الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا أفكر؟

مزوار محمد سعيد

2014 / 11 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لماذا أفكر؟

إن كان الله قد كتب لي مكتوبي، وإن كان رجل الدين هو الذي يشرح لي التعاليم الدينية، ورجل السياسة هو الذي يبرمج لي المشاريع السياسية، ورجل الاقتصاد هو الذي يجعل مني رقما في سجلاته النفعية، والعلماء هم الذين يقترحون علي الحلول المختلفة، والأب كما الأسرة هو الذي يسيّر حياتي التربوية، والمربي، المعلّم والأستاذ هم الذين يوجهون حياتي العلمية، ورئيسي في العمل هو صاحب الأوامر السديدة، والأدباء، الشعراء وحتى الفلاسفة هم المستحوذون على عقلي وقلبي، وزوجتي هي التي تدير البيت، لما أفكر؟ لما أتعب ذاتي بعمل أو فعل هو لا يزيدني سوى تعبا؟ لما أجهد عقلي في مسائل فائدتها الوحيدة هي تمرّدي على الدين أو العلم أو الفلسفة أو العادات والتقاليد، وهذا الفعل لا يعرضني للتكريم، بل للتجريم أو التحريم؟ لما أفكّر؟

أعتقد أنّه حان الوقت لأتمرّد، ولأفكّر كما لو لم أفعل قط من قبل.
التفكير في نظري هو الذي يفصل الأحياء عن الأموات، لا أعني التفكير على طريقة ديكارت أو القديس أغسطين، ولا حتى التفكير على طريقة الرومان أو الأمريكيين، وإنما أقصد بالتفكير تلك العملية التي تثبت أن العقل حيا ولا يزال يشتغل وفق حيوية الرفض والقبول، إنها العملية التي تعطي شهادة ميلاد الابداع من رحم العقم.
إنّ العملية التفكيرية هي متعلقة بتكوين التصورات أكثر مما تتعلق بتركيب الصور بمصوراتها، وهذا بالضبط ما يجعل العملية التفكيرية هي فردية، شخصية، إذ لكل فرد طريقته في أداء هذه العملية. فمهما فعلت الاتجاهات الفكرية أو النظريات المتعددة، وحتى الانساق الفلسفية من أجل الهيمنة على التفكير البشري بشكل عام، فإنها لحد الساعة لم تتمكن من ذلك.
يقول الشاعر الروسي ألكسندر بوشكين: "... ألستُ أنا الذي سقيتك من ماء الصحراء في يوم العطش؟ ألستُ أنا الذي وهبتُ لسانك سلطانا عظيما على العقول؟ كن شجاعا إذن، احتقر الخداع، اتبع درب الحق بهمة عالية... " (ابراهيم اسطنبولي، الحوار المتمدن، العدد: 1823، يوم: 11/02/2007م، المحور: الأدب والفن، "www.ahewar.org").
كما أنّ التفكير في الأدب الفرنسي هو " تصوير أفكار في الروح" حيث ورد في الأثر الفرنسي: "former des idées dans son esprit". (Larousse, dictionnaire de français, Larousse Bordas-France, 1997, p311).
والتفكير في الأدب الانجليزي هو: "امتلاك تصور يبرز الصحة أو الامكانية" كما جاء عند الانجليز ما يلي:
"To have an idea that sth is true´-or-possible"
(Oxford Advanced learner’s Dictionary of current English, As Horny, Oxford university press, p 1609)
أما مالك بن نبي فيرى في هذا الصدد أنّ: "... الفكرة والشخص مرتهنة لشخص يستحوذ لصالحه على سائر الروابط القدسية في عالم الثقافة..." (مالك بن نبي، مشكلة الأفكار في العالم الاسلامي، دار الفكر-دمشق، ط: 1، 2009م، ص: 97)
بينما يضع جبران خليل جبران أهمية التفكير على أنه منسجم مع الأوامر الالهية: "... وإذا جلستم في ظلال الحوْر الوارفة، بين التلال الجميلة، تشاطرون الحقول والمروج البعيدة سلامها وسكينتها وصفاءها، فقولوا حينئذ في قلوبكم: إن الله يستريح في العقل... " (جبران خليل جبران، النبي، دار تلانتيقيت – بجاية، 2003م، ص: 73)
كل حامل لأيديولوجيا معيّنة هو ضد العقل والتفكير الحر، أن تكوّن رأيا على أساس عقلك ولو كان بسيطا تلك خطوة نحو تحرير روحك من أغلالها، إنها فكرة الفيلسوف الجرماني كنط في مقالته الشهيرة حول الأنوار، بها كسر أصنام الرهبنة وظلامها. كما أم فولتير يورد بأنّ من الصعب تحرير الناس من الأغلال التي يبجلونها. إذن الأيديولوجيا هي أغلال العقل، الفكر، الفلسفة والحرية.

ما أخلص إليه أخيرا هو أنّ العقل هو طريق نحو تبيان الحق من الغيّ، ومن يستعمل عقله لا ينخدع، لأنّ مناقشة الأفكار والتمعّن فيها هو طريق الفرد إلى رسم حياة متوازنة، لطالما ناقش الفرد الإنساني الأفكار على فضاءات عديدة، وما التطور التقني إلا مساحة عالمية لتلاقي التفكير بتقاطعات الثقافات، هو المشهد الجليل الذي تنبت في بيئته الفلسفة، لكن كل العجب ممن يسب أساتذته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إنه فعل لا يصدر سوى عن عبد لأيديولوجية معينة، إنه حامل لعقل معطل، كون أنّ مناقشة الأشخاص بدل مناقشة أفكارهم هو فعل لا يصدر عن العقل المفكّر، لأنّ التفكير ينشد النظام المضبوط، ويستوعب اللا-نظام المتأرجح؛ العقل يقود إلى التفكير، والتفكير يقود إلى الحرية، والحرية لا تكون إلا للنبلاء. إذن أنا أفكّر لأكون إنسانا نبيلا وحرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس