الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفكر الاقتصادي عند أرسطو

محمد عادل زكي

2014 / 11 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في سبيل البحث في أبواب الرزق الطبيعي وغير الطبيعي، يتخذ أرسطو من العائلة، كوحدة إنتاجية، حقلاً للتحليل. ويفرّق، في هذا السياق، ما بين فن الاقتناء لأنه طبيعي، وفن الكسب لأنه مغاير للطبيعة، ثم يذهب إلى أهمية العمل الإنسانى المنتِج في دائرة طرق المعاش، الَّتي حصرها في: الرعي، والزراعة، والتلصص(لم يكن من الأمور الشائنة في بلاد اليونان) وصيد الأسماك، وقنص الوحوش والطيور. ويَعتبر أرسطو أن الغنى الحقيقي صادر عن أبواب الرزق الَّتي حصرها على نحو ما ذكرنا. وحين حديثه عن القيمة، نرى لديه الوَعيْ بكُل من قيمة الاستعمال وقيمة المبادلة، دون أن يصل إلى مقياس التبادل:".... فيبدلون النوافع بما هو من نوعها، لا أكثر ولا أقل، فيقدمون الخمر مثلاً ويأخذون عوضه الحنطة. وهكذا في كل من الأشياء الأخرى المتجانسة" أرسطو، في السياسة. وهو يصل إلى ما هو أبعد من ذلك بكشفه عن المنفعة كشرط للقيمة، كما سيرى ريكاردو بعد ذلك، إذ يرى أرسطو أن الأشياء القابلة للمقايضة، أيْ التداول، هي فقط الَّتي يُمكن أن تكون محلاً للاستعمال. ويضرب مثالاً على ذلك بالحذاء الَّذي يَستخدمه صاحبه في الاستعمال، أو بمادلته بسلعة أخرى. ولكنه لم يتقدم أبعد من ذلك، كما ذكرنا، فهو يقول:" لكل قنية إستعمالان، وكلاهما ذاتيان، ولكن دون مماثلة في ذاتيتهما، إذ الواحد مختص بالشيء والآخر غير مختص به. فالحذاء مثلاً يحتذى به ويتجر به، وهذا الوجه من الانتفاع وذاك الوجه هما استعمالان له. والذي يُقايض غذاءً أو نقداً مَن كان محتاجاً إليه استعمله كحذاء ولكن لا استعمالاً خاصاً إذ لم يُجعل للمقايضة". المصدر نفسه، ص26. ثم ينتقل أرسطو إلى الصعوبات الَّتي أدت إلى ظهور وحدات النقد، تلافياً لعيوب المقايضة، واعتبار تلك الوحدات المتخذة من الحديد والفضة وسيطاً في المبادلة، وحينما هيمنت وحدات النقد في التبادل منحّية المقايضة جانباً، ظهر على المسرح الاجتماعى نشاط التجارة، الَّذي يدينه أرسطو ويَعتبره خارج الكسب الطبيعي، لأنه يقوم على البيع والشراء بمعنى أدق بيع منتجات فائضة بالنقد، ثم شراء منتجات يُفتَقر إليها، بالنقد كذلك، وهو التبادل الَّذي يراه أرسطو ذميماً. أما عن نظرية أرسطو في النقود فهي تتلخص في أن حياة أيْ مجتمع (غير بيتي، أيْ غير شيوعي بدائي) تتطلب تبادل السلع والخدمات، وهذا التبادل يأخذ صورة مقايضة في مبدأ الأمر، يتم ذلك بصورة طبيعية، ولكن الصعوبات الَّتي تواجه عملية المقايضة والرغبة في تفاديها تجعل الناس تلجأ بطريق الاتفاق الضمني، أَيْ العرف، أو عن طريق التشريع إلى إتخاذ سلعة واحدة كوسيط للتبادل. وهو الأمر الَّذي قاد إلى ظهور معدن من نوع ما كَيْ يلعب هذا الدور في التبادل، أَيْ أن أرسطو توصل إلى الوظيفة الأولى من وظائف النقود:"... النقد عنصر التبادل"، المصدر نفسه، ص29. وحين يدين أرسطو احتفاظ الإنسان بأية ثروة تزيد عن حاجته، فهو في الواقع يصل إلى وظيفة أخرى من وظائف النقود، وهي المتعلقة بمخزن القيمة، وأخيراً حين يتحدث عن التبادل والبيع والشراء، فإنما يفتح باب المناقشة حول مقياس القيمة، وتلك وظيفة ثالثة تقوم وحدات النقود بتأديتها. وبشأن الفائدة الَّتي تكون على الاقراض، يقول أرسطو:"يوجد نوعان من فن تكوين الثروة: أحدهما يتعلق بالتجارة، والآخر بالاقتصاد؛ وهذا الأخير ضروري وجدير بالمديح، أما الأول فيقوم على التبادل ولذلك يندد به عن حق وصواب، وهكذا يكره الجميع الربا بحق، لأن النقد بالذات يُعتَبر هنا مصدر الكسب ويستخدم ليس من أجل الغاية الَّتي تم اختراعه من أجلها. فهو قد نشأ من أجل التبادل البضاعي، بينما تصنع الفائدة المئوية من النقد نقداً جديداً. ومن هنا تسميتها بالمولود، لأن المولود شبيه بالوالد. إلا أن الفائدة المئوية هي نقد من نقد، ولذا فإن فرع الكسب هذا أشد مناقضة للطبيعة من بين سائر فروع الكسب". المصدر نفسه، ص32. ولعل أهم ما قدمه أرسطو، في تصوري، في الباب الَّذي خصصه لبحث أبواب الرزق الطبيعي وغير الطبيعي، هو رؤيته للقيمة الزائفة للنقود، ووعيه بكون وحداتها غير معبّرة عن القيمة الطبيعية للأشياء، أَيْ إنه ينظر إلى النقود، كظاهرة طارئة على المجتمع، نظرة متقدمة جداً بالنسبة إلى عصره، ويرى أن النقد(المصنوع من الحديد ومن الفضة) لا يُعبّر، في المقام الأول، عن قيمة ما يحتويه هو نفسه من حديد أو فضة كسلع، وأن البشر هم الَّذين جعلوا من المعادن نقوداً يبيعون من خلالها ويشترون، ويقول:"وما النقد، على ما يبدو لنا، إلا هذيان وعادة مرعية، وما هو على شيء من القيمة الطبيعية. إذ لو عدل مستعملوه عما إصطلحوا عليه لأضحى شيئاً زرياً لا يعتد به ولا يقضي حاجة، ولأمسى مَن قامت ثروته على النقود في أمس العوز إلى القوت". إن تتبع مساهمة أرسطو، لا شك تقودنا إلى الاعتراف بأنه قد تمكن من الوصول إلى قيمة الاستعمال وقيمة المبادلة، ولكن من منظور يتعين أن ننتظر مئات القرون حتّى يُعاد النظر من خلاله على نحو أكثر نضجاً. كما أن تتبع ارسطو ربما يقودنا كذلك إلى الاعتراف بإحتمالية وصوله إلى ضفاف نظرية عامة في القيمة، ولكنها غير واضحة وربما غامضة، إلا أن أرسطو يظل أول من أشار إلى طبيعة السلع ودور النقود في الحياة اليومية بشكل تجريدي يُمكن أن يُبنى عليه بناءً نظرياً صحيحاً عن السلع والتبادل والنقود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عالم مغربي: لو بقيت في المغرب، لما نجحت في اختراع بطارية الل


.. مظاهرة أمام محكمة باريس للمطالبة بالإفراج عن طالب اعتقل خلال




.. أكسيوس: مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر يوافق على توسيع عمليا


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من الطلاب المتضامنين مع فلسطين ب




.. مئات المحتجين يحاولون اقتحام مصنع لتسلا في ألمانيا.. وماسك ي