الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنقذوا التعليم: أوقفوا تدريس اللغة الإنجليزية

ناجح شاهين

2014 / 11 / 29
التربية والتعليم والبحث العلمي




سوف ينزعج الكثير منا من هذا النداء: "اللغة الإنجليزية مرة واحدة، مش التاريخ، ولا التربية المدنية، ولا التكنولوجيا اللي ما حدا فاهم شو موضوعها؟"
نعم اللغة الإنجليزية تشكل كارثة كبرى في النظام التعليم الفلسطيني بخاصة، والعربي بعامة للأسباب التالية:
أولاً، وفوق كل شيء، لأن الطالب في بلادنا دون طلاب الأرض جميعاً يتعرض لدراسة لغتين غير اللغة الأم في وقت واحد. وهذا على ما يبدو فوق طاقة العقل الإنساني. ليست اللغة شيئاً بسيطاً مثلما السباحة ليتعلمه المرء في بضعة أسابيع. اللغة سيرورة معقدة تستمر على امتداد حياتنا، ومعظم البشر يموتون دون أن يتقنوا لغتهم الأم. في بلادنا نحن نتعلم اللغة العربية الفصيحة التي هي لغة ثانية، بمعنى أنها ليست اللغة الأم؛ اللغة الأم في البلاد العربية هي العامية: الفلسطينية، أو المصرية، أو الجزائرية، أو العراقية...الخ ونحن نتعلم أيضاً الإنجليزية أو الفرنسية. أحياناً في بعض المدارس يتعلم الطفل ثلاث لغات في وقت واحد: العربية، والإنجليزية والفرنسية أو الألمانية بحسب مصادر الدعم والتمويل. النتيجة ضياع تام لعقل الطفل وسط الأنظمة اللغوية المختلفة. والنتيجة افتقار المواطن الذي كان طفلاً إلى أية أداة تواصل معرفي وعلمي وثقافي راسخة وقوية. ومن لا يصدقنا يستطيع أن ينظر لا إلى طلبة الجامعات العربية والفلسطينية، وإنما إلى أساتذة الجامعات. وإذا شئنا تحديد الحديث بوطننا الأصغر فلسطين، فإن نظرة عابرة لأي شخص يحتك بالأكاديميا المحلية تدله على أن الأساتذة لا يتقنون الإتقان الملائم للعمل الأكاديمي البحثي والتدريسي أية لغة، لا العربية، ولا الإنجليزية. والنتيجة هي الاضطراب المعرفي عند القراءة والكتابة على السواء.
قارنوا الصورة ببلاد أخرى. المسافة بين المحكية ولغة الكتاب في الإنجليزية لا تكاد تذكر. وعلى الرغم من ذلك فإن الناس في الولايات المتحدة يكتفون بتعلم اللغة الإنجليزية الأم. أذكر أنني أثناء دراستي في الولايات المتحدة لم أواجه أي أكاديمي يعرف لغة غير الإنجليزية باستثناء المختصين في الدارسات الأجنبية بشكل أو بآخر، كأن تكون أستاذة باحثة متخصصة في قضايا الصين في تخصص السياسة المقارنة. في هذه الحالة نجد أنها تتلقى تدريباً يستمر خمس سنوات أو يزيد على اللغة والثقافة الصينية في الصين ذاتها، ثم بعد حصولها على الدكتوراة تواصل صلاتها وعيشها في الصين بين الفينة والفنية حتى تقترب من مستوى استدخال اللغة الصينية وثقافتها على نحو عميق. ما خلا ذلك الناس يكتفون بالإنجليزية ويحمدون الله على تمكنهم منها.
ثانيا: نحن نتعسف في إخضاع الطفل لدراسة لغتين أجنبيتين في الوقت ذاته. العربية الفصيحة، والإنجليزية على الأقل. لا مكان على الأغلب للطفل لممارسة أي من اللغتين في الحياة العامة. والنتيجة أن يفشل الطفل في تحصيل مستوى عال في أي منهما. من نافلة القول إن اللغة العربية تضيع أكثر من الإنجليزية. ففي أحوال كثيرة –خصوصاً- في المدارس الخاصة يمكن أن يكون مدرس الإنجليزية ابن اللغة بشكل كامل أو في مستوى ابن اللغة. وهي حالات تتحقق في كثير من الأحيان بسبب وجود جالية كبيرة من أهل بلادنا في المنافي في شمال أمريكا. وهذا الحال ينطبق على رام الله وبعض مدارسها الخاصة، ولا يمكن تعميمه على الخليل في فلسطين، ولا على الفلوجة في العراق. في المقابل لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نجد مدرساً واحداً يتمتع بصفة أن لغته الأم هي العربية الفصيحة. لأسباب تاريخية ليس هنا محل الخوض فيها ليس هناك من وجود للغة العربية إلا في بطون الكتب. ومن هنا فإن كل من يتعامل مع العربية من المحيط إلى الخليج هو شخص تعلمها في المدارس وليس من أمه وأبيه. بالتالي فإن التلاميذ في المدارس يتلقون اللغة العربية "الأجنبية" من أجانب لا يتقنونها. يكفي أن ندخل محاضرات تخصص اللغة العربية في القاهرة أو بيروت أو بيت لحم لنرى إلى التكلف والتعثر والتصنع والضعف الذي يميز جو المحاضرة. محاضر يحاول كمن يدحرج صخرة أن يقول جملة أو جملتين بالعربية الفصيحة، وطالب لا ينجح أبداً في تلك المهمة. لا بد أن حال اللغة الإنجليزية في بيرزيت وبيت لحم أفضل دون شك.
ثالثاً: يشكل عبء تعلم اللغتين الأجنبيتين العربية الفصيحة والإنجليزية هماً كبيراً على عقل الطفل من ناحيتين: واحدة تتصل بضعف فرصة أن يتقن المتعلم أياً منهما مما يعني عدم تمكنه من أية لغة تقوم بدور حامل المعرفة ووسيلة التواصل بشكل فعال، وأخرى تتصل بضخامة العبء الدراسي الذي ينوء بحمله الطفل في سبيل التمرن على الجوانب المعقدة والواسعة والصعبة لنظامين لغويين يختلفان عن نظامه الأم. وهذا يأتي على حساب الوقت والجهد الذي يمكن إنفاقه على تعلم الرياضيات والفيزياء وطرائق التفكير من بين مهارات أخرى مهمة.
رابعاً: يؤدي الانتشار الواسع للغة الإنجليزية بين المواطنين وخصوصاً في مستوى النخب إلى إضعاف الحاجة إلى الترجمة إلى العربية مثلما إلى إضعاف الحاجة إلى الكتابة بالعربية في المواضيع البحثية المختلفة، وليس سراً أن الكثير من أبناء بلادنا يكتبون بالإنجليزية، وهذا ينطبق على نحو خاص على الناس الذي تلقوا تدريبهم الأكاديمي في العالم الأنجلوساكسوني.
خامساً: إذا كان لنا أن نحلم بتشكيل وحدة إقليمية فضفاضة، لكي لا نقول وحدة عربية تامة، لا بد من التركيز على محاولة تحويل اللغة العربية إلى لغة جامعة تقترب في مستوى إتقانها من مستوى اللغة الأم. وذلك بالطبع لا يتحقق في ظل المنافسة الشرسة مع اللغة الإنجليزية.
سادساً: إذا كنا نحلم بفك الارتباط بالاستعمار الكوني الذي تقوده الولايات المتحدة، لا بد أولاً وقبل كل شيء التحرر من الهيمنة الثقافية الأمريكية التي تجسدها خير تجسيد اللغة الإنجليزية وتطبيقاتها في الأفلام، والإنترنت، وقطاع الأنجزة.
سابعاً: لا علاقة مثلما قد يتوهم بعض الناس بحسن نية بين تعلم الإنجليزية وبين التقدم العلمي والحضاري أو الصناعي. إن الهند على سبيل المثال استدخلت الإنجليزية إلى درجة تفوق بلادنا بكثير، ومن نافلة القول إنها تعرف الإنجليزية خيراً من فرنسا أو روسيا أو الصين. ولكن من البين بذاته أن الهند لم تقلع بسبب ذلك. الصين هي التي تقلع بسرعة الصاروخ على الرغم من أن اللغة الصينية لغة "عجيبة" لم ترتق إلى مستوى النظام الهجائي المخترع من قبل الكنعانيين والمعتمد في منطقة حوض المتوسط حيث انتشر منها إلى أوروبا وشمال أمريكا. وليس ببعيد أن يأتي زمن قريب تصبح الصينية فيه هي اللغة الكونية الأولى، وذلك يجب أن لا يدهشنا، لأن الهيمنة اللغوية والثقافية تابع للهيمنة الاقتصادية والسياسية، ولا ترتبط بمزايا داخلية تتصف بها هذه اللغة أو تلك.
إذن من أجل أن نؤسس لعقل سوي، لا يعيش بلبلة وضعفاً ناجماً عن عدم إتقانه لغة علمية واحدة، ومن أجل التأسيس للإقلاع العلمي، وفك الارتباط بالاستعمار، ووضع الأسس للتقريب بين المواطنين "العرب" لا بد من التوقف عن تدريس اللغات الأجنبية كلها، والاكتفاء بتعليم اللغة "الأجنبية" العربية الفصيحة لعلها تقترب تدريجياً من حالة اللغة الأم. أما إذا كان بيننا من يجد مزايا سحرية في الإنجليزية تجعله غير قادر على التخلي عنها، فيجب عليه أن يطالب علناً بإيقاف تدريس اللغة العربية، فحمل بطيختين لغويتين أجنبيتين في وقت واحد هي عملية تتجاوز إمكانيات العقل الإنساني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة فاشلة جدا
حميد صيادي / كركوكي ( 2014 / 11 / 29 - 12:44 )
ومخيفة و ركيكة مبني على شوفينية ضيقة لا أساس للخوف من تعلم لغة أخرى أو لغات أخرى الشعب السويسري قاطبة يتكلم 5 لغات الانكليزية الإيطالية الفرنسية الألمانية واللغة الحلية القديمة الرومانج ! أين الضرر ؟ ! أتكلم 6 لغات و 5 لهجات محلية بحسابكم أنا عائق خربطت مزاجي وتفكيري للخلط بين هذه اللغات؟ طبعا لاء.
كنا في البيت نتكلم 3 لغات الوالد تركي والوالدة كوردي والتعليم عربي والجيران تركمان و آشورين والبعض أرمن كذلكّ!


2 - تعليق الى انقذوا التعليم
ايدن حسين ( 2014 / 11 / 29 - 13:35 )

تحية طيبة

هل رايت رئيس اميركي يتكلم اللغة الفرنسية او العربية .. انه لا يتكلم الا الانكليزية

هل رايت رئيسا فرنسيا يتكلم غير الفرنسية

لكننا نمدح البعض عندما يتقنون اكثر من لغة

كل سنة يتخرج افواج من المترجمين و بكل اللغات

ماذا يفعل هؤلاء .. هل يبيعون الطرشي في السوق .. اليس عليهم ان يترجموا الكتب و المناهج التدريسية الى اللغة الام للطلاب و القارئين

و سلامي





3 - رسبت يا ناجح
سلام عادل ( 2014 / 11 / 29 - 22:37 )
دعوتك قصيرة النظر وكارثية النتائج لو تمت. ما تسمى بالجامعات والمعاهد العليا فيما يسمى زورا بالدول العربية لم تنتج لنا بحثا اكاديميا محترما باللغة العربية الفصحى او الفصيحة. كل المواد المقررة في جامعات الناطقين بالعربية هي عبارة عن كتب ودراسات مترجمة بشكل خاص من اللغة الانجليزية. العربية لغة تسرق المصطلحات العلمية والتقنية وحتى الفلسفية من غيرها. لقد فشلت في دعوتك وسيبقى الفشل لكل من يفكر مثلك


4 - اوقفوا تدريس مادة التخدير الديني,
ملحد ( 2014 / 11 / 30 - 12:47 )
كان الافضل لك كتابة المقال تحت عنوان:
انقذوا الانسان العربي, اوقفوا تدريس مادة التخدير الديني, عفوا اقصد ما يسمى جحافا ب ( التربية الدينية).......


5 - ciJBnLmYaHfk
Mark ( 2016 / 2 / 1 - 08:29 )
TuRfTp http://www.FyLitCl7Pf7kjQdDUOLQOuaxTXbj5iNG.com

اخر الافلام

.. كيف مهدت والدة نيكو ويليامز طريقه للنجاح؟


.. لبنانيون محتجزون في قبرص بعد رحلة خطيرة عبر قوارب -الموت-




.. ستارمر: -التغيير يبدأ الآن-.. فأي تغيير سيطال السياسة الخارج


.. أوربان في موسكو.. مهمة شخصية أم أوروبية؟ • فرانس 24




.. ماهو مصير هدنة غزة بعد تعديلات حماس على الصفقة؟ | #الظهيرة