الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نبيلة قشتالية –برتغالية في القصر السعدي بتارودانت

ابراهيم ازروال

2014 / 11 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نبيلة قشتالية –برتغالية في القصر السعدي بتارودانت

إبراهيم أزروال

حين اقتحمت قوات الأمير السعدي محمد الشيخ ،حصن سانتاكروز يوم 12 مارس 1541م ،تم أسر القوات البرتغالية المرابطة فيه وتوجيهها إلى تارودانت .
وقد أعجب القائد مؤمن بن يحيي العلج الجنوي ،بضونا ميسا دي مونروي ،ابنة قبطان سانتتاكروز غوتييري دي مونروي وزوج القائد رودريغو دي كاربخال صهر القبطان والمسؤول عن برج الحصن .وحين سلمت إلى القائد يحيي العلج ،صممت على عدم المساس بسلامتها ، طمعا ، على الأرجح في الافتداء أو على الأقل استجابة لقناعة وجودية أو نفسية أو روحية.
حملت ضونا ميسيا ، القريبة العهد بالوضع ، حسب رواية الجندي البرتغالي ، إلى الحصن السعدي المبني ، بأعلى الربوة أو البيكو حسب التسمية البرتغالية في سنة 1540م.
(أما ضونا ميسيا ، ابنة الحاكم ضوم غوتييري دي مونرو ، فقد طلبها القائد مومن من الشريف فسلمها إياه . وكانت ضونا ميسيا التي وضعت أربعة أيام قبل ذلك هزيلة جدا ، ومع ذلك فقد قيدت مع نساء أخريات مشيا على الأقدام .)
(-جندي برتغالي مجهول –تاريخ سانتاكروز-أكادير –نص برتغالي من القرن السادس عشر –الترجمة العربية : أحمد صابر –منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية –أكادير-الطبعة الثانية -2007-ص.67).
ولما لم تتأقلم مع أجواء تييوت ،مقر القائد يحيي العلج ،كاتبت محمد الشيخ السعدي ،طالبة حمايتها واحترام إرادتها .
ولما أعجب محمد الشيخ بشخصيتها أو بثقافتها ،فقد أمر بإحضارها إلى قصره بتارودانت .وهكذا انتقلت للعيش بتارودانت،كزوجة للأمير السعدي القوي.وقد عاشت ضونا ميسيا في القصر السعدي بتارودانت ،تبعا لمألوفها الحياتي ولثقافتها الأوروبية المسيحية ،ولم ترغم على الإسلام ،رغم أنها زوجة أمير.
ورغم صرامة محمد الشيخ ،فإنه لم يلزم النبيلة القشتالية ،الملتزمة بثقافتها القشتالية /الأوروبية وبعاداتها البعيدة ،عن التقاليد المغربية ،بالعيش وفق العادات أو التقاليد المغربية المتداولة عهدئذ .
وحين طلب محمد الشيخ السعدي ،النبيلة القشتالية / البرتغالية ،بإعلان إسلامها ،مراعاة لظروفه ولموقعه في هرم السلطة السعدية آنذاك ،فإنها أرجأت ذلك إلى حين قبضه على أخيه أحمد الأعرج المقيم آنذاك بمراكش ، انتظارا لخلاص قد تأتي به الأزمان .وقد التجأت إلى ذلك الإرجاء ،لاقتناعها بافتدائها الوشيك على غرار الكثيرين الذين افتداهم النبلاء أو رؤساء الكنيسة البرتغالية بأمر من البلاط البرتغالي .
وحين دبت الاختلافات بين الزعيمين السعديين بسبب الاختلاف حول الغنائم والمواقع السياسية ،غب وقعة أكادير ،تمكن محمد الشيخ من تعبئة قواته ،وتنظيمها تنظيما جيدا ،واستعمال كل الوسائل المتاحة ، العسكرية و السيكولوجية للتأثير في قوى خصمه ،ومن القبض تاليا عليه غب موقعة امسكروض .وقد وصف الجندي البرتغالي ،براعة محمد الشيخ في التنظيم العسكري وفي إدارة الحرب النفسية ضد خصمه السياسي والعسكري.
كان انتصار محمد الشيخ ،على أخيه أحمد الأعرج ، حدثا سياسيا وعسكريا ،غير متوقع بالنظر إلى قوة الأعرج والى تحكمه في زمام السلطة في الأحياز الواقعة تحت سيطرته. وحين تمكن الشيخ من الظفر بأخيه في تلك الظروف غير المتوقعة ،طالب ضونا ميسيا بالوفاء بوعدها.ولما صار افتداؤها ،مستحيلا ، بالنظر إلى ارتفاع ثمن الفدية ، وكثرة الراغبين في افتدائهم من أسارى حصن سانتاكروز ،اعتنقت النبيلة البرتغالية ، الإسلام وسميت بالعالية.
(وذات يوم ألح عليها أكثر أن تعتنق الإسلام ، فأجابته سعيا في التخلص منه أنها ستستسلم عندما يأتي بأخيه ملك مراكش أسيرا .قالت ذلك لأنها كانت تظن أنه من المستحيل أن يأسره خصوصا بتلك السهولة التي أسره بها فعلا ، إذ بدأ كل من الأخوين يدعي أن له الأسبقية في فتح سانناكروز دو كابو كي ، ولأن ملك مراكش بصفته الأخ الأكبر وسيد المملكة كلها يطالب أخاه بخمس كل ما غنمه .)
(-جندي برتغالي مجهول –تاريخ سانتاكروز-ص.69).
إلا أنها لم تعش طويلا في كنف محمد الشيخ ، بسبب موتها بعد إجهاض أو غب الوضع .
وقد اختلفت المصادر الأيبيرية ، حول حقيقة إسلام دونا ميسيا،و أسباب موتها.
نفى مارمول دو كربخال حقيقة إسلام ضونا ميسيا ، وقدم شهادته المستقاة من واقع خبرته واحتكاكه بها بعد زواجها بمحمد الشيخ .فقد عاين ، محافظتها على تقاليدها المسيحية وعلى أسلوب الحياة القشتالي -البرتغالي .
(وقد عاينت كيف كان يتركها تأكل وتعيش مثل المسيحيين ، الأمر الذي كان المغاربة يتذمرون منه ، إذ كان يقال بأنها حولته شيئا ما إلى دينها .لذاك عندما وصل إلى تارودانت وهو يسوق أخاه البكر أسيرا ، بعد إيابه من هزيمته ، طلب منها أن تتظاهر بأنها أسلمت .وبما أنها كانت حاملا فإنها لم ترد أن تعاكسه فوضعت بعد ذلك ولدا.....)
(-مارمول كاربخال –إفريقيا –ترجمة عن الفرنسية : محمد حجي / زنيبر / الأخضر وآخرون –مكتبة المعارف للنشر والتوزيع –الرباط –الجزء الثاني -ص.37)
أكد الجندي المجهول ، إسلام ضونا ميسيا ، بعد أسره لأخيه أحمد الأعرج .
(أسلمت من فعل الشيطان ، وحملت منه ووضعت بنتا ماتت ثمانية أيام بعد ازديادها .)
(-جندي برتغالي مجهول –تاريخ سانتاكروز-أكادير -ص.75).
يقدم مارمول كربخال رواية مناقضة لرواية الجندي البرتغالي المجهول ، بخصوص المعتقد الإيماني النهائي لضونا ميسيا .
(..... وسمتها نساء الشريف الأخريات –على ما يروى- مع ابنها ، حسدا منهن، ولكنها استدعت قبل موتها بعض الأسرى المسيحيين وصرحت أمامهم بأنها تموت مسيحية ، كما كانت دائما ، إلا أنها لا تستطيع أن تعارض الشريف بالتظاهر بعكس ذلك لاعتبارات مفيدة للمسيحيين ، وخاصة لأبيها الذي كان أسيرا طالبة منهم أن يعلنوا ذلك في كل مكان .)
(-مارمول كاربخال –إفريقيا –ص.37)
يشير الجندي المجهول، إلى احتمال موت ضونا ميسيا مسحورة من قبل نساء الحريم السعدي .من المرجح ، أن الموت كان نتيجة ، لمضاعفات ولادة عسيرة ، لم تسعف الإمكانيات الطبية ، الموجودة آنذاك ، من تجاوزها والحفاظ على صحة الجنين والأم على السواء.
( بينما ماتت ضونا ميسيا بدورها ثمانية أيام بعد وفاة بنتها . ويقال إن موتها كان من كثرة ما تسحر لها النساء الأخريات بسبب الحب الكبير الذي يكنه لها الملك ، ذلك الحب بالذات الذي كان يبعده عنهن . و أبدى الشريف أسفا كبيرا على فقدانها إذ بقي حزينا وقتا طويلا وما كان يود أن يقرب النساء الأخريات لأنه شك في أنهن قتلنها . )
(-جندي برتغالي مجهول –تاريخ سانتاكروز-أكادير –-ص.75).
تظهر الروايات الأيبيرية عن تطور علاقة دونا ميسيا بمحمد الشيخ السعدي ، وجها من أوجه المثاقفة ، بين الضفة الشمالية والجنونية للبحر الأبيض المتوسط . فمهما كانت ضراوة المواجهة ، وحدة الاختلاف بين الطرفين فإن إمكان التثاقف الوجداني ، قائمة .فهل أحب محمد الشيخ ضونا ميسيا حقا ،أم أنه كان بصدد استجلاب الموارد البشرية ذات المقدرة والكفاءة مثل غوتييري دي مونروي ؟
(لما جاء ضوم غوتييري قبل الأرض أمامه ، فأخذه الشريف من يديه و أوقفه قائلا : " قم يا غوتييري ،لا أوافق بأن تقوم بهذا بعد اليوم ،لأن دمي ودمك في نظري دم واحد " و أخذه بين ذراعيه وبكيا معا ، إذ يذكره بضونا ميسيا المتوفاة .").
(-جندي برتغالي مجهول –تاريخ سانتاكروز-أكادير –-ص.81).

وخيره-كما جاء في إفادات الجندي المجهول - بين الانضمام إلى صفوفه مع الاحتفاظ بكل خاصياته الثقافية والعقدية بما في ذلك بناء كنيسة أنى شاء واستقدام القساوسة والرهبان ،والعودة إلى بلده.

إبراهيم أزروال
المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب إسرائيليون يهاجمون داعمين لفلسطين بالألعاب النارية في ج


.. -قرار بايدن- يغضب إسرائيل.. مفاوضات الرهائن في خطر




.. هل الميناء العائم للمساعدات الإنسانية سيسكت جوع سكان غزة؟


.. اتحاد القبائل العربية في سيناء برئاسة العرجاني يثير جدلاً في




.. مراسل الجزيرة: استشهاد ثمانية فلسطينيين نصفهم أطفال في قصف ع