الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة بين -كناشي الفلسفة -و-أصدقاء الفلسفة-

محمد بنطاهر

2014 / 11 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وإن كان لابد من تقديم التهاني والمشاركة في الاحتفاء بهذا الفكر الذي ننتمي إليه إن اعترف لنا بذلك، فإنني في بلدي أجد نفسي محرجا وأنا أهنيء، لأن الفلسفة باعتبارها أنوارا لا يمكن أن تتعايش وأن تزدهر في واقع ظلامي، في ثقافة مجتمع بئيسة، بل إنها ليست في الأصل فلسفة حتى تبارك يوم الفلسفة وتبعث بالتهنئات، إن لم تكن قوة تغيير ومعارضة ومواجهة للتخلف وتقاليد المجتمع وعادته ودينه الطقوسي، فهل في مجتمعنا نمتلك فلسفة؟ لا أجد كلاما غير القول يا حفاري قبر الفلسفة، والمعنى على من يمتهن الفلسفة، على من يدرسها لأجل "الخبزة" أو ما يصطلح عليهم كما جاء في عبارة للأستاذ "لحسن تافراوت" "كناشي الفلسفة" أي أولئك الشبهين بالممرضين، حيث لا تتجاوز مهمتهم سوى تكنيش الدواء وقراءة وصفات الطبيب وكنانيشه وتقديم الإسعافات الأولية، على خلاف الطبيب الذي يتجلى عمله في تشخيص المرض وتقديم الدواء الفعال، بل واختراعه إن لم يكن موجودا. ومن ثم فكناشي الفلسفة هم ممتهنوها مدرسوها، أولئك المدرسيين المقدمين لوصفة الفلسفة أصحاب المقاهي والمهرجانات واللقاءات الفخمة، تلك الفلسفة الممارسة تحت ملطف الجو، والمسموعة بمكبر الصوت، فلسفة الخنادق والمكاتب والبيوت والصحف والبيع والشراء، والمناهج الدراسية والأوراق المدرسية، وامتحانات العمل، والتملق والتزلف، إنها الفلسفة إن صح اعتبارها فلسفة، الممارسة في غياب أي روح تدعوهم لتشخيص مجتمعهم، ونقد علله وتهويد أصنامه ومعالجة أعطابه بالتغيير والتوعية والمساهمة في نشر ثقافة الفلسفة عوض ثقافة الخنوع والخضوع والمهانة والذل والشفقة والاستسلام والحقد والخرافة والتعصب والتطرف والغرائز السلبية عموما. أيها الكناشين ابتعدوا عن الفلسفة وارحلوا، ومن وجد نفسه فيها طالبا أو مدرسا فليتمم مساره في هدوء، يبتلع ما وجد أمامه ويبسط هراء ما يدعى فلسفة، ولا يدعي فيها فلسفة، لأن من أبرز المساهمين في اندحار هذا الفكر داخل هذا المجتمع دون نسيان "المعطى الموضوعي"، فهم المتخصصين في الفلسفة، فلا وجود لفكر فلسفي أو صديق للفلسفة، والمقصود بصديق الفلسفة، أي كل من يعيش فكره على النقد والحرية والانعتاق والإنسانية والتغيير والعقل والتنوير والتوعية ومحاربة التعصب والقومية والتطرف، يساير التقليد ويطبع مع المجتمع ويدافع عن ثقافته البئيسة، والغريب في الأمر أن ثقافتنا هي الأشد بؤسا وتخلفا من بين جميع الثقافات، ومع ذلك تجد ممتهني الفلسفة يسايرونها، بل ويدافعون عنها، ويبررونها ويبدعون في تبريرها بمفاهيم كالخصوصية والتميز والاستثناء والدين.... وعندما أقول ثقافتنا الأشد بؤسا، فأنتم تعرفون قصدي، فلا تأتوني بالتراث وجانبه المتنور، وبسلفية القهقرى، ولا تأتوني بالعصر الحاضر، وتحاجونني بنور بعض جوانبه، فالقياس هنا على العام، وعلى السائد في مجتمعنا، وما يعانيه مجتمعنا من ثقافته، وما يعانيه فكر التنوير في مجتمعنا. اعلموا يا كناشي الفلسفة أن الفلسفة كما قال سقراط لا تعلمك مذاهبا وأقوالا، بل كيف تستخدم عقلك على النحو الصحيح، فكم ساهمت الفلسفة المدرسة في مجتمعنا في دفع الناس إلى استخدام عقولهم، بل والممتهنين لها ذاتهم، الذين تجدهم الأكثر استلاب من ثقافتهم. هل هناك فلسفة تقول فيها أنثى مجتمعنا الممتهنة للفلسفة بالأحرى، هناك ظروف، وتقبل بشروط المجتمع، وترى في الرجل زوجا، وفي حياتها الممكن عيشها إلا بعد الزواج، ولا تنتقد عصا الذكورة المسلطة على أنوثتها، بل وأنوثتها المعبر عنها ذكورة، وهي تمتلك فكرا راقيا إنسانيا، والمثل ينطبق كذلك على الذكر الممتهن للفلسفة، الذي يدافع باسم مستواه الدراسي عن ذكورة المجتمع، بل وكلاهما يقنعهما الإعلام، ويجرفهما السائد، ويبهرهما الزعيم، وتبكيهما العاطفة وتسلبهما الطقوس الدينية وتتسيد فيهما غرائز العصبية والعرق والقبيلة والانتماء والأمة والخصوصية، ويفزعهم العقل. لو كان هذا حال الفلسفة لما حوربت ولما قتل وجلد ونفي أصحابها. نقولها بلا نفاق بلا مراء بلا مواربة، من يعتقد أن الفلسفة هي المنهج الديكارتي ونظرية المثل ومنطق أرسطو وزرادشت نيتشه ووجودية سارتر وأخلاق كانط وجدل هيراقليطس وعقل هيجل ومادية ماركس فهو واهم. الفلسفة ليست دروسا، الفلسفة ليست فلسفة، ليست تنافسا في كم الأفكار، في تقليب الكتب، في ركام المعرفة، الفلسفة هي تعلم التفلسف، كما قال كانط، هي تفكير ونقد وحرية، الفلسفة هي ضد الخضوع ولو كان المخضع له الدين نفسه. إنها روح، من يتشبع بها ينطلق للتغيير للأنوار للتمرد على واقعه، لضحد المسبق والسائد، لتكذيب الحقائق، لتثوير العقل، لنسف أصنام العقل ذاته. لا تصدقوا من قال لكم أن الفلسفة تتوافق مع الدين أو المجتمع، فهذا مجرد تعسف على مقال ابن رشد، وعلى باسكال، وعلى وليام جيمس وعلى شوبنهاور وغيرهم. الفلسفة معول مطرقة لتحطيم الأصنام لكشف الحقيقة، لا عداوة لها مع أحد، لكنها لا تهادن أحدا، لا تساوم، لا تعترف بالحدود لا تعترف بالشروط ولا تنافق، إنها دهشة، إنها صدام، إنها مواجهة قوية شجاعة. الفلسفة والحقيقة يا كناشي الفلسفة سيان كلاهما صدمة وصراع ضد الوهم، وما أكثر الوهم في مجتمعنا. يا كناشي الفلسفة رجاء اصمتوا في الفلسفة وتناولوا "خبزتكم" في سلام ودعوا صديق الفلسفة يتكلم، وإن خاطبكم أحد في الفلسفة أو ناقشكم عقلا وواقعا ومنطقا، فلا تقولوا له دعنا من فلسفتك، أو كفانا تفلسفا. اصمتوا رجاء أيها الأغبياء وارحمونا من حقارتكم من نذالتكم من هرائكم، حتى لا تتهمونا بالخيانة، وإن كان هذا النعت يفترض أنكم كنتم متشبعين بالفكر الفلسفي وتخليتم عنه، وهذا محال فيكم، وإن كان لا يستثنى في قليل منكم. اصمتوا فلربما يصدق فيكم القول: الصمت حكمة . وآخر الكلام، يوم فلسفة جميل ولحظة تأمل وانطلاق ومرح ونشاط، أدعوا من خلاله أصدقاء الفلسفة إلى ممارسة النشاط الفلسفي حتى يستمر، وحتى يجدد، وحتى لا نكون سلفيينا في فلسفتنا، وحتى نقاوم ثقافة العداء ثقافة الظلام، ثقافة الخرافة، ثقافة البلادة، ثقافة السكون والانزواء. ومن خلاله أدعوا صديقة الفلسفة إلى ممارسة الفلسفة كما يتطلبها الفكر الفلسفي، لأنه إذا استطاعت أنثى مجتمعنا التحرر والتطلع للإنسانية كفكر وكروح حرة منعتقة ناقدة، ذات مروءة وكرامة، سنكون قد بدأنا في تهويد ثقافتنا البئيسة بعادتها بتقاليدها بدينها بسياستها بتربيتها القائمة على الذكورة. انطلقن أيتها الإناث لأنني أعول عليكن في جرح نرجسية مجتمعنا الذكورية فأنتن أداة التغيير الحقيقية لكسب رهان تغيير ثقافة مجتمعنا وملامسة الإنسانية، فلا تحرر لمجتمع بلا تحرر للأنثى، لأن كل ما لا يؤنث لا يعول عليه. وأنتم يا ذكور مجتمعنا يا أصدقاء الفلسفة، ساهموا في تهويد سيكولوجية مجتمعنا الذكورية وهي نبني معا واقعا إنسانيا نرتقي به للالتحام مع إنسان البسيطة. تحية فلسفية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 11 / 20 - 23:34 )
الخلاصة : في عام 1927 وضع (هايزنبرج) مبدأ (عدم اليقين) أو مبدأ (الريبة) , و هو مبدأ فيزيائي من المباديء التي تحكم الكون , ينُص هذا المبدأ على (أننا ممنوعون من معرفة الحقيقة الكلية , و ليس لنا أن نختار إلا نصف الحقيقة أما الحقيقة الكاملة فنحن ممنوعون عنها) .
يعتبر مبدأ (عدم اليقين) لـ(هايزنبرج) قانون صارم من قوانين (الطبيعة) ولا يرتبط بأي شكل ببعض القصور الموجود في أجهزتنا , و هو مبدأ يُعلمنا أنه ليس في وسع الانسان إلا المعرفة الجزئية أما المعرفة الكُلية فهذه حكمة لم يُسمح لنا بالاطلاع عليها .
و يعتبر هذا المبدأ من أعظم المبادئ أثراً في تاريخ العلم الحديث حيث أنه يضع حداً لقدرة الإنسان على قياس الأشياء .

اخر الافلام

.. ”أنت رهن الاعتقال“.. توقيف صحفية أثناء توثيقها لعنف الشرطة م


.. أضرار جسيمة إثر إعصار قوي ضرب ولاية ميشيغان الأمريكية




.. نافذة إنسانية.. تداعيات توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في رفح


.. مراسل الجزيرة: قوات كبيرة من جيش وشرطة الاحتلال تقتحم مخيم ش




.. شاحنة تسير عكس الاتجاه في سلطنة عُمان فتصدم 11 مركبة وتقتل 3