه مشكلة كبيرة وقديمة، جرى حولها الخلاف والصراع لتحديد شكل وطبيعة أسلوب العيش.
فالإنسان بن هذه الحياة العاقلة وعنصرها الواعي، الطبيعي والفاعل والأساسي، الذي يجسد وجودها على الأرض، من خلال علاقته مع الأشياء والموجودات الأخرى.
الإنسان، هنا وبذلك، يكون قد احتل الحجر الأساس في الوجود ومركزه، وفق كل الأسس الإنسانية الأولية، حتى تكونت السلطة، كقوة قمعية، فوقية وخارجية، تمثل مجموعة صغيرة (منفصلة وفي أحيان كثيرة معادية) من الناس، تقف ضد غالبيتهم، وضد الإنسان الفرد في حريته وتكوينه ومتطلباته ووجوده الطبيعي، الذي يتعارض مع سلطة أو مجموعة ضيقة من التنظيمات التي تمتلك وتسرق وتستولي على شروط القوة، وتقرر شكل وموقع الوجود الاجتماعي للفئات الأخرى. وقد أنقسم كل شيء حول هذه المواقع، من حيث الوعي والعادات والسلوك وصولاً إلى المصير والوجود، على عكس الوجود الطبيعي للإنسان وبقاءه في أرض هي أرضه ووجود هو وجوده. فكيف تصل الأمور إلى مسألة المصير والوجود نفسه، حيث تتجاوز تلك السلطة على حق الوجود الطبيعي، بالقتل الفردي أو الجماعي، بواسطة الحروب والقمع والتعذيب أو الكوارث والمجاعات بقصد الابادة الجماعية؟
للأسف، لدينا شهداء وضحايا كثر خسرناهم في معارك خاسرة بسبب القصور الفكري والسياسي الفادح، ونقص الخبرة، والقصور في تقدير الوضع والخطر القادم من قبل أفراد وقيادات متخلفة عن تقدير الأحداث وقراءة ما قد يحصل في تلك الصراعات والمواجهات السياسية والعسكرية، كما حصل في مذابح 63 وبين أعوام 69-71 والحملة الإرهابية عام 87 وفي تجربة الجبل وضحاياها ومحصلتها أمام أعداد الشهداء وفي مقدمتها مجزرة بشتآشان المنسية والمسكوت عنها والأعداد التي سقطت في محاولة إعادة التنظيم الفاشلة والمخترقة من قبل النظام أبان الثمانينيات ومطلع التسعينيات! النتيجة، هناك مئات الشهداء لم تذكر أسمائهم ولا مرة أو ذكروا بشكل عابر...
حصلت معارك مواجهات ومجازر سياسية وعسكرية، لم نقدر فيها قوة العدو وأساليبه ولا طرق مواجهته الناجحة، لذلك كانت الخسائر باهظة وغير مبررة، ومنها محاولة إعادة بناء تنظيم الداخل، العشوائية والمخترقة من قبل النظام، والتي كانت نتائجها لا تساوي ولا تقترب من الخسائر والتضحيات الباردة والسهلة في (مذبحة تنظيم الداخل)... هناك من يتهرب من فتح هذه الملفات، كي لا تتحدد دوره ومسؤوليته وأخطاءه، ويراهن على الوقت والنسيان والتهرب من قول الحقيقة، في ظل فوضى عامة عارمة، وغياب التقاليد الإنسانية والثورية، وتراخي رفاق وأصدقاء الشهداء في موقفهم!
تسجيل وتوثيق قصص ودروس الشهداء قضية إنسانية وأخلاقية وقانونية، كي لا يتحلوا إلى مجرد ضحايا باردة يلفها النسيان وتطويها صفحات جديدة لضحايا جدد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العزيز احمد
عبد الرضا حمد جاسم ( 2014 / 11 / 6 - 14:49 )
تحية و سلام
انهم شهود على حال و حادث و اجرام
لذلك يجب ان توثق شهادتهم و شهاداتهم
شهادتهم هي واقع الحال لحظة الاستشهاد و يمكن عن طريق رفاقهم او ذويهم
وشهاداتهم هي معلومات عنهم
اتمنى ان تقوم كل محافظة نزولا الى القريه بتوثيق اسمائهم و اماكن استشهادهم و ان تقام لهم جداريات تحفر فيها معلومات عنهم كما هو اليوم هنا في اوربا
اتمنى ذلك و ان تكون هذه الحملة وطنية و ليست فئوية
اكرر التحية


2 - المأثر
Almousawi A . S ( 2014 / 11 / 6 - 16:49 )
الوفي للوطن والرفقة احمد الناصري
غاية كريمة ونبيلة ما تبغي ايها العزيز
وحبذا البحث عن مفردة اخرى
تليق بمن ربط غاية حياتة بحلم الكاحين ومصالحم مضحيا بكل شئ لاجل ذلك
ولايخفى على احد انهم خطو اخر خطاهم انفة على الاستمرار بحياة غدر او ذل
وهو مايتناسب حقا مع سمو وشموخ فهمم واستعدادهم الذاتي
دون الوقوع بخطأ حسابات الربح والخسارة
وهذا ما مميز الكثيرين منهم بنوعية الحياة وفهمها
بل وحتى معنى ونوعية الموت
فلم تجرئ سعة الارض امتيازا حتى على لحدهم
اشد على يدك من اجل العمل الداؤوب لتوثيق هذة الملاحم
رغم المعوقات خصوصا الاسماء الحقيقية لرواد هذة المأثر


3 - العزيز رضا
أحمد الناصري ( 2014 / 11 / 7 - 10:46 )
العزيز رضا بعد التحية... يمكن القيام بفعاليات ونشاطات منظمة، كثيرة وراقية، في قضية الشهداء، عدا الصمت والنسيان والتناسي والإهمال، فهذه مشكلة أخلاقية وسياسية وتنظيمية كبيرة، لها سبب وجذر فكري. الجهود الفردية مهما كانت سوف لن تفي بالغرض وبهذه المهمة الكبيرة الصعبة... مودتي.


4 - العزيز أبو زهراء...
أحمد الناصري ( 2014 / 11 / 7 - 11:01 )
عزيزي... كلمة الشهيد كلغة لا علاقة لها بالدين، وهي لم تستخدم فيه بهذا المعنى المقصود هنا إلا بشكل محدود وضيق جداً، وهناك كلمات مشتركة كثيرة على أساس اللغة، كما يمكن البحث على مفردة أخرى تفي بالمعنى والغرض المحدد والمطلوب. الموضوع مؤلم لنا وفي حالتنا، فأعداد كبيرة من أصدقائنا قد فقدناهم وفقدوا صوتهم فهل نتركهم ونهملهم ونتنازل عنهم؟ وهل لنا الحق توثيق ظروف قتلهم وغيابهم؟ هل بسبب أخطائنا مع تحميل العدو القاتل الجريمة كاملة طبعاً. ففي بشتاشآن يتحمل الجريمة كاملة جلال الطالباني وحزبه وجماعته، لكن من الجانب الآخر كان على القيادة أن تدافع وتحمي رفاقها وليس تتركهم ضحايا باردة للقتل السهل والمجاني! كذلك حملة 78 وحتى مذابح 63 الفاشية. فنحن لدينا ضحايا بسبب أخطائنا وعملنا ومشاكلنا الداخلية! هذا ما أردت البحث فيه إلى جانب التسجيل والتوثيق والدروس والتجارب

اخر الافلام

.. اعتداء واعتقالات لطلاب متظاهرين في جامعة نيو مكسيكو


.. مواجهات بين الشرطة الأميركية وطلاب متظاهرين تضامناً مع غزة ب




.. Colonialist Myths - To Your Left: Palestine | أوهام الاستعما


.. تفريق متظاهرين في تل أبيب بالمياه واعتقال عدد منهم




.. حشد من المتظاهرين يسيرون في شوارع مدينة نيو هيفن بولاية كوني