الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل العربي الاسير

فهد احمد ابو شمعه

2014 / 11 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يقول المفكر والروائي الروسي الكبير تولستوي (المفكرون الأحرار هم أولئك المستعدين لاستعمال عقولهم بدون حكم مسبق، وبدون خوف، لفهم الأِشياء التي تتعارض مع اعرافهم وامتيازاتهم و ما يؤمنون به ومثل هذه الطريقه في التفكير ليست شائعة كثيرا ولكنها متطلب اساسي للتفكير الصحيح وعندما نفتقدها يكون النقاش والتفكير على الاغلب عقيم وبلا فائده) .
ولكن للاسف الشديد ان طريقة التفكير هذه التي يتحدث عنها تولسوي ليست من صفات العقل العربي , وهي طريقة العقل الفاعل المتحرر من اي قيد , في مقابل العقل المستعبد والداجن المتقوقع والخائف الذي لايجرؤ على التفكير المستقل وهو العقل المرهون باحكام مسبقه ومحكوم بفكر موروث , ونصوص جامدة , ومسلمات , لا يقترب منها , فمثل هذا العقل لا يمكنه انتاج افكار جديدة اومتابعة تيار المعرفة والفكر والتجديد المتدفق من حوله , وهو غير مدرك لاهمية التجديد والابداع او بالاحرى غير قادر على ذلك .
العقل العربي اسير في سجن منيع ذو اسوار سميكة وعالية , وعليه حراسة مشددة , تعاقب بشدة كل من يهرب منه او حتى من يحاول الهرب او يحرض عليه , بل ان هذا العقل اسير لعدد كبير لا حصر له من السجون , والغريب والمحزن والمفجع في الامر انه اعتاد هذه السجون واستساغ العيش فيها لدرجة انها اصبحت جزءا من تكوينه ووجوده واصبح لايتصور ولا يريد ولا يطيق الحياه خارج اسوارها .
هذا العقل اسير لسلطة العقيدة قابعا في سجن فهمه البدائي للدين فهو اسير لفقه ديني اجتهادي بشري محكوم بمكانه وزمانه مر عليه اكثر من الف عام , , ومن عجائب هذا العقل انه مازال اسيرا لخلاف حدث قبل الف واربعمائة عام بين معاوية وعلي ولم يستطع الفكاك منه الى يومنا هذا , فهل هناك بربك احط من هكذا عقل ؟! هذا العقل الذي لم يستطع حتى الان بناء قبة برلمان عربي حقيقي واحد ومازال اسيرا في سقيفة بني ساعدة , وما زال ابو هريرة يتجول داخل هذا العقل نابشا بعصاه كل خلية من خلاياه .
والعقل العربي عاش دهورا اسيرا لسلطة حاكمة مستبدة مارست ضده كل اشكال القهر والتجهيل والتجويع والاقصاء والتكميم والاسكات , تقول الكاتبة الرائعه احلام مستغانمي :( يقضي الانسان سنواته الاولى في تعلم النطق وتقضي الانظمة العربية بقية عمره تعلمه الصمت ) ومن غرائب هذا العقل ان لديه القابلية للخضوع والخنوع والاستكانة ولا يمانع في ان تستباح حريته ! فما تفسير ذلك ؟ الا ان ذلك تأتى من نتاج وقوعه في اسر اخر هو اسر المجتمع القبلي والذكوري الابوي القامع لشخصية الفرد وعقله والذي تأسس على سيطرة شيخ القبيلة والزعيم الاوحد والرأي الاوحد ومحاربة تعدد الاراء او المشاركة في الرأي , ناهيك عن مآساة وضع المرأه بشكل خاص فيه , فلا لوم على هذا العقل ان افتقر لاي نوع من الابداع والتقدم .
والعقل العربي اسير مجتمعه ( اسير العقلية المجتمعية)المكرسة للماضي بمقاييسها وبمنظومة عاداتها وتقاليدها وقيمها والتي تحدد للفرد نمط حياته وطريقة تفكيرة وسلوكه وحتى لباسه . ويصبح الخضوع (للعقل المجتمعي) الجمعي فرض واجب عليه بحيث يترتب على العقل الفردي الخضوع التام لقواعد ومعايير (العقل المجتمعي) الجمعي بل ويصبح العقل الفردي جزءا لا يتجزء من العقل المجتمعي ويخضع لصياغته و يدور في رحاه وفي فلكة ويدافع عنه ويحمي حماه ويذوب فيه تماما , ويفقد بذلك استقلاليته ليصبح مستعبدا وفاقدا لصفة العقل الفاعل التي تحدث عنها تولستوي والتي يفتقر لها العقل العربي بشكل خاص .
العقل العربي اسير للماضي بكل ابعاده ويعيش في الماضي ويسكنه الماضي وهو شبه معدوم الصلة بالحاضر , وبحضارة وثقافة وتطور العصر الا من خلال بعض التقليد البائس لجوانب سطحية على هامش الحضارة , بل ان هذا العقل ينتابه الخوف والجزع من فكرة الولوج في اعماق التطور والحداثة لاعتقاده بان ذلك سيترتب علية آثارا سلبية وخيمة على ارثه الثقافي النقي وعلى تقاليده وقيمه النبيله التي لا نظير لها في الكون حسب اعتقاده !
العقل العربي يعيش حالة مرضية من الاعتقاد بان لسلفه واجداده الفضل والدور الاساسي في تطور كل الحضارات والمدنيات المعاصرة من حوله وان كل ما يشهده العالم المعاصر من تطور تكنلوجي واختراعات واكتشافات وعلوم تم اخذ مبادئها واسسها من كتبه الدينية والعلمية , وهذه كارثة فبرغم التخلف والفشل الذي يعيشه الانسان العربي يعاني هذا العقل عقدة تفخيم الذات والمغالاه في مدحها وهذه عقده نفسية قبلية قديمة حيث يقول الشاعر عمر ابن كلثوم : اذا بلغ الفطام لنا صبي ... تخر له الجبابرة ساجدينا .
في ظل فشلنا الحضاري المريع وعجزنا عن احداث اي تنمية حقيقية , فان نقد الوضع العربي وتحرير الانسان العربي يجب ان يبدأ اولا بنقد العقل العربي , وبمواجهة انفسنا , قد يكون العقل العربي بحاجة الى صدمة عنيفه تحدث له توازنا ما , تعيد له بعض الثقه وتحفزه على الابداع , والتحرر من التبعية والتسليم بما يعتقده بديهيات وثوابت - وهي في واقع الحال سبب جمود هذا العقل - وتحفزه على الشك والتساؤل المستمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -