الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نعيم حداد ليس صابئياً 2

مثنى حميد مجيد

2014 / 11 / 9
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


كنت في العاشرة من العمر حين حدث إنقلاب شباط الأسود ولم يكن سهلاً في تلك الأيام إيصال طعام أو أفرشة للسجناء السياسيين ، لكن بعض أقاربي ومنهم خالتي حضروا من سوق الشيوخ محملين بأمل أن نعيم حداد قد يتعاطف معهم أو يرق قلبه فيتذكر الزمالة التي تربطه بإبن خالتي كمعلمين في مدرسة إبتدائية واحدة ، وبعد مناقشة الموضوع طويلاً قرروا أن يقوموا بمبادرة لعلها تنجح وتقرر أيضاً أن تكون والدتي هي التي تذهب إلى مركز السراي لمقابلة نعيم حداد وهكذا كان ورافقتها أنا كمساعد في حمل الطعام والأفرشة .

كان نعيم حداد هو المسؤول الأول في اللواء ،كما سمعت ذلك من خلال العديد من الناس، سواء عن إعتقال الشيوعيين والديمقراطيين أو تعذيب من لا يُدلي بإعترافاته أو لا يعطي البراءة من الحزب الشيوعي أو إطلاق سراح من يستجيب لطلباتهم .كان التعذيب يجري داخل الثكنة العسكرية العتيقة في الصوب الآخر من نهر الفرات المسمى بصوب الشامية المقابل لصوب البلدية ،حيث كانت تلك الثكنة العتيدة تقع في مكان معزول وغير مأهول نسبياً وعلى حافة غابات النخيل التي تمتد بمحاذاة وعلى طول النهر، هناك في تلك الثكنة كانت تجري مراسيم التعذيب التي يتولاها نعيم بنفسه ويشرف عليها ، وأتذكر نعيم حداد شاباً نحيفاً جداً أسمراً وبعينين سوداوين واسعتين ، سمعتُ أنه كان يعاني من السل ، يقف في الساحة الخلفية لبلدية الناصرية ليس بعيداً عن غرفة السجن المسمى بسجن السراي يتحادث مع رجل بكوفية وعقال ثم بعد ذلك ذهب إلى غرفته ، وكان الشرطي قد وعد والدتي التي كنت أرافقها بمقابلته وطلب منا أن ننتظر.

ثم أوعز الشرطي بإشارة من يده لوالدتي بالدخول فدخلنا ، وكان هناك شيخ معمم يجلس قبالة نعيم حداد وعرفت والدتي نفسها له أنها خالة زميله وصديقه في المدرسة وأنها ترجوه وتستنخيه لإيصال هذه الحاجات له وإذا بنعيم حداد يجيبها قائلاً : كلشي ما يستاهل ! كم من مرةٍ حاولت وتكلمت معه أن يكون معنا ويأتي للطريق الصحيح فرفض وها هو الآن يرى النتيجة ، وأنهى المقابلة قائلاً : حيل ويّاه ! كلشي ما فاد ويّاه ! بس آنا إله ! أعلمه ! إخذي غراضج وروحي

وطوال الطريق سمعت والدتي تلوم نفسها وتنتحب على القيام بهذه المهمة الفاشلة ، وفي البيت بدأ النحيب والبكاء بل واللطم وتواصل حتى الصباح وكلما كان يتوقف قليلاً ويسود بعض الهدوء ويخلد الجميع إلى النوم يتناهى إلى الأسماع صوت أحداهن قائلة : يمّه آنا أنام وأنت يعذبوك ! فتستجيب لها أخرى بالنحيب واللوم ويعود مشهد النواح والعويل كما كان وأقوى. وإذا بأحدهم يقترح إقتراحاً ذكياً وهو أن يذهب بعضنا صباحاً لمشاهدة طابور المسا جين إلى المرافق الصحية الذي من الممكن مشاهدته من السوق فإذا كان إبن خالتي موجوداً في الطابور فهذا يعني ان نعيم حداد لم يُنفذ تهديده وإذا لم يكن موجوداً فهذا يعني أن نعيم حداد قد نفّذ فعلاً تهديده بتعذيب إبن خالتي في الثكنة العسكرية ، وهكذا ذهبنا صباحاً إلى السوق الرئيسي في المدينة وكنت من بين الذاهبين وأخذنا نرصد وننتظر خروج المساجين لقضاء حاجتهم وفعلاً رأينا إبن خالتي بدشداشته البيضاء واقفاً في الطابور ونظر إلينا بعينين مستفهمتين متسائلتين لكنه فيما بعد بفترة لا أعرفها أوضح لنا مشاعره وهو يرانا ننظر إليه من السوق قائلاً : شعرت إن خبراً ما سيئا قد وصلكم عني وأقلقكم لكني لم أعرف ما هو.

ذكر أحد القراء الكرام لمقالتي السابقة وفي تعقيبٍ له ، ونقلاً عن مقابلة صحفية أجراها معه أحد الصحفيين أن نعيم حداد يعيش الآن في بيت متواضع خارج العراق وأنه ضرير . شخصياً ، ولا أخفي على القاريء الكريم ، إني شعرتُ بالحزن لأجله لأنه أفضل من غيره من الفاشست ، ومطلوب منه الإعتراف بأسماء الشهداء الذين قُتلوا تحت التعذيب في الثكنة العسكرية ومنهم الشهيد السيد وليد وتفاصيل تعذيبه ثم دفنه حياً في مقبرة - سيد خضير - ومتى كان ذلك ومدى مسؤوليته بخصوص تلك الجريمة البشعة التي إهتزت لها مدينة الناصرية فخرج الأهالي في مظاهرة إمتلأَ بها شارع الحبوبي , مازلت أتذكر عينيه الواسعتين السوداوين الفاحمتين المغضبتين وهو يصرفنا أنا ووالدتي في مهمتنا الفاشلة وأتساءل كيف أصبح ضريراً ؟ في السبعينيات أعطى نعيم حداد صورة حسنة نوعما عن نفسه حين كان يترأس إجتماعات الجبهة الوطنية والقومية التقدمية ولذلك وأثناء تصفيته للبعثيين اليساريين في قاعة الخلد في العام1979حاول صدام إهانته حين أظهره في التلفيزيون يُشعل له سجاره الجرود عدة مرات ثم أوعز للأمن بإشاعة دعاية كونه صابئي أي ليس من العرب الأقحاح مثلهُ هو المنحدر من جنود المغول الذين تركهم هولاكو خلفه قبل إنسحابه من بغداد وكانت عشائر العراق تطردهم وترفض إنتسابهم لها وكما قال لي صديق كان زميلاً لصدام : كانوا قطاع طرق ملَّت منهم ومن أفعالهم وإعوجاجهم العشائر ورفضهم التكارتة فسكنوا بعيداً في مكان سُمّي بالعوجة ... وهذا رابط لمقالة جيدة للكاتب شامل عبد القادر يوضح فيها لماذا كان صدام شخصياً يروّج دعايات مثل أعجمي ، صابئي ضد خصومه:

http://www.almashriqnews.com/inp/view.asp?ID=53415

يبقى ثمة شيء قد يكون له مغزى أود قوله عن العلاقة بين صدام والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد فلقد سمعتُ الأخير في لقاء له ، ربما من قناة الشرقية أو غيرها ، يصف بمفاخرة وزهو أول مقابلة له مع صدام حين قدم له سيجارة أو سيجار جرود فقبلها وإذا بصدام ، وسط دهشة عبد الرزاق وتعجبه ، ينهض من كرسيه ويشعل بعود ثقاب السيجارة له واقفاً بينما كان هو جالساً ، ومنذ تلك المقابلة وقع الشاعر في حب القائد الملهم وصار كبير أكابر شعراء المديح .وأقول للشاعر عبد الرزاق أن صداماً لم يفعل هذا من أجلك أنت أو إعتذاراً منه لإشاعة أطلقها ضد خصمٍ له بل فعل ذلك من أجل نفسه هو لا غيره ولتأهيلك كي تكون أمير أُمراء الشعراء المداحين وقد نجحَ هو بتفوق أما أنت فقد وقعت في الفخ وسقطت بإساءتك لدور الصابئة في الحركة الوطنية وتضحياتهم ، ولن تنفعك الشراذم الفاشية أو ترد لك إعتبارك ولا أشباه المثقفين ، أما نعيم حداد فهو أفضل منك وأقرب إلى الصابئة فالرجل إنتهى في بيت متواضع فقيراً ضريراً قابلاً بمصيره .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صدام المنحدر من جنود المغول
علي الشاعر ( 2014 / 11 / 10 - 18:46 )
صدام المنحدر من جنود المغول الذين تركهم هولاكو خلفه قبل إنسحابه من بغداد وكانت عشائر العراق تطردهم وترفض إنتسابهم لها وكما قال لي صديق كان زميلاً لصدام : كانوا قطاع طرق ملَّت منهم ومن أفعالهم وإعوجاجهم العشائر ورفضهم التكارتة فسكنوا بعيداً في مكان سُمّي بالعوجة ... وهذا رابط لمقالة جيدة للكاتب شامل عبدالقادر يوضح فيها لماذا كان صدام شخصياً يروّج دعايات مثل أعجمي ، صابئي ضد خصومه:

http://www.almashriqnews.com/inp/view.asp?ID=53415


2 - الأخ علي الشاعر
مثنى حميد مجيد ( 2014 / 11 / 10 - 19:49 )
الأخ علي الشاعر
تحية وسلام ، ماذا تقصد ، هذا مقطع من مقالتي فماذا أردت أن تقول

اخر الافلام

.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ


.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم




.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال