الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حكمة الشر ج2
محمد ابداح
2014 / 11 / 30العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وفقا لحكماء الإغريق، فإن الآلهة خيّرة، ومسؤولة عن كل شيء في الكون، لذا فلا يوجد شيء يدعى شرّ كوني ، فكما الظلام يأتي فقط بغياب الضوء، يأتي الشرّ فقط حين يغيب الخير ، وبعبارة أخرى لا يوجد شيء في الكون يدعى الشيطان إلا من وجهة نظر دينية ، فالشر أو الخير هي ذاتها النفع والضرر ، وتظهر طبقاً لنشاطات الإنسان ، فالإيمان بعدم وجود شرّ كوني يعني تحرير عقل الإنسان من الصراع النفسي ، فالإنسان وحده هو من يتحمّل مسؤولية أفعاله، وليس الشيطان، وهو بالتالي مسؤول عن أخطائه وإصلاح نتائجها والتعامل معها، وفي الحقيقة إن الإيمان بالشيطان يجرّد الشخص من إنسانيته ككائن بشري ، فنحن نرتكب الأخطاء ونتعلّم منها، لأن ذلك جزء من طبيعتنا، وليس لأن الشيطان يلعب بنا.
لقد نجح معظم فقهاء الأديان السماوية في عزل عقل الإنسان عن واقعه العملي ، وأفقدوه بذلك جزءاً هاماً من إنسانيته ، حينما جعلوه يؤمن بأن أخطاءه حدثت نتيجة استسلامه لمكائد الشيطان الشيطان ، فهذا الأمر تنصّل للمسؤولية ، ولا يساعد أبداً على فهم الطبيعة البشرية ، فقد كان رهبان الكنسية في العصور الوسطى يشجون رأس المريض بالمطارق والأحذية ! ، لاستخراج الشيطان من جسده ! ، وحينما ظهر الإسلام رسخ مفهوم إستحواذ الشيطان على عقل الإنسان ، فتجد بأن نصف القرآن يخوف أتباعه من غول يدعى الشيطان ، حتى أن هذا الغول قد تحدى الله نفسه لغواية البشر ، كما أن الأحاديث النبوية الشريفة تصور الشيطان بأنه يبول في عقل الإنسان ويدخل من فهمه ويخرج من قفاه، وكأن الله قد خلق جسد الإنسان كملعب أولومبي لكافة أنواع النشاطات الرياضية الشريرة للشيطان ، ويأتي فقهاء الأديان السماوية كي يلقموا أتباع دياناتهم ، تلك الأفكار كما تلقم الأم ثديها لرضيعها ، ليخرج بعدها الإنسان مفصوم الشخصية ، يخاف حتى من ظله ، فعقله مشحون جداً ، لدرجة أنه سيفجر نفسه بين مجموعة من الناس فقط كي يحارب الشيطان ، وليذهب العالم كله للجحيم.
لقد مل العالم من مفهوم الشيطان الذي يفرض نفسه على حياتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية والروحية أيضاً، واستحوذ على العقل والجسد ، لذا فإن هذا المفهوم المزدوج (الخير والشر) يقوم على الأضداد ويغذّي صراعاً لا يفترض أن يكون بين الإنسان ونفسه ، بل أنه حتى لايفترض به أن يكون موجوداً أصلاً ! ، وإنما خلقه رجال الدين بتفسيراتهم وتأولاتهم ومسخهم للعقول.
على الإنسان التفرغ لما هو أهم من محاربة الشيطان ، وهو النظر لحياته وعلمه وبيته وزوجته وأولاده ، وبيئته وعالمه وكونه ، وليس عليه أن يصارع أو يجاهد نفسه ، فالشيطان لايعيش في عقل الإنسان ، ويا أيها الإنسان كائناً من تكون ، مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو غيره ، قف لحظة مع نفسك ، واسألها ، إن كنت أنت شخصاً عاقلاً، هل ستترك عملك وبيتك وزوجتك وأولادك ثم تتوجه لتفجير منزل جارك لانه يختلف عنك في دينه ، ثم تقول بأن الشيطان جعله كافراً فكان لابد من قتله وتخليص العالم من كيده !، بل أنك ستقول بأن من زرع فكرة الشيطان في عقولنا هو من أفقدنا الصلة مع إنسانيتنا، وجعلنا نعادي أجسادنا وعقولنا وجيراننا وأرضنا وحريتنا وسمائنا لأنه أقنعنا أن علينا إما أن ندمّر أنفسنا على هذه الأرض كي نربح جنّة موعودة ، أو أن نواجه جهنم في العالم الثاني ، حسناً أفلا يمكنك القول ببساطة علينا التصالح دوماً مع أنفسنا ، فليس ثمة شيطان يعبث يعقولنا ، وبأنه لاداعي لن أضيع مزيدا من الوقت في الصراع مع نفسي .
فلتكن ما شئت ، كن مسلماً أو يهودياً أو مسيحياً أو حتى بلا دين ، ولكن لاتكن عوداً مع نفسك ، فأنت لست كذلك أصلاً ، فقبل ثلاثة ألاف عام ، كان جدك الفلاح أيها الإنسان ، يأخذ إذن ملكة السماء ( عشتار ) وفق معتقداته الكنعانية في فلسطين ، قبل أن يقطع شجرة ! ، ويزرع في ذات الموقع ثلاث شجيرات جديدة ، ولم يكن حينها قد نزلت الأديان السماوية ، ولم يكن ذلك تخريفاً بل مرآة صدق تعكس تصالح الإنسان مع نفسه أولاً وبيئته المحيطة ، وهو في الواقع من أجمل ما قد يعبّرعن علاقة الإنسان القديم بأرضه التي يعيش عليها، فهو ينظر للشجرة على أنها تمتلك قيماً مادية وروحية ، وليست مجرّد قطعة من الخشب، فالشجرة مخلوق حيّ يجب معاملته بالاحترام والتقدير الذي تستحقّه والحفاظ عليها، هكذا كانت نظرة الإنسان القديم للشجر والحيوان والحجر ، مبنية على الإحترام والتقديس ، تماماً كالفطرة الإنسانية المتوازنة في الأصل مع نفسها ومع محيطها، روحياً ومادياً ، ثم ظهرت الأديان السماوية لتفسر لنا بأن الصراع بين البشر تاريخياً لم يكن نتيجة التنافس على الموارد المادية الطبيعية أو بسبب الطمع والجشع ، أو الظلم والأنانية وغيرها من الأسباب الفطرية، بل لأن الشيطان بال في عقولهم فأفسدها ! ، إن كان هذا التصور صحيحاً أومقبولاً لدى أتباع تلك الديانات، فعلينا الإقرار حينها ، بأن تلك الديانات قد أضافت بعداً أكثر خطورة وأشد فتكا بالبشرية ، من صراعها على الموارد المادية الطبيعية سالفة الذكر، وهو الصراع النفسي ، من خلال إفساد العلاقة بين الإنسان وروحه ، وإيهامه بأن الشيطان قد أفسد روحه ، فعليه محاربة نفسه المحتلة من قبل الشيطان ، بل والأخطر من ذلك ، أضافت الأديان السماوية إلى صراع البشر على الموارد الطبيعية، صراعاً جديداً يدعى صراع الأديان ، فكل دين ينسخ ما قبله ويجب على الجميع اتباع الدين الجديد ، فاليهودية نسخت بالمسحية والأخيرة نسخها الإسلام ، واليهود يرفضون تغيير دينهم، والنصارى متمسكين بدينهم ، والمسلم عليه إقناع الإثنان بأن دينه هو الصيح بل ومحاربتهم ان تطلب الأمر .
أنشأ الإيمان الفطري لدى شعوب الحضارات الأولى ، معابد بسيطة، سعت لتصالح الإنسان مع نفسه لا صراعه معها ، وضمنت سلامة تلك العلاقة وليس إفسادها، كما سعت لصفاء عقله وليس تلويثه ، ركزت على طمأنته لا ترهيبه وارعابه ، أظهرت مكامن القوة بنفسه ولم تتحدى ضعفه أوعجزه الجسدي ، منحته السكينة والهدوء والحكمة والبساطة والزهد، ولم توزع عليه صكوك الغفران ومفاتيح للجنة ، جعلته محباً للسلام لامهوساً بقطع الرؤوس طمعاً بالحور العين ، فلم يكن ثمة صراع على الدين أو المذهب ، لأن إيمان الإنسان الفطري يخبره بأن روحه هي الدين والمذهب، وبأن روحه نفحة من الخالق ، وبقدر ما تكون روحية نقية وصافية وطاهرة ، يكون دينه كذلك ، فإن كان في حالة صراع دائم مع روحه ، فهو أيضاً في صراع مع دينه بل وكل ما يحيط به، وحينها فإن كل مؤسسات الأديان السماوية لن تنجح في صنع السلام بداخله ، فهذا موسى وهو أوّل نبي فعلي بعد إبراهيم ، وفقاً للتوراة، بعدما أخرج الله اليهود من مصر قادهم إلى جنوب كنعان (فلسطين)، وأمره بقتل جميع الكنعانيين، رجالا ونساءاً وشيوخاً وأطفالا، فكانت أول إبادة جماعية في التاريخ ( سفر التثنية 1- 18)، ومؤسسة الدين تلك هي التي أدت إلى مذابح الحقبة الهيلينية بحق اليهود، ومؤسسة الدين تلك هي التي أدت لمذبحة بنو قريضة على يد على يد سعد بن معاذ ، لأنه وفق الحديث النبوي الشريف فقد كان حكم سعد بن معاذ بإعدام يهود بني قريضة من فوق سبع سماوات ( سيرة ابن هشام ) ، وعليه فإن صراع الخير والشر والذي صورته الأديان السماوية ، هو أكبر مصتع ومورّد للنزاعات عرفته البشرية.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. 107-Al-araf
.. 117-Al-araf
.. #شاهد يهود كنديون يقتحمون مبنى البرلمان ويردّدون شعارات مندّ
.. 100-Al-araf
.. 100-Al-araf