الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأخطاء ، عندما ترتكب باسم القومية

خالد سليمان

2005 / 8 / 28
القضية الكردية


مفاد إعتراف رئيس وزراء تركيا رجب طيب أوردوغان بممارسة الأخطاء ضد الكُرد خلال حفل أُقيم في مدينة دياربكر مع مجموعة من المثقفين الأتراك والأكراد في 12 من الشهرالحالي ، هو شيء من " متن " السباق مع عالم متحول أبداً ، ومع تركيا الداخل المتحولة ايضاً . ذلك ان وجود حركات سياسية وثقافية ونسائية تركية تناصر القضية الكردية ، يوازي الشروط الأوروبية المتعلقة بحقوق الإنسان في هذا البلد وإنضمامه المفترض إلى إتحادها . ولئن يضمن الإعتراف وجهة أُخرى لم يُعترف بها في السياسة التركية المعاصرة ، وهي ان تركيا ارتكبت أخطاءً في الماضي ، فيمكن اعتبار الإعتراف هذا، بداية نحو وضع الأخطاء في سياق السياسة وإخراجها بالتالي من سياق الحلول الأمنية .
أكد السيد أردوغان في سياق حديثه الموجه إلى مثقفي دياربكر ،ان المشكلة الكردية ليست حصرا على الأكراد بل هي مشكلة تركيا بالكامل ، وتوعد بحلها على أسس ديمقراطية وقانونية بعيداً عن الأساليب العسكرية ثم اعترف وقال ‏:(أن تركيا ارتكبت أخطاء في الماضي وعاشت أياما صعبة ‏ ‏مثلها مثل أي دولة أخرى في العالم وبأنها تدرك جيدا أن انكار هذه الأخطاء لا يليق ‏بها.‏ "الشعب والدولة العظمى هما اللذين يواجهان الاخطاء ويحاسبان أنفسهما من أجل المضي بثقة قدما.. ونحن وسط ادراكنا ووعينا لهذه الحقيقة ، فأنا أقف ‏هنا أمامكم كرئيس وزراء مؤمن بالوعي التاريخي لهذه الدولة).
ووصف كهذا ، بعيداً عن فكرة " الأنا " الغارقة في الخيال القومي ، يدخل ضمن رؤية جيل سياسي جديد لم يعرفه تاريخ تركيا الجمهوري ، ولا الإمبراطوري .وهو ايضاً ، إستعارة متأخرة من أدوات نقد ذات السلطة وآلياتها المؤسلبة في عنف الدولة . لذا ، يمكن ملاحظة أمر آخر قد يزيل الغبار عن "النيات" غير المعلنة في الوصف ذاك ،إن بقي العسكر خارج دائرة اللعبة ، وهو تبديل الهوامش" المدن " التي فقدت دورها في رسم ذاتها الإقتصادية والثقافية ، بحضور جديد ، تليق به السياسة ، والمدينة ضمناً .فمن الملاحظ ان المؤتمرالجماهيري ذلك كان في مدينة دياربكر ذات الأغلبية الكردية ، إذ وعد أوردوغان اهلها في الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت عام 2002 بأن تكون ‏‏مدينة ديار بكر مثلها مثل أي مدينة أخرى في تركيا مدركاً :
يجب أن تدركوا جيدا أن ‏ ‏لهذه المدينة رائحة وطعم ولون لذيذ مميز".
دياربكر ، تلك المدينة التي همشتها الحكومات التركية المتتالية واعتبرتها معقلاً غير آمناً ومليئاً بالحقد ضد الدولة ، ويعتبرها الكُرد جوهرة كردستان ، تريدها حكومة " حزب العدالة والتنمية " كبداية أُخرى للإنتخابات القادمة . لكن المدينة هذه ، والمدن الكردية الأُخرى الواقعة في شرق وجنوب شرق تركيا ، تعمّها مشاكل سياسية وإقتصادية وثقافية ، ولا يمكن تجميلها من خلال التمني وإعادة تسمية خصائصها المدينية ، بل وفق " خارطة طريق " داخلية تعيد رسم المكان والإنسان والمواطنة اللامتكافئة عبر ثقة الأفراد والمجموعات بحقوق يفترض أن تستعاد لأصحابها . والحال هذه ، تحتاج تركيا الآن للحصول على ما تُرك في الماضي للجيش وحروبه على مواطنيه بسبب سياسة ملأى بالأخطاء .
ثمة أشياء أُخرى في سياق هذه القضية التي أثارها رئيس الوزراء التركي ، ألا وهو هناك دولة صغيرة إسمها " مجلس الأمن القومي " ويسيطر عليها القوميون الأتراك ، أو " الأتراك الجدد " إذا استخدمنا التعبير السياسي التركي الذي ظهر في بدايات القرن العشرين . ففي اول سؤال طرحته الأوساط التركية والكردية معاً ، تبين مدى الصعوبة التي سوف يواجهها أوردوغان في طرح مثل هذه القضية " المحرمة " مع مجلس الأمن القومي ، إذ تزيد قوته عن قوة السياسة ويملك القرار النهائي في الحياة السياسية التركية .
ان المجموعة القومية التي سيطرت على جمعية " الإتحاد والترقي " عام 1908 باسم " الأتراك الجدد " ، أسست لسياسة " الأنانية القومية " مقدمات مستقبلية ، يصعب على تركيا المعاصرة التخلص منها دون فصل الميليتاريزم عن الوطنية وتسييس تلك المقدمة المستقبلية التي لا تزال قائمة في قوانين الجمهورية وفق الصورة التي يريدها الغرب.
فحزب الشعب الجمهوري الذي يقوده القوميون الأتراك لم يتورع عن توجيه إنتقادات قاسية لرئيس الوزراء بسبب زيارته لديار بكر ولقائه بمثفين كُرد فيها . ذلك ان أية خطوة سياسية تجاه القضية الكردية وأبعادها الداخلية والإقليمية " والأوروبية " في المشهد السياسي التركي ، تعلن قبل كل شيء عن تاريخ تشكلت عناصره من الأخطاء والأخطاء . بما أن " القومية التركية الحاكمة " والتي بدأت مسيرتها الفعلية عام 1908 عندما سيطرت على الثورة المشروطية وأبعدت مؤسسيها الفعليين مثل المثقف الكردي " عبدالله جودت " ، فقد حاولت تجريد السؤال الكُردي من تاريخيته ووضعه في دائرة " الممنوع المطلق " . وأصبح الوجود الكردي بروافده البشرية والتاريخية والجغرافية والثقافية إقتراناً بوجود آخر من خلال الأخطاء .
وكانت السيطرة على "الإتحاد والترقي" وإبعاد كل من إسحاق سكوتي وعبدلله جودت والمثقفين الكُرد الآخرين عنها ، الخطوة الأُولى نحو تضخيم الذات ومبارداتها لتحرير إلغاء الآخر من العيوب ، ذلك أنها سمحت للخيال القومي بالجموح في ممارسة " أخطاء قاتلة " بحق باقي العروق .
هناك تاريخ ، بني على الأخطاء والأنقاض . تاريخ بقي في أرشيف المنزل الزوجي المشترك بين العسكر والسلطة وحُرم على السياسة والتداول . وهو بالتالي شرط من شروط البقاء داخل شعار قد يبقي تركيا خارج السياسة لأمد آخر إن لم تنتقد تاريخها علناً ، وهو " أنا تركي ، فأنا مسرور " .
لا بد ان دور الفرد ضئيل في إخراج مثل هذا التاريخ من الصندوق التركي المزخرف وتسييس عناصره ، لكن تمليك ذلك الصندوق وتابوهاته الداخلية ضئيل ايضاً ، فأما إدخال الكُرد كشريك في الوطن والسياسة أو تتريك الأخطاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بقبول مقترح -خارطة الطري


.. آلاف المجريين يتظاهرون في بودابست دعما لرئيس الوزراء أوربان




.. إسرائيل وافقت على قبول 33 محتجزا حيا أو ميتا في المرحلة الأو


.. مظاهرات لعدة أيام ضد المهاجرين الجزائريين في جزر مايوركا الإ




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يتظاهرون في باريس بفرنسا