الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وعلى الجرفين عظمان ..!

هادي فريد التكريتي

2005 / 8 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


دارت معركة ستالينغراد عام 1943 بين الجيوش الألمانية النازية الغازية لأراضي الاتحاد السوفيتي وبين الجيش الأحمر ورديفه الشعب السوفيتي ، تكللت المعركة بدحر وإبادة الجيوش الغازية ، كانت المعركة بين غزاة فاشست وشعوب من أجل قيم إنسانية عليا ناضلت من اجلها، تحرر أو استعباد ، حرية أم عبودية ، تقدم أم تخلف ، وقد أبدع شاعرنا العظيم الجواهري في تبيان جوهر العدوان النازي وهزيمته بقصيدة خالدة أسماها " ستالينغراد " ، ولو استعاض عن هذه القصيدة ببيت شعري واحد من هذه العصماء لأدرك القارئ المغزى العميق لهذه المعركة ولهذا النصر الذي ساهم في خلاص البشرية من عبودية لا يمكن التكهن بما كان عليه حال البشرية اليوم لو حقق النازيون نصرا :
وعلى الجُرفين "عظمان " هما رمز عهدين انحطاطا وارتقاءْ
وهذا بالضبط ما يدور عندنا حاليا ، بين مختلف القوى السياسية العراقية وأطيافها ، من معركة لصياغة الدستور بين جناحين لا ثالث لهما ، كما هو الحال في معركة "ستالينغراد " فأما تقدم وتحرر، في "جرف " دلل عنه عظم من قاوم الغزاة سالبي حرية البشر ، وإما تخلف وتدهور في "جرف " آخر، يقابله ، دل عليه عظم نازي ، يملأ الحقد قلبه وكل كيانه على الناس أجمع .. إلا أن الصراع عندنا بدايته كانت سلمية بين الكتل الانتخابية والقوى السياسية في الجمعية الوطنية ، قبل أن يخرج إلى الشارع ليأخذ مسارا عنفيا يسقط فيه ضحايا تضاف إلى الجرائم التي يلحقها بنا الإرهابيون القتلة ، وهذا ما حذر منه الكثير من الكتاب الوطنيين والمثقفين العراقيين . إن العمل على صياغة دستور وفق عامل زمني حدده قانون إدارة الدولة دون الأخذ بعين الاعتبار الواقع الموضوعي لبلد ، منتهكة حريته وسيادته من أطراف عدة ، ويتحكم فيه الإرهاب العربي والإسلاموي ـ الطائفي ، قتلا وتفخيخا وتفجيرا ، وسلطة محاصصة ، قومية طائفية ، لم تنجز بعض ما وعدت به المواطن ، من أمن وعمل و ماء وكهرباء ووقود وغيره ، كل هذه أمور معوقة وغير مساعدة على تنفيذ أمر، أو استحقاق أجنبي ، صاغته أياد غير عراقية ، وهو محاولة لتطويع الظرف العراقي لأجندة أمريكية غير مهتمة بنتائجها كثيرا ، أكثر من اهتمامها بصورية التنفيذ في بلد " تحتله " قواتها بمساعدة قوات دولية أخرى ، لتظهر أمام العالم أنها ملتزمة بما تعهدت به !، ولنا أن نتساءل هل تم رسم وتنفيذ الدستور الأمريكي ، أو الكثير من دساتير العالم ، خلال سنة أو اثنتين بل وحتى بعشر سنوات في ظروف سلمية وحكومات منتخبة بحرية وإرادة غير خاضعة لابتزاز أو خوف أم في ظرف كما هو حاصل عندنا ؟ إذن لم كل هذا الإصرار على تنفيذ الوقت المحدد الذي تضمنه قانون إدارة الدولة لصياغة وإقرار دستورنا الجديد ؟ إذا كانت الحجة هي ضرورة تنفيذ ما التزمت به القوى السياسية العراقية والتي تضمنها ما يسمى " قانون إدارة الدولة "، فهذا القانون يمكن تعديله ،اسوة بما هو حاصل من تعديل ، كما قد خالفته مواد وبنود الكثير من المواد التي تضمنتها مسودة الدستور الذي سيقر، وربما الذي أقره المجلس دون مناقشة أو حتى قراءة أولى ، ولم يلتزم المشرعون لهذه المسودة بالأحكام التي شدد عليها "قانون إدارة الدولة " في الكثير من مواده ، ولطالما اعترف السيد الحسني رئيس الجمعية بتسلم المسودة ، وهي غير مقرة من مجلس ترأسه ، وتجاوز النص على تلاوتها ومناقشتها ، فهو قادر، من خلال الجمعية الوطنية ، على إصدار تشريع ، طالما الجمعية منتخبة ، بتمديد العمل ب "قانون إدارة الدولة " لفترة يتفق عليها ، كما يؤجل تشريع الدستور لوقت آخر اكثر ملائمة ، يتم فيه حوار منطقي هادئ وموضوعي بين الأطراف السياسية ، بعيدا عن الضغوط الأمريكية وفرض تنفيذ رغباتها المقلقة ، والمخلة ـ في نفس الوقت ـ بتعهداتها في بسط الديموقراطية وأحكامها ، ليس في العراق بل في منطقة الشرق الأوسط ، وها نحن نرى أنها تخلت عن برنامجها هذا ، موافقة على إقامة حكم إسلامي طائفي يعزز من مواقع إيران في المنطقة بدلا من محاصرتها ، وهذا الأمر ليس غير مفهوم فقط بل إجراء مشبوه يدلل على فشل في كل ما أقدمت عليه في العراق وفي المنطقة ، إن لم يكن هناك ما هو متفق عليه بين الحكم الطائفي ـ القومي ـ الأمريكي ، من وراء ظهر الشعب العراقي ، ويتم تنفيذه وفق سيناريوهات متفق عليها بين الأطراف الثلاثة المذكورة . وإلا كيف لنا أن نصدق الموقف المتشدد للكورد، وبالذات السيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كوردستان من حق تقرير المصير ، فبدلا من ان يكون تجاوزه خطا أحمر ، أصبح الشطب عليه بالخط الأحمر بديلا ومطلبا ! والعاصمة المقبلة للدولة الكوردية كركوك ترحل ، ليؤول بها الحال تأجيلا إلى سنة 2007 ، والموقف من البيشمركة يسدل عليها الستار وكأنها لم تكن بالأمس قوة الدفاع عن الإقليم ومؤسساته ؟ ، والفدرالية وحدودها وضرورة تثبيتها اليوم قبل غد يتنازل عنها الجميع ! وعائدات النفط لم تعد ما يشغل البال بها أحد ؟ وفصل الدين عن الدولة ، هل ابتلعته العنقاء ؟ كيف يمكن لنا أن نتصور أن المجلس الوطني الكوردستاني يعلن دعمه لمسودة الدستور المقترحة وهي لم تتم صياغتها بعد بل مختلف على الكثير من بنودها وموادها ، وكيف يمكن التأكيد على إنها ـ المسودة ـ إنجاز كبير للأكراد في هذه المرحلة المهمة في التاريخ العراقي ، كما يقول السيد عدنان المفتي رئيس المجلس ، بكل هذه البساطة تقلب الحقائق وتزور الوقائع ؟ كل هذه الأمور عليها علامات استفهام مطلوب الإجابة عنها ، وتدلل على أن أمرا خطيرا يبيت للعراق وللعراقيين ! إلا إنه لن يمر ، إن مروا بالأمس من هنا وخُدعنا بهم فاليوم وغدا لن يمروا ، ولن ينتهي تاريخ العراق وصناعه الوطنيون لا زالوا يتنفسون هواءه الملوث بعار المساومات ، ويتفيأون ظلاله رغم الألغام المتفجرة بينهم في كل مكان ، إلا أن المتآمرين على العراق ومخططاتهم لن يمروا ، وسنرى الفشل مكللا بعارهم ..
إن محاولة فرض صياغات بنود ومواد في مسودة الدستور من قبل الطرف الطائفي ، والتشدد الذي أبداه ، لتعزيز موقعه ، موقف مرفوض ، لم يحض بإجماع ولا حتى بأغلبية المتحاورين ، والدستور هو حالة دائمة لمجتمع في وضع مستقر، يتطلب بعد نظر ورؤية صائبة تحقق العدالة والاستقرار للشعب ، وهذان الأمران لم يكونا ضمن تصور وآفاق الجهة التي هيمنت على الصياغة ، حيث كان الهدف من صياغة المسودة تثبيت حقوق ومكاسب لفئة على حساب أغلبية الشعب العراقي ، وهذا ما تسبب في عدم القدرة على اتفاق يرضي أطراف الصياغة و حصر الخلافات ضمن إطارها ، رغم التأجيل الذي صاحب إقرار المسودة أكثر من مرة ، ورغم تنازل القوى الكوردستانية عن بعض مطالبهم المهمة ، وكذلك فعل بعض ممثلي الطائفة السنية الذين أبدوا ليونة وتراجعا عن بعض مواقفهم السابقة ، حرصا منهم على عدم التسبب في فراغ سياسي ، كما يدعون ، وتأكيد رئيس الجمهورية السيد جلال الطلباني ، "على ضرورة تلبية مطالب العرب السنة الذين يعترضون بشكل خاص على مبدأ الفدرالية " أي أنهم قد قلصوا مطالبهم وحصروها في الاعتراض على فدرالية طائفية للجنوب والوسط . وأكدالسيد الطلباني " أن استقرارا سوف لن يتحقق إلا بالتوافق بين المكونات الثلاث للشعب العراقي " يعني الشيعة والكورد والسنة ، وأضاف السيد الطلباني " يجب ان نلبي مطالب العرب السنة ، فالدستور لخدمة الجميع وليس لخدمة فئة معينة من المجتمع العراقي .." إنه يقصد بالفئة ـ الطائفية ـ ، إن هذا التصريح للسيد رئيس الجمهورية وهو المطلع والحصيف بأحوال المعارضين لبعض بنود وصياغات الدستور، يدلل على أن التشدد هو ما تبديه أطراف من قوى الائتلاف الشيعي ، للحصول على أكبر قدر من المطالب التي يسعون لها دون وجه حق ، على اعتبار أنهم يمثلون أكثرية الشعب ، وهذا ما دللت على عدم صحته ، المستجدات الحاصلة على الواقع الشيعي ـ الشيعي ، وعدم إقرار أطراف شيعية أخرى بهذا الفهم الخاطئ ، فالمواجهة الجارية حاليا بين أنصار مقتدى الصدر و قوات بدر المؤيدة للسيد عزيز الحكيم، ألحقت ضررا بالغا في البيت الشيعي ، وأدت إلى سقوط قتلى وحرق مكتب السيد الصدر في النجف ، وشددت من سورة العنف في بغداد والنجف والسماوة والديوانية ، ومهدت لامتداد و تصاعد آثارها لمناطق أخرى في العراق ، تكون من أولى نتائجها فرط عرى التحالف ـ وأن كان في الأصل غير متين ـ بين فصيلين يمثلان مركز قوة في الحكم وخارجه . إن هذه الأحداث الجارية تدلل على أن الطائفة الشيعية ليس غير موحدة فقط ، بل ومتناقضة مع بعضها في الفهم الوطني والمصالح الطائفية ، يتطلب من القوى الوطنية والديمقراطية أن تعمل جاهدة لتفكيك بذور الاتجاهات الوطنية الكامنة لدى بعض عناصر التيار الصدري وفصلها عن الفهم الطائفي المعادي لمصالح الشعب العراقي ، وهذا ما يضعف قائمة الائتلاف وموقعها في الجمعية الوطنية و في الحكومة ، وبالتالي يلحق ضررا بالغا في تأثيرها على المجتمع العراقي ، خصوصا أن لمقتدى الصدر 21 نائبا في الجمعية الوطنية و3 وزراء في الحكومة وكلهم علقوا عضويتهم في هذه المؤسسات ، مما يقوي جانب المعارضين ، سواء أكان المعارضون لنهج الحكومة الطائفي أم لصياغة الدستور، وهذا بدوره يسحب البساط من تحت أقدام الائتلاف ، ويحدث خللا في تحالفاتهم ، ويقلل من دورهم باعتبارهم الكتلة المقررة في أغلب أمور الحكم والجمعية الوطنية . إن تمت المصالحة بين الطرفين وتلافي ما أقدمت عليه قيادة السيد عزيز الحكيم وقوات بدر من خطأ قاتل تجاه الصدريين، أم لم تتم ، فهذا السلوك أظهرهم على حقيقتهم في هذا لظرف ، كونهم لا يجيدون الحوار بعيدا عن السلاح حتى مع حلفائهم الأقربين ، فكيف بالمناقضين لهم بالفكر والتوجه؟ وكيف لنا أن نصدق ما قيل عن " حقوق ديموقراطية لا تتنافى مع مبادئ وقيم الإسلام ". الموقف سيتدهور أكثر فأكثر، ولا بد من اصطفافات وطنية جديدة على كل الصعد ، للوقوف بوجه من يريد أن يخدعنا بدستور طائفي زائف ، لا يحقق للشعب العراقي سوى قيود جديدة أكثر مرارة وقسوة من ديكتاتورية عنصرية ساقطة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على


.. 174-Al-Baqarah




.. 176--Al-Baqarah


.. 177-Al-Baqarah




.. 178--Al-Baqarah