الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا و تونس و المشاعر العميقة ,

عائشة التاج

2014 / 12 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أنا و تونس والمشاعر العميقة

بائع الطرابيش بالسوق "لعربي" وجملته النافذة للأعماق :
ارتبطت عندي تونس بمشاعر "جد عميقة " أستشعرها كلما عبرت أرضها الواعدة بالعطاء ,ولقد اختلفت هذه المشاعر باختلاف السياقات
إحداها صورة ذلك الشيخ الجليل بائع الطرابش التقليدية في "السوق العربي" بتونس العاصمة ،والموجود في زاوية إحدى الأزقة الفرعية للزقاق الرئيسي للسوق العتيق حيث تعرض المنتوجات التقليدية سواء منها التونسية أو غيرها ببهاء جميل ,
لازال هذا الإحساس يزورني ومعه صورة هذا الشيخ كلما نطق اسم تونس ,,,,,
لازال "رنين جملته التي أنهاها بكلمة "بنيتي" يطن في أذني وينقل لي أصالة تونس وعمقها العربي الممتد عبر التاريخ ,
جملة نطقت في سياق تجاري أي نعم ،لكنها مفعمة بالحنو " نطق بها هذا الشيخ الطيب وأنا أساومه على طراببش نسوية اقتنيتها من عنده فرد علي ناطقا كلمة "بنيتي" بحنو بالغ , شعرت إثرها أن شلالا من الحنان قادما من أدغال التاريخ اخترقني وبث في أوصالي مشاعر أشعرتني بحميمية الانتماء لتلك الأرض الجميلة ،,,,,
شعرت كأنني بنته فعلا لفرط صدق تلك الكلمة والشحنة التي نطقت بها ,,,,,,والتي لازالت تنبعث من وجداني إلى الآن ,
البنوة الروحية للشاعر البوهيمي
غير بعيد عن هذا التاريخ ، وفي إحدى زياراتي الثقافية حيث شاركت في ملتقى فكري بمدينة "فوسانا " القريبة من الحدود الجزائرية ,,,,,في بداية التسعينات ،هناك جمعتني الصدفة بشيخ آخر ، هو "مثقف بوهيمي" كان صديقا لجون بول سارتر وشاعرا
ينطق الشعر ولو في خطابه اليومي ,,,,كل كلمة عنده شعرا مهما كان هدفها بسيطا ,,,,,كنت جالسة جنبه ونحن نأكل وجبة الغذاء
ومنذ اللحظة الأولى التي التقى بصره ببصري و أنا أتابع كلامه المنساب بتلقائية عجيبة ،فقال للجميع :هذه ابنتي الروحية "
وحرص منذئذ على أن أكون رفقته طوال تلك المدة ، كانت قصيرة لكن شحنتها كانت عميقة فكريا ووجدانيا وأتذكر أنه أعطاني رسالة خاصة أسلمها لسفير تونس بالمغرب وأوصاه فيها عني ،لأنه كان تلميذه سابقا ،لكنني لم أفعل لأنني لا أحب الأمور الرسمية , ولا احب الامتيازات ,
واصل اتصاله بي عبر الرسائل كما حرصت بدوري على زيارته عندما رجعت لتونس رغم طول المسافة لأنه كان يقطن بالقصرين ، واستمتعت برفقته وأصدقاءه للحظات عدت إثرها لتونس العاصمة عبر النقل الخاص الذي يسمونه هناك "اللواج" وقد استغرب زملائي من "مغامرتي تلك ، فلا أحد منهم كان يدرك بأن خيوطا جد سميكة ربطتني بذاك الشاعر البوهيمي الذي تعامل معي كابنته الروحية وقدرت بنوته هذه ولم يكن ممكنا ألا أزوره وأنا في بلده إلى أن علمت من خلال أحد الزملاء أنه توفي رحمة الله عليه ,
الأمن والأمان وحرية التجول للنساء :
وقبل هذا التاريخ ، ,,، في عهد بنعلي ،زرت تونس في سياق عمل جمعوي بين الجمعيات النسائية ، وخرجنا نتجول جماعيا في الشارع الرئيسي ليلا ، وشعرنا بحرية نادرا ما تتحقق في بلد عربي لصالح النساء , فانفجرنا فرحا بتملك لحظات استثنائية من القدرة على التجول ليلا في أمن وأمان ،فلا أحد ضايقنا نهائيا وكانت بالنسبة لنا ولي بالخصوص فرصة للاحتفاء بهذا الإحساس الاستثنائي بتملك المجال والزمان خارج المضايقات الذكورية بنكهتها العربية المعروفة



تمثال ابن خلدون :
وكلما زرت تونس ،أحرص على زيارة ، نصب ابن خلدون " في الشارع الرئيسي للعاصمة التونسية وأجلس جنبه ،احتراما لهذا الهرم الذي أسس "علم الاجتماع العربي " و أستشعر نشوة انتمائه المشترك بين تونس مسقط رأسه والمغرب الذي عاش فيه حقبة طويلة ومارس فيه وظائف متعددة ,,,,,,
وحتى وهذا النصب محاطا بالأسلاك إثر "الثورة التونسية " حرصت على زيارته والجلوس معه أنا وصديقتي السسيولوجية
زهرة ,ننتشي برفقة جدنا المشترك بلذة جميلة في زمن كانت فيه تونس ومعها بلدان عربية أخرى تعيد ترتيب زمنها السياسي ,,,
زملائي السيولوجيين والدفء الأسري المميز :
وكي لا أنسى "الزهرة " فزيارتي لها ولأسرتها قبل سنة فقط ، جعلتني أكتشف دفئا عائليا مميزا ، رغم الشروط المعيشية الحديثة
ربما لأن جذورهم تعود للجنوب التونسي ذي الطبيعة الصحراوية ،ونعمت برفقتها هي وأختها في جو دافيء تتخلله البساطة والتلقائية
وكرم الأحاسيس , ,,,,,أعطت المجال لبوح غزير تتخلله البهجة والفرح والود .
نفس الشيء عشته مع الزميل المحترم الذي استدعاني أول مرة لتونس ، الدكتور نجيب بوطالب وكذا الزميل "ماهر" الذي استضافني وزوجته في بنزرت الرائعة قبل عشرية من الزمن ,
ولا زلت أتذكر أجواء القيروان وجامعتها الراقية ، وأقرأ بين الفينة والأخرى كتابا من تلك الرزمة الباذخة من منشورات الكلية التي أهداني إياها عميدها مشكورا ,,,,بكل كرم و أريحية ,
هذه شذرات قليلة من تلك الأحاسيس التي استشعرتها وأنا أعبر تونس في زيارات ثقافية لكنها وشمت وجداني بحضورها الدائم
كل الاحترام لتونس ولمن يحمل مميزات الخصال الأصيلة من التونسيين والتونسيات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت