الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوح في جدليات – 8 – نباتيون، متعصبونَ، وحشيونَ و متحضرون.

نضال الربضي

2014 / 12 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بوح في جدليات – 8 – نباتيون، متعصبونَ، وحشيونَ و متحضرون.

من لا يأكلون الحيوانات يمتنعون رحمة بها لانها تستطيع التعبير بصراخها و أنينها، و يضيف الدم السائل و تقلصات العضلات و انتفاضات النهاية في جسد الذبيح بعداً إنسانياً يعزز الموقف النافر الهارب من صورة الموت الشنيعة.

فإذا ما فهمنا ووعينا هذا الأمر عرفنا لم لا يشعرون بذات الجُرم و هم يتناولون النباتات و يصرحون بفخر يكاد يكون استعلاء الواعي بأنهم نباتيون، على الرغم من كون النبات حياة تم اجتثاثها من تراب الاستمرارية و النمو إلى ذبول الاقتلاع و فناء الهضم.

إذاً نحن أمام حكم بشري محض و أخلاقية تطورية وضعت درجات لنوع الحياة التي يُسمح بإنهائها و يُقبل و يبُارك فعل الإنهاء فيها مقابل تلك التي يُجرم و يُدان و يُوصم بالبشاعة ذات الفعل فيها، مع أن النتيجة في الحالتين هي الموت للحيوان و النبات، و الاستمرارية للآكل البشري.

و هذا ليس ببعيد عن أخلاق التعصب ضد إثنية أو لون أو جندر أو دين أو طائفة أو مذهب أو طبقة أو تاريخ أو حقبة زمنية أو فكر مخالف. فإذا ما قسنا الكبير على هدي الصغير عرفنا بشرية ما نملك من خلفيات تصوغ حياتنا اليومية و ردور أفعالنا و نظرتنا إلى المستقبل و موقفنا من الآخر.

و قد يبدو لنا للوهلة الأولى أن بعض المجتمعات أو الشعوب أدنى منزلة و قيمة ً من الناحية الأخلاقية فيما تمتلكه من أيدولوجيات من مجتمعات و شعوب أخرى، غير أننا إذا ما تعاملنا معهم وجدنا ذات الدوافع البشرية تحركهم جميعاً، إنما الفرق في مُخرجات ِ و نتائج أيدولوجياتهم الحضارية، و سنعرفُ أيضا ً أن المجتمعات التي ترى في نفسها السمو تـتَّبِع في "تحضير" المجتمعات التي تعُدُّها أدنى منها ممارسات ٍ وحشية لا تقل عن وحشية ِ ما تقول أنها تُحاربه.

و هنا لا بدَّ أن نعترف َ أننا أمام مفارقة ٍ عجيبة يكونُ فيها المُتحضِّرُ وحشيا ً في سبيل ِ حضارته، كي يتخلصَ بالوحشية التي قبلها لنفسها من وحشية ِ الآخر التي أنكرها عليه. و بذلك نعترفُ بقوِّة ِ الفعل أننا وحشيون لكننا نمتلك ُ الوعي الكافي لاستحضار ِ المبررات و التبريرات و الحُجج لنجعل بعض الوحشي ضربا ً من اللازم و الذي لا يمكن الاستغناءُ عنه في سبيل التخلص من الوحشية.

و ستكون النتيجة أن الوحشي يبقى قابعا ً في النفوس ِ لدى الحضاري بينما يظهر في أفعال غير الحضاري واضحا ً غير مُختبئ، و قد تكون خطيئة ُ العربِ الأولى أنهم وحشيونَ فعلا ً و حضاريونَ قولا ً، بينما تبقى الصورة المُزهرة للغربي بأنه مُتحضر بينما تقبعُ الوحشية ُ في داخله.

و نحنُ مُصيبون كلَّ الصواب إذا ما اعترفنا أن الوحش الحضاري الغربي قد نجح في بناء ِ مُجتمعات ٍ دستورية و مُؤسَّسية تجعل من الإنسان ِو حقوقه ِ المقدَّس الوحيد، في حين تراجعات مجتمعاتنا العربية ليكون الإنسانُ هو آخر ما -و لا أقولُ من- يتم الإلتفاتُ إليه، فكان حقَّا ً على المجتمعات ِ العربية النظر ُ بعين الشكِّ و الريبة و الخوف من الغربي الذي يأتيها بأساليبه، لكنها ترتكبُ خطيئة ً شنيعة ً جدَّا ً بعدم قدرتها على النفاذِ ببصيرتها إلى نتائج أساليبه و مُخرجاتها الحضارية فتفشلُ تماما ً في أن تُحضِّر َ من نفسها و تستغرقُ في حروب الدفاع بينما تزدادُ وحشية ً و تخلُّفا ً و همجية ً.

و حينما يفشل ُ الغربيُّ في أن يجد أساليب َ حضارية ً ناقلة ً لتحضُّره، تبقى الحربُ قائمة ً بين الوحشي الحضاري، و الحضاري الوحشي، فيلتقيان و يتساويان ِ في الوحشية، و يفترقان عن الحضارة.

هل نحنُ مختلفونَ كثيرا ً من الداخل، أشكُّ جدَّا ً!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ نضال الربضي المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2014 / 12 / 1 - 15:16 )
تحية و تقدير
افتقدناك لفترة...اطلالتك اليوم اراحتنا...سالنا و الجواب تطمين
المهم حضرت فاهلاً بك
الرموز في هذه المقالة هي من تتكلم
الوحش المتمدن و الوحش المتعفن
الاثنان خارج الانسان وحوش
انسان يبرر لنفسه الاناقة في توحشه و الاخر يرفض ذلك بتوحش
الاخير ربما افضل لانه ربما لا يعرف انه متوحش و يعتبر توحشه دفاع عن نفسه او بطنه لكن ما عذر الانيق الذين يعرف انه متوحش و يرسم الخطط ليتلذذ بتوحشه
اكرر الترحيب و التحية
و سلامات


2 - الأخ العزيز عبد الرضا حمد جاسم
نضال الربضي ( 2014 / 12 / 2 - 06:17 )
صباح الورد و الياسمين أخي الحبيب عبد الرضا،

أسعدتني كلماتكم الطيبة و أتمنى أن تكونوا و الجميع بخير و سلام!

أنا أراقب بصمت و أتأمل بصمت، و أنظر في هذه و تلك و أقيم ما يحدث، و أعتقد أنني مصيب حين أقول أن التطور البيولوجي يصب دوما ً في حتمية ِ الصراع الذي يقوم عليه كل ما في هذا الكون، و هو صراع الحركة الذي لا هدف له و لا غاية، إنما هو الوجود يُظهر نفسه فقط.

يبقى أن الإنسان يجد الغايات و يخلق ُ المعاني، و لذلك ينبغي أن يتذكر بنو البشر و أن يدركوا ضرورة تنظيم الحركة التاريخية لكي يقفوا على نصف الجهة من الصراع فتكون القوانين و الأنظمة الطبيعية على الجهة الأخرى، و بذلك يفهمونها و يطوعونها و يعيشون بمقتضاها و بحسب ما أثروا عليها لصالحهم، لا أن يكونوا كما قالت الراحلة العظيمة أم كلثوم -إنتا و الأيام عليا- :-))))))

أي يجب أن يكونوا مع بعضهم لا ضد بعضهم، و المفتاح هو أن يدركوا أصلهم البيولوجي الجامع المشترك و أن يضعوه فوق كل شيء لتعلوا الأخوة البشرية. و هذه ممكن لكنه صعب لأنه وعي مُرتقي ضد بوهيمية مُتحضرة، و هنا بيت القصيد، وعي ضد بوهيمية متحضرة.

أثمن حضورك و أتمنى لك كل السعادة و الخير.


3 - وينك يازلمة
nasha ( 2014 / 12 / 3 - 03:10 )
تحياتي استاذ نضال
الغريزة هي الاساس الذي تعمل بواسطته الكائنات الحية جميعاً من الانسان الى الحيوان الى النبات والغريزة هي البرمجة الاصلية الثابتة في جينات الكائن الحي .
الوحشية البشرية هي غريزة التنافس على البقاء او هي التصرف الطبيعي للانسان ما قبل التحضر والمدنية.
الانسان بمرور الزمن شذ عن القاعدة ، طور شيئ جديد سماه النظام والاخلاق لا لطيبة قلبه بل لتميز عقله ، وفهم طرق تجنب الالم والموت الى حدٍ ما وحتماً سيستمر في تحسين علاقاته بالكائنات الحية وبمجتمعه البيني الانساني كذلك.
الحروب الآيديولوجية في العالم هي من اجل تحديد طريقة حياة اصلح للمجتمع البشري ليأخذ بها .


4 - تكملة
nasha ( 2014 / 12 / 3 - 03:10 )
الغربيون متطورون فكرياً نسبة الى غيرهم ومن المفروض ان تسود طريقة التعامل التي يتبنوها لان طريقتهم اثبتت انها الانجع بدليل عدد البشر وطريقة معيشتهم الان والتي هي اضعاف ما كان قبل النهضة الغربية.
وحشية الغربيين مبررة لانها تحافظ على الحضارة البشرية . ثقافتهم مرنة وقابلة للتطوير اما وحشية الامم الادنى تطوراً فهي نوع من الانتحار لان الامم الغير متحضرة ستجر العالم الى عكس التطور والرقي الحضاري .
ولا تنسى ان بامكان الغرب ابادة العالم اجمع والاستحواذ على كل الثروات الارضية ولكنه لا يفعل لان تفكيره ارقى من ان يفعل ذلك
الحرب الايديولوجية مفروضة على العالم وليست اختيارية لانها احدى وسائل التطور والتغيير. اذا بقي الغرب مكتوف اليدين لا يحرك ساكن باسم الانسانية والتحضر سيؤدي الى تبديد المنجزات التي حققها البشر عبر آلاف السنين .


5 - نبات
ماجدة منصور ( 2014 / 12 / 3 - 07:05 )
اشتقنا لمقالاتك التي تضج بالقيم.0
أنا أصبحت نباتية لأني أكره منظر الدم و أشكر النبات لأنه لا يحتوي على دماء.0
احترامي


6 - الوحش و السلطة 1
رمسيس حنا ( 2014 / 12 / 3 - 08:50 )
تحية طيبة لك من الأعماق أستاذ نضال و تحية الى فكرك الرصين الذى به تنفذ الى مكنون المكّون النفسى الجمعى لتكشف عن إزدواجية السلوك البشرى الذى لا يستند الى أى رصيد ميتافيزيى بل هو نابع من الأحتياج البشرى لنهج سلوك قد يراه مثاليا لإشباع هذه الإحتياجات بطريقة تضمن له طمئنة قلقه المتزايد على وجوده و ضماناً لبقاءه المرتبط بوجود و إستمرارية مصادر سد هذه الإحتياجات. فشعور النباتيين بالذنب و الجرم نحو أكل الحيوانات و غياب هذا الشعور تماماً عند أكلهم للنباتات رغم أن النتيجة و احدة فى كلتا الحالتين و هى فقد الحياة نتيجة لهذا السلوك يثبت إزدواجية المعايير البشرىة و تطوره الأخلاقى لوضع درجات لنوع الحياة المراد إنهائها؛ و هذه هى بذرة التعصب الذى بدوره أماط اللثام عن الوحش القابع فى كهف اللاشعور بالنسبة للإنسان المتحضر و الذى قد يكشف نفسه إذا ما فشل فى ترويض الوحش الظاهر على السطح فى شراسة و عنف الأنسان غير المتحضر. و دعنى أضيف الى مساهمتك الرائعة أن مسعى الوحش (سواءاً كان مستأنسأ/متحضراً أو بربريا/همجياً ً) هو السلطة و التملك بكل أشكالهما و أنواعهما لطبقات نخبة معينة من الناس... يُتَّبع


7 - الوحش و السلطة 2
رمسيس حنا ( 2014 / 12 / 3 - 08:51 )
فالتعطش للسلطة فى المجتمع الواحد ثم الدولة و العالم أجمع. فالصراع الحقيقى يقع بين طلاب أو طالبى السلطة السياسية و السلطة الأقتصادية و السلطة الدينية و الوقود الحقيقى أو أكباش الفداء الحقيقيون لهذا الصراع هم الفقراء. و عندما يتم حسم الصراع لصالح سلطة و احدة فأنها تفرض إرادتها على السلطتين الأخريين سواءاً بالقوة أو الأحتضان حتى تقوى إحداهما فيتجدد الصراع و يظل جموع الناس العامة /الجمهور/الفقراء و الذين يمثلون أغلبية المجتمع/الدولة/العالم يترقبون – رغم أنهم الوقود – من يكون المنتصر فينضم اليه جمع القطيع حتى يحس بالأمن و الأمان ليضمن بقاء لقمة العيش. ننظر حولنا فى الشرق الأوسط و الدول العربية – بصفة خاصة – عندما كانت السلطة السياسية و تضم معها السلطة الأقتصادية و تخضع السلطة الدينية لإرادتها كانت هناك فترة سلام و كل القطيع فى حالة قيلولة... ثم ماذا حدث عندما قويت السلطة الدينية – هذا المارد الذى خرج من القمقم بعد أن أتخم نفسه برأس المال الطفيلى – أصبحت هى المسيطرة على الموقف؛ أما الطبقة المثقفة و الفلاسفة و -الأنسانيون- فهم فى الظل بسبب قهر السلطات الثلاثة لهم... و هلم دواليك. دمتم بخير


8 - أصبت عزيزي Nasha
نضال الربضي ( 2014 / 12 / 4 - 08:17 )
نهارا ً طيبا ً عزيزي ناشا!

نعم هناك قيم تعلي من شأن الإنسان و أخرى تهدمها و المجتمعات ِ التي تتبناها، و لذلك لا بد من الصراع، هذا هو قانون الطبيعة. نتفق على ضرورة نشر قيم الحياة و العدل و المساواة و رفض الوحشية و الهمجية. كما و نتفق على ضرورة محاربة الإرهاب بكافة أشكاله.

لكن التقصير الإنساني الواضح هو الاستسلام للطريقة الوحشية في الصراع، فمثلا ً كيف نقبل الحرب على غزة؟ ما ذنب أطفال غزة؟ هل نقبل إلقاء قنبلة نووية تكتيكية على الموصل مثلا ً لإبادة داعش؟ لاحظ معي أنني أطرح أمثلة غاية في التطرف لاستخراج إجابات على أسئلة أخلاقية.

طيب نسأل أيضاً: هل نهجر القبائل الأصيلة في مناطق إفريقيا لنبني مصافي نفط في أراضيها لخدمة الحضارة؟ هل يحق لنا مثلا ً أن نفرض قيم الحضارة على قبيلة بدائية بالقوة؟

نسأل: هل يجب أن نفرض على العالم العربي ً قوانين لا تتناسب مع العادات الشرقية بغض النظر عن ظلم النساء؟

جوهر الإجابات يجب أن يحترم الحق الإنساني في الخيار بتوازن (أقول بتوازن) مع الحاجة للارتقاء بالوعي و الحفاظ على قدسية الحياة و عدم الارتداد نحو البوهيمية.

هنا مكمن الصعوبة و يبدو أننا نفشل!

أهلا ً ب


9 - أشكر حضوركِ أستاذة ماجدة
نضال الربضي ( 2014 / 12 / 4 - 08:20 )
أهلا ً بك ِ يا أستاذة ماجدة،

أسعدتني كلماتك ِ الطيبة.

كنت متشوقا ً لمتابعة ِ سيرة حياتك ِ كما رسمتِها في المقالات التي كتبتِ ثم انقطعت ِ، عسى أن يكون المانع خيرا ً، و أتمنى أن تعودي للكتابة فهي طريق الحرية.

أرحب بك ِ.


10 - أصبت َ التشخيص أستاذنا رمسيس حنا
نضال الربضي ( 2014 / 12 / 4 - 08:29 )
مرحبا ً بك أستاذنا الكبير رمسيس،

نعم لقد أصبت َ التشخيص فهي الازدواجية في النظرة على المستوى الفردي و التعطش للسلطة على المستوى القيادي ممثلة ً بالثالوث الخبيث لرجل الدين و رجل المال و رجل السلطة منذ بداية التاريخ المكتوب لغاية الآن.

إن الرأسمالية الحديثة هي شكل استعباد ٍ لطيف يعطي للعبد حرية ً في المأكل و المشرب و الملبس و يزوده بقرض لشراء سيارة و بيت بينما يدور في إطار خدمة السيد دائما ً، بينما تقدم الأيدولوجيات الاشتراكية أحلاماً بالمساواة يرفضها قانون الصراع المحفور في الجينات و يجعل من المستحيل تحقيقها على أرض الواقع.

أدرك هذا الأمر جيدا ً لكني ما زلت أؤمن بضرورة نشر الوعي حتى نُنشئ أجيالا ً تؤمن أكثر و أكثر بالتساوي في الجوهر الإنساني و بهذا نقترب من المساواة المنشودة و نتصالح مع قانون الصراع، و هذه الخاصية الفريدة في إدراك البيولوجي بالوعي الناشئ عن المادة و العمل على تهذيبه تمهيدا ً لاستحضار بيولوجيا جديدة تطورية تطبع لاحقا ً في الأجيال البشرية هي صفة فريدة للجنس البشري العظيم!

أسعدني حضورك َ الجميل و أرحب بك دائما ً.

اخر الافلام

.. استمرار البحث عن مروحية كانت تقل الرئيس الإيراني ووزير الخار


.. لقطات تحولت ا?لى ترندات مع بدر صالح ????




.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن هبوط مروحية كانت تقل الرئيس ا


.. غانتس لنتنياهو: إذا اخترت المصلحة الشخصية في الحرب فسنستقيل




.. شاهد| فرق الإنقاذ تبحث عن طائرة الرئيس الإيراني