الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة المنابر والخطاب التنويري

الشربيني عاشور

2005 / 8 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من بين المشاكل التي تواجه الخطاب الليبرالي أو العلماني أو الديمقراطي في مجتمعاتنا العربية تطل برأسها مشكلة ( المنابر ) التي من خلالها يتم تصدير هذا الخطاب التنويري إلى جملة المتلقين ، فالليبراليون يعتمدون بالأساس في مخاطبتهم الآخر على الكتابة سواء في المواقع الإليكترونية أو الصحف أو بإصدار الكتب .

فإذا ما توقفنا أمام هذه الوسيلة من جهة وأمام الصفة العريقة التي تتمتع بها مجتمعاتنا العربية من جهة أخرى وهي صفة عدم القراءة لأسباب كثيرة منها النفسي والثقافي ومنها الاقتصادي والسياسي يصبح هذا الخطاب محدودا وقليل الأثر في النهاية .

ولا أود أن أصل إلى نتيجة سوداوية بأن الليبراليين أو العلمانيين أو الديمقراطيين إنما يخاطبون أنفسهم طالما ظلت الكلمة المكتوبة والمقروءة هي الأساس في عبور خطابهم إلى الآخر الذي لا يقرأ . وهو إن قرأ فإنما يبحث عما يسليه ولا يجهد عقله في فهم أو بحث التيارات الفكرية والنظريات الإصلاحية . ناهيك عن جملة الشكوك والاتهامات الجاهزة التي وفرتها تيارات أخرى ، وحشت بها عقول العامة فحصنتها ضد التفكير ، وشككتها في أي من دعاوى الإصلاح ومن ثم فرضت عليها العزلة والحصار والاستكانة إلى الأمر الواقع حتى وان كان واقعا مخزيا يتمدد في الهاوية أو إليها .

في مجتمعات كهذه .. تعتبر القراءة وجعا للرأس ، وتشكل فيها الأمية الثقافية فضلا عن الأمية الأبجدية عنصرا بارزا لا يمكن تجاهله .. يجب على عموم الإصلاحيين البحث عن وسائل ذات تأثير أعمق وأسرع لتفعيل دعواتهم التنويرية وضمان تفاعل المجتمعات معها ، وهي وسائل يجب أن تحظى بثقة وتوافد غالبية الفئات لما لها من مزية استقطاب هذه الغالبية والتعامل مع تكاسلها العقلي .

من هذه الوسائل الفضائيات والدراما التليفزيونية والسينمائية والأغنية واللقاءات الجماهيرية المباشرة والمناهج الدراسية فلكل من هذه الوسائل جاذبيتها وتأثيرها العميق في مجتمعاتنا العربية وللأسف هي أشد تأثيرا وأعمق من الكلمة المكتوبة. في مجتمعات لم تتصالح بعد مع فعل القراءة ، ويبدو أنها لن تتصالح معه بسهولة.

وبلا شك فإن التعامل مع هذه الوسائل يصبح أسهل وأسرع إذا كان هناك توجيه وتوجه سياسي مباشر إليها . إذ أنه من دون ذلك فإن المسألة تحتاج إلى جهود مؤسسية وتنظيمية أهلية تحتاج بدورها إلى دعم مالي وقناعة راسخة لدى مؤسسات رأسمالية تدار بعقليات ليبرالية منفتحة وواعية . كما تحتاج إلى زمن وتضحيات طويلة إلى أن تينع ثمرتها .

لقد كانت الستينات العربية تطرح مقولاتها الفكرية والاقتصادية الاشتراكية والسياسية القومية عبر تسخير هذه الوسائل أو ما عرف منها . ولكم أن تراجعوا العديد من الأعمال السينمائية والتليفزيونية والغنائية للتأكد من سيادة هذه المقولات وسيطرتها على وسائل الاتصال الجماهيرية في هذه الحقبة .

ووجدت السبعينيات وما بعدها في هذه الوسائل أيضا ضالتها لتعميم خطابها ومقولاتها السياسية والاقتصادية والفكرية المناهضة لخطاب الستينيات بل إنها استفادت أيضا مما طرحة الإنجاز التقني في ذلك الوقت والمتمثل في شرائط الكاسيت التي لعبت دورا كبيرا في تغييب الفكر والوعي وتسطيح العقول عبر مقولات جاهزة وفي متناول الأذن قبل العين .

إذن سيظل الخطاب التنويري حبيس الكتب أو المواقع الإليكترونية يتفاعل في دائرة منتجيه بعيدا عن متمثليه والمعنيين به من عموم الفئات المجتمعية ما لم يخرج إلى هذه الوسائل . وسينكفئ على مزيد من التنظيرات وربما الحسرات ما لم يمزق شرنقة الكلمة المكتوبة التي لا عيب فيها بذاتها وانما في المجتمعات الموجهة إليها .. المجتمعات التي توارثت السماع ونمت على ثقافة الأذن عبر مروياتها التاريخية المتواترة كما لم تسمح لها عصورها الحالكة التي خاضتها في الفقر والجهل والمرض والتسلط السياسي تحت مظلة الاستبداد والاحتلال الخارجي حينا والاستبداد والاحتلال الداخلي حينا آخر بتغيير هذا النمط السلوكي . إلى نمط أكثر تحضرا ويقينية على الرغم من أنها مجتمعات كتاب كانت الكلمة الأولى فيه .. اقرأ !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah