الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حنيف مسلم

كاظم الفياض

2014 / 11 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جاء في سورة البقرة:
[وَقَالُواْ (علماء اليهود والنصارى)كُونُواْ هُودًا(قالها علماء اليهود) أَوْ نَصَارَى(قالها علماؤهم) تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا(في اللغة ، حنف : مال ، والإحناف عبادة الله وحده دون وساطة من رجال اتخذوا الدين مهنة لهم والاعتراض القرآني على كلمة تهتدوا إنما هو تعريض بقائليها ، وإنهم قالوها حفظا لسلطانهم وتوسيعه ، ذلك إن أي إشارة لدين مجموعة بشرية لا يمكن أن تفهم بمعزل عن علماء ذلك الدين)وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(عدم إشراك الله بالعبودية مع أحد من خلقه هي صياغة لغوية أخرى لقولنا "عبادة الله وحده" وفرقها عن الحنيفية أنها منظومة عقائدية ليس لها امتدادات اجتماعية ، فلم يدع المسلمون أبوة الله لعزير ولا لعيسى كما فعل اليهود والنصارى {135}
قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ(إشارة إلى أن اليهود والنصارى يعبدون علماءهم دون الله) وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا (لم يذكر محمد(ص) لأنه واسطة ، فنحن المخصوصون بالنزول) وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ(عطفت هذه العبارة على ما قبلها ، وخص إبراهيم ومن ذكر من الأنبياء ع بالنزول ، إخبار بأن المسلمين أولى من اليهود والنصارى بهم )وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{136}
فَإِنْ آمَنُواْ(اليهود والنصارى) بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا(بإحنافهم وعدم إشراكهم بالله) وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ(لتعارض سلطة علمائهم مع سلطة ملوكهم) فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ (بتشتيت كلمتهم) وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {137}
وجاء هذا المعنى مفصلا في سورة التوبة:
قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ(=فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ){29}
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ (=وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ{30}
اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ (=قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشركون{31}
يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ(=وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى) وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ{32}
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى(= تهتدوا) وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ{33}
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{34}
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ{35}
القرآن المجيد كتابنا ، نحن أهل الإسلام ، وتخطئته غيرنا تصويب لنا ، وتنبيه من أن نفعل ما فعلوه قبلنا . إن قال لنا اليهود والنصارى اليوم ما قالوه أمس للمسلمين زمن النبي ع (كونوا هودا أو نصارى تهتدوا) فإننا إن استطعنا أن نقول نحن على دين إبراهيم(وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فلا يمكننا القول(بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) فالمسلمون كلهم سنة و شيعة تخلى عن الحنيفية . وهكذا صار لنا فقهاء كما لهم أحبار ورهبان . وما نحن به اليوم أصدق شاهد على ما جاءت به هذه الآيات الكريمة . الحرب التي ذهب ضحيتها ملايين الفقراء من المسلمين قتلا وتعذيبا زادت فقهاء السنة والشيعة جاها وثراء .
وقد جعل الله العرف والدولة مصدرين أساسيين للفتوى الشرعية . العرف مصدر بذاته ، والدولة بما يبحث المنتسبون لها في علوم الدين . العرف معروف لكل الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم . فالعمل بما متعارف على أنه خير واجب على كل مؤمن ، والامتناع عن شر معروف كذلك . وقد دعا الله الخير معروفا وأمر به ، في كتابه ، والشر منكرا ونهى عنه
(خذ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (لأعراف:199)
( يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)(لقمان:17 )
(ولا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34 )
وقال الرسول الكريم:
( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ).
( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً )
العرف يكاد أن يكون ضمير الإنسان فكما تحب أن يعاملك الآخرون عاملهم . أما إذا تطور خلاف ليصبح نزاعا ، فلابد من قاض ليضع الحق في جانب أي من المتخاصمين ، ولابد من قوة لفرضه على الجميع ، وهذه قوة المجتمع واسمها الدولة .
المجتمع الإسلامي مجتمع أحناف ، غير مسموح لأي من أفراده بامتهان الدين . قالها رسول الرحمة بوضوح :" لا رهبانية في الإسلام "
أما المعلومة الدينية فمنها متوارث كطقوس الصوم والصلاة والحج ، وهي علاقة بين المؤمن وربه ، وتمارس جماعيا ، في أوقات محددة ، وبإشراف مباشر من قبل الدولة المخول الوحيد ببيان أوقاتها ، ولا يمكن لمن لا يمتلك عنوان وظيفي فيها ، أن يعمل ما عليها واجب فعله . جاء في الكتاب المجيد (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) {البقرة:189} واضح إن باب البيت هو رأس الدولة ، وما عدا ذلك من مرجعيات دينية مستقلة التمويل والإرادة عنها فإتيانها إتيان البيت من ظهره .
ومن المعلومات الدينية ما يتعلق بالروابط الاجتماعية بين الأفراد كالزواج والطلاق والإرث وهذه من خالص عمل الدولة .
أما المعلومات النظرية البحتة كعلوم القرآن فهي متاحة لمن يريد سعة في الاطلاع ، ولا يسمح لمن لم يدرس بمعاهد تعليمية رسمية بتسنم مناصب وظيفية في الدولة .
أقول بوضوح وبلا تردد أن الفتوى الحوزوية التي جعلت من مراجع الدين المستقلين بعملهم عن الدولة قادة شرعيين للمجتمع الشيعي والتي تفيد بأن عمل المكلف من غير تقليد باطل هي فتوى باطلة ، وغير ضرورية ، وتتنافى مع حنيفية المؤمن المسلم . ويصدق قولي هذا على المجتمع السني ومراجعه منذ جمال الدين الأفغاني .
ومن أدلة عبادة أهل السنة لعلمائهم دون الله تخريبهم بيوتهم بأيديهم (...يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) {الحشر:2} وقتل فقراء الناس ،ومنها وضع العبوات الناسفة في أماكن تجمع عمال البناء المساكين ، وقد جعل الله القتال عنهم في سبيله (ومَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا {75}
الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا {76}) (النساء:75و76) ونعرف أن أجلى مظاهر الطاغوت هو طغيان أثرياء الناس على فقرائهم وقد قال الله سبحانه وتعالى(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا )( الكهف:29) لقد أمر الله سبحانه المسلمين أن يحاربوا من أجل العدل الاجتماعي ، والعقائدي دفاعا عن أنفسهم ، وليس من أجل أن يغير الآخرون عقائدهم .
ويمكن أن نضرب مثلا على عبادة الشيعة لفقهائهم دون الله بمسحهم بعض أرجلهم بالوضوء وقد أمر الله غير ذلك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ...)(المائدة:6)
القائلون بالمسح لم يجدوا مبررا لتأخر المفعول به الثالث (أرجلكم) عن فعله وفاعله المجموعين بكلمة(اغسلوا) ، وذهبوا إلى إن حلول الفعل (امسحوا) بينهما لا يتفق وسليقة اللسان العربي !
أما المبرر فمرتبط بوجوب الترتيب الزمني للأعمال التي علينا القيام بها ، فنحن نغسل وجوهنا ، ثم أيدينا ، ثم نمسح برؤوسنا قبل أن نتجه إلى أرجلنا .
وأما تعارضه مع السليقة العربية فصحيح .. ولكن عطف أرجل – مكسورة الآخر – على (برؤوسنا) لا يستقيم لأن الباء تفيد التبعيض ، والقرآن لم يتوقف عند (أرجلكم) ، وأضاف (إلى الكعبين) هذا التحديد يوجب أن يشمل الفعل (امسحوا) الجزء المحدد كله كما (وجوهكم) وهو جزء محدد من الرأس ، (وأيديكم إلى المرافق) يجب غسلها كلها بإمرار الماء عليها حتى قال بعض الفقهاء إن مانعا من وصول الماء للجلد يفسد الوضوء وإن كان بحجم رأس الدبوس .
وإن قيل إن (أرجلكم) معطوفة على محل النصب فلا يشملها باء الجر ، فيجوز قراءتها كالآتي:" امسحوا أرجلكم وبرؤوسكم" أقول عند ذلك يجب مسح تمام الرجلين إلى الكعبين وهذا غير ممكن عمليا ، أولا . وثانيا نحن نمسح ظاهر القدم فقط .
إذن لا الغسل صحيحا ، ولا المسح ؟ أقول : هو غسل لا يشترط إزالة موانع وصول الماء إلى الجلد ، وذلك ، ربما ، لوجود فطور وطيّات عميقة في أقدام كثير من البشر يتجمع فيها ما يتعذر إزالته . وهو مسح بإمرار الماء المسكوب على تمام الرجلين إلى الكعبين .
ولما كانت الصلاة عمود الدين ، والوضوء الكامل شرط إقامتها ، عرفنا حجم المأزق الذي وضع فيه مراجع الدين الشيعة مقلديهم .
أقول لجميع الطلبة ، وخريجي الإعدادي، والمعاهد والجامعات إن مرض المجتمع والدين هم الناس الذين اتخذوه مهنة ، وعلينا أن نمقتهم ، وأن يرى بسطاء بلدنا ذلك منا ، فيكرهونهم . وليكن قول أحدنا إن عرّف نفسه:"أنا حنيف مسلم"
بغداد
1/10/2014












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك


.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي




.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن


.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت




.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان