الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجل الكهف

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 11 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل تحاورت يوماً مع شخصٍ متعصب -و لو ظاهرياً- لدينه؟؟..نعم؟؟..رائع فهذا الأمر يعني أنك ستدرك ما سأعنيه بقولي إنها دائماً ما تكون -بالنسبة إليَّ على الأقل- من تلك اللحظات القليلة التي أدرك أني في نهايتها سأتلوث حتماً بصديدٍ يسكبه ذلك الشخص فوق روحي..و لكوني أقطن في مجتمعٍ تسوده قامعةً -لي كما لسواي- الأغلبية المسلمة فلأتحدث عن الطريقة التي يتبعها أتباع ذلك الدين تحديداً أثناء حوارهم مع الآخر و لأبتعد عن التعميم تجاه أتباع الديانات الأخرى.

المسلم -بشكلٍ عام- يعاني جداً أثناء أي نقاش يخوضه مع الآخر المختلف عنه و لو قليلاً..فالثقافة الدينية التي تربى عليها أغلب المسلمين تحاصر عقولهم منذ الطفولة فقط لتصيبهم بنوعٍ غريب من أنواع الخلل و الذي يجعلهم لا يتمكنون من إدراك المعنى الحقيقي لكلمة "حوار"..فالحوار المثمر بالنسبة لتلك الأغلبية هو الحوار الذي ينتهي بخضوعك لقوانين دينها بكل ما تحمل من تفاصيل فكرية و وجهات نظرٍ أحادية حتى و لو كنت لا تؤمن أصلاً بذلك الدين من الأساس أو لست من أتباعه!!.

بل أنك غالباً ما ستجد أن أغلب المسلمين الذين تناقشهم في عالمك الافتراضي -لصعوبة ممارسة ذلك النقاش بذلك السقف المرتفع على أرض الواقع دون أن تطير عنقك بحجة ازدرائك للأديان- يعجزون عن ممارسة الرقُي اللفظي في حوارهم معك..و هذا الأمر نتيجة طبيعية لثقافة دينية تربيهم على أن العنف تجاه الآخر -أياً كان نوعه- هو عنفٌ مبرر بل و في أغلب الأوقات له إجازته الشرعية الدينية التي تعتق صاحبها من فكرة الذنب.

هكذا سنجد أن ما تقوم الأديان به -بشكلٍ عامٍ- هو أنها تقوم و بكل عنف بقمع تلك الغريزة الأساسية التي تتواجد لدى كل فرد متبعٍ لها ألا و هي غريزة التفكُّر..فقط لتمنح حق ممارسة ذلك الأمر لبضعة أفراد نيابةً عن الملايين من أتباع هذا الدين أو ذك..و هكذا تصبح أغلبية الأفراد المُنقادة دينياً كائنات متراجعة فكرياً لأنها تؤمن -و ربما بعنف- بأن بضعة أفراد ينتمون لدينهم و يمثلون السلطة الدينية في المجتمع قد منحهم الرب قدراتٍ إلهية ما تمكنهم دون غيرهم من ممارسة ذلك التفكير!!.

و لكننا للمفارقة سنجد أن ذات الفرد المُنقاد لا يحتمل غالباً في ذات الوقت فكرة امتلاك أفرادٍ آخرين -لا ينتمون لطبقة السلطة الدينية في مجتمعه- لتلك الغريزة التي فقدها هو رغماً عنه سابقاً طواعيةً فيما بعد..فنجد أن أي حوار يبدأ بين شخصٍ يناقش فكرة ما و شخص تعود على الانقياد خلف أفراد يمثلون السلطة الدينية في مجتمعه -كما الدين من وجهة نظره- سينتهي غالباً بطريقةٍ عنيفة تجاه ذلك الآخر إما بممارسة العنف اللفظي تجاهه أو بما هو أسوء و هو تحريض الآخرين لإلحاق الأذى الجسدي به.

و ما داعش كفكرة إلا انعكاس لثقافة العجز عن الحوار تلك..تلك الحالة من العجز الفكري تعتبر مشكلة إنسانية نواجهها ربما بشكلٍ شبه يومي في حياتنا و لكن المشكلة الأكبر هي أن مناصريَّ فكرة داعش في العالم الافتراضي هم أيضاً من العاجزين فكرياً بذات المقدار و ربما بمقدارٍ أسوأ..و لكن الفارق الوحيد بينهم و بين أفراد داعش المتواجدين على أرض الواقع هو أن الفرصة لم تُمنح لهم بعد لينحروك بسكينٍ حقيقية فقرروا الاستعاضة عنها بسكينٍ أخرى افتراضية حتى حين.

هذا العنف الافتراضي -كما الواقعي- الذي يمارسه أغلب المسلمون تجاه الآخرين المختلفين عنهم و المخالفين لهم ليس سببه أنك تناقش الأفكار الدينية الخاطئة من وجهة نظرك بل لأنك تخضع قناعاتهم الدينية للنقد من وجهة نظرهم..هكذا و حتى لو كان نقاشك معهم إنساني بشكلٍ بحت ستجدهم يحاولون استدراجك بكل ما أوتوا من قوة إلى منطقة "الدين" لأنها المنطقة الوحيدة التي يشعرون أنه بتواجدهم فيها -رغم إلغائها لعقولهم- ستمنحهم قدسيةً ما و ستمنحك تهمةً ما.

ما أعلمه -أو ما أنا على يقينٍ منه حالياً على الأقل- أن البذاءة اللفظية أو التحريض على العنف الجسدي تجاه الآخر -فقط بسبب الاختلاف الفكري حول أي امر- يعكسان حالة من العجز الفكري الواضح و التي يعاني منها الطرف الذي يُمعن في استخدامهما..بل أني أجده بقيامه بتلك الأمور يتجاهل و بإصرارٍ غريب حقيقة أن تشريح الأفكار و عرضها للتفنيد أو للإثبات هو أمر صحي تماماً..فهو يجعلك تعيش حالة عقلية نشطة فلا يُصاب عقلك بالخمول فقط لأنك قررت أن تحيله إلى التقاعد منذ أن كان في العاشرة من عمرك و فقط لأن هناك رجل دين أخبرك أن تفكيرك من الكبائر التي هو على استعداد لتحمل وزرها نيابةً عنك!!.

الحوار هو مرحلة من مراحل تطور الإنسان الباحث عن التواصل و التفاعل مع المحيط البشري الذي يحيط به..ذلك التطور الذي قد تكون آخر مراحله هي تقبل اختلاف وجهات النظر و التعايش السلمي مع ذلك الأمر..المرحلة الأولى و البدائية من فكرة الحوار كانت مرحلة رجل الكهف -رغم تحفظي على لفظة "رجل" فيها لأن فيها إصرار على ربط الرجولة بالتوحش- بكل ما تحمل من عنفٍ و همجية تجاه الآخر بُغية فرض سلطة الفرد الجسدية -دون الفكرية- على الآخرين..و رغم مرور ملايين السنين منذ تلك المرحلة و اعتقادنا الطبيعي أننا تجاوزناها بالضرورة -لأن الدافع لتلك المرحلة البدائية كان إشباع الغرائز الأساسية في ظل بيئةٍ تنافسية- إلا أننا في حقيقة الأمر سنجد أننا الآن نعود إلى تلك المرحلة و لكن دون غرائز لكي تُشبع..بل لأن المحرك الرئيسي الحديث لهذه المرحلة الهمجية المعاصرة أصبح الهوس بمنح إطارٍ دينيٍ ما لكل تفاصيل حياتنا مهما صغُرت.

و لعل الاختلاف الوحيد الذي سنلاحظه في تفاصيل تلك المرحلتين قديماً و حديثاً هو أن رجل الكهف قديماً كان يقمع كل من يُشعره بالتهديد عن طريق قتله مما جعل الأمر -بشكلٍ ما- يصبح غريزةً لديه يحاول إشباعها متى ما استطاع لذلك سبيلا..بينما الآن و بسبب وسائل التواصل الاجتماعي و التباعد الجسدي بين الأفراد أصبح القتل كتنفيذٍ عملي لفكرة القمع تلك أقل تواجداً "نسبياً" في محيطنا الواقعي..فقط لتحل محله كُلاً من البذاءة اللفظية و التهديد اللفظي بالسجن و التحريض على القتل لتصبح تلك الأمور هي الغريزة الجديدة التي يحاول المهووسون دينياً إشباعها بشكلٍ مستمر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذا هو حقيقة الاسلام
مروان سعيد ( 2014 / 11 / 28 - 22:58 )
تحية للاستاذة زين اليوسف المحترمة
الاسلام خدع المسلمين بقران رفعهم واوهمهم بانهم الاعلون واوهم بان كل الحقيقة هي ضمن جنبات ذلك الكتاب وانه لاريب فيه مع كل هذه الاختلافات التي به وانه حمال اوجه ووعد المؤمنين اذا غزوا وسبوا البشر بحور عين وغلمان
لذا تجدين المسلم الحقيقي نائم بالاحلام وبكهف عميق ويحلم بحور العين دون اعمال العقل والحوار معهم خسارة محققة للمحاور
وهذه حقيقة الاسلام بحوار مع الدكتورة وفاء سلطان والشيخ عمر البكري
https://www.youtube.com/watch?v=KnEKB8BRk3M
انه تكلم بصراحة بانهم في وهم عظيم وبانهم سيغزوا الغرب واميركة ومقالك ينطبق عليهم تماما
والمشكلة بدانا نحن نتعصب ونتغير كردة فعل معاكسة
وللجميع مودتي


2 - الفاضله زين
ضرغام ( 2014 / 11 / 29 - 04:39 )
شيء يدعو للاعجاب حقا...المقال لايصدر ألا عن انسانه واعيه ذو عقل مستنير وواعي تماما لما يدور في بلاد همجستان

http://syriaalyom.com/index/?p=7473

لاحظت أنك، وعلي موقعك في الحوار المتمدن، تصفين نفسك بأنك **مُدونة يمنية..لكن و لكوني أنثى فهذا يجعل مني -نصف- كاتب...** لكن الحقيقه أنك كاتبه علي مستوي فكري مرموق ومتميز...أرجو ألا تلقي بالا لتعليقات مثل الصادره عن أبوبدر ألخ.....راوي. اهنيء نفسي والساده القراء المحترمين (فقط) بوجودك معنا علي صفحات الحوار. تحياتي لشخصك وللساده الحضور



3 - إلى ضرغام
زين اليوسف ( 2014 / 11 / 29 - 10:46 )
أولاً شكراً على رأيك الذي أتمنى أن أكون مستحقة لربعه على الأقل فهذا يكفيني لكي أشعر بالرضا تجاه نفسي و تجاه ما يقرأه الآخرون لي...
ثانياً النقد لا بأس به على الإطلاق..بل على العكس ربما ما أبحث عنه دوماً بعد كل مقال هو التعليقات الناقدة لأني أشعر أنها بطريقة ما تفيديني لأنها قد تمنحني زاوية جديدة لوجهة نظر جديدة لم أفكر بها من قبل..اما النقد لمجرد النقد فهو يضر صاحبه أكثر مما يضرني...
تحياتي لك و لكل من يقرأ لي معجباً و موافقاً أو رافضاً و منتقداً...


4 - تعليق الى رجل الكهف
ايدن حسين ( 2014 / 11 / 29 - 12:35 )

تحية طيبة

بداية اقول .. انا لا اقبل بتصرفات داعش

هل لي بسؤال .. لماذا انت ضد داعش .. لانها تقتل .. لانها تذبح .. بمعنى ان داعش تسلب الناس حق الحياة .. الحياة القصيرة و التي ستنتهي في يوم ما

المسلم عندما ينفعل مع متحاور مضاد له في الفكر .. مع الملحد مثلا .. فلانه لا يريد ان يدخل احد الى النار .. الحياة الاخروية التي هي تستمر بشكل خالد .. و التي مع الاسف لا احد يقدر ان يقول انها حقيقة مائة بالمائة .. تماما كما ان احدا لا يستطيع اثبات عدم وجودها مائة بالمائة

طبعا ليس كل مسلم يعي هذا .. و لكن فلسفة المسلم مبنية على هذا

لهذا السبب .. المفروض ان لا احد يجوز له ان ينزعج من حدة المسلم في النقاش

و سلامي



5 - إلى ايدن حسين
زين اليوسف ( 2014 / 11 / 29 - 17:00 )
أشعرني التعليق لوهلة بالإمتنان لداعش و من هم على خطاهم يسيرون..أي أننا جميعاً عندما يقرر أحدهم أن يذبحنا بلسانه أو بسكينه فيجب أن لا نغضب بل يجب أن نشعر بالإمتنان له لأنه يرسلنا إلى القبر سريعاً خوفاً علينا من الحياة فإرتكاب المعاصي فالذهاب إلى النار...

ليست المشكلة تلك الصورة الكاريكاتورية في تعليقك و لكن المشكلة أن التعليق يحوي الكثير من الإيمان بحق وصاية المسلم عقلياً على سائر البشر و بوجوب إنصياع الآخرين لتلك الوصاية التي دافعها رغم كل عنفها و بشاعتها هو -الحب-!!..و هو ما أختلف معه حوله و بشدة...

تحياتي لك و لتعليقك...


6 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 11 / 29 - 21:33 )
تابعِ :
- منتدى (التوحيد) :
http://www.eltwhed.com/vb/
و هذا المنتدى خاص لمناظرة (الملاحدة) و (الربوبية) , لذلك ؛ تابعِ المناظرات فيه .
- منتديات (حراس العقيدة) :
http://www.hurras.org/vb/forum.php
و هذا المنتدى متخصص بمناظرة (المسيحيين) , لذلك ؛ تابعِ المناظرات فيه .

اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب