الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فهمي هويدي وغلاة الكرد

جورج كتن

2005 / 9 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فهمي هويدي كاتب إسلامي متنور تملأ مقالاته الصحف في مصر والخليج والمشرق.. بغزارة غير مسبوقة, إلا أن نتيجة التدقيق في ما يطرحه بنظرة نقدية لا تأخذ بالمظاهر، هي أن مواقفه تقترب في معظمها من سياسة التضليل.
يقر الكاتب، في مقاله: "مؤشر خطر في تلويح غلاة الأكراد بالانفصال" - الشرق الأوسط 10-8- بمظلومية الكرد ومعاناتهم، إلا أنه يعتبرها مساوية لمعاناة العرب ضحايا النظام البعثي, رغم تخصيص النظام الكرد بسياسات التعريب والتهجير القسري بمئات الألوف والتجريد من المنازل والأراضي الزراعية وتحويل ملكياتها لعشائر عربية وتدمير آلاف القرى والبلدات الكردية والإبادة الجماعية بالغازات السامة، الذي أدى لفرار كردي مليوني للجبال والحدود المجاورة هرباً من زحف جيش النظام الفاشي على كردستان العراق في ربيع 1991...
العراق بكافة قومياته وطوائفه عانى من القمع الدموي الصدامي، لكن الفارق أن معظم العراق تنتهي معاناته مع قيام نظام ديمقراطي، بينما شرط انتهاء معاناة الكرد بالإضافة لذلك إنشاء حكمهم الذاتي الفيدرالي ضمن العراق الموحد. لقد دعا "هويدي" الكرد لطوي الأحزان والمرارات، ألا أنه امتعض من عدم قبولهم اعتبارهم جزءاً من الأمة العربية، وهذا يعني أنه يرى تعريبهم كما حاول قبله النظام السابق، وهو بدعوته لهوية عربية وإسلامية للعراق يعني عملياً استثناء الكرد والقوميات والطوائف الأخرى المقيمة في العراق منذ آلاف السنين من المواطنة العراقية أو قبول مواطنة من الدرجة الثانية.
يتهم "هويدي" الكرد "بتأجيج الخصومة مع المسلمين والعرب"، متناسياً أن تخوين الكرد هو الرأي السائد في الأوساط السياسية العربية كنتيجة لتحريض غلاة القوميين والإسلاميين, فقد اتهمهم "هويدي" بالسعي "لتصبح كردستان العراق قاعدة للقوى الخارجية الأميركية والإسرائيلية.. تستخدمها لتصفية الحساب مع العرب والمسلمين"، دون أن يكلف نفسه الأتيان بأي دليل على وجود إسرائيلي ما في كردستان، بينما تجاهل في كتاباته القواعد العسكرية الأميركية المتواجدة في معظم دول الخليج "الإسلامية" التي تنشر مقالاته وتبرزه في فضائياتها.
يخفي "هويدي" عدائه للكرد وراء اتهام من يدعوهم "غلاة الأكراد", الذين حذروا من المماطلة في حل المسائل التي تهم الكرد، كحدود الإقليم وكركوك والبشمركة وتوزيع الموارد الطبيعية...التي اعتبر الكاتب الطلبات بشأنها تحضيراً للانفصال, لذلك حض "عقلاء الكرد" على التحرك ضد "الغلاة" المتهورين، متوهماً أنه يخاطب قراءاً لا يعلمون ما يجري في العالم، متناسياً أن دفق المعلومات لا يقتصر على إعلام "الصحوة الإسلامية"، وأن البرلمان الكردي الذي أقر الفيدرالية منذ أوائل التسعينيات منتخب من قبل الشعب ويمثل كل التلاوين والأحزاب السياسية للإقليم، وأن مسيرات طالبت بحق تقرير المصير كحق غير قابل للإلغاء، وقد استخدمه الكرد في برلمانهم لإقرار الفيدرالية رغم جرائم النظام السابق بحقهم، ورغم توجيه الاتهامات لهم من نخب إسلامية وعربية.
وربما يكون أحد أهم أسباب "مغالاة" الكاتب في العداء للكرد هو ما ذكره عن "رفضهم فرض هوية أسلامية على العراق"، فمن المعلوم أنه رغم وجود أحزاب إسلامية كردية كأقلية في البرلمان، فأن غالبية البرلمان والأحزاب الكردية علمانية التوجه تعارض دعوة "هويدي" لخلط الدين بالسياسة لاستبدال الديكتاتورية الصدامية البائدة بديكتاتورية دينية. ويلتقي في ذلك التحالف الكردستاني كأكبر قوة علمانية مع التيارات السياسية العلمانية العربية في العراق.
ولتكتمل الصورة التي يريدها "هويدي" للعراق كما رسمها في مخيلته، فهو يتحدث عن قيام توافق سني-شيعي ضد الكرد "لتعزيز وحدة العراق", وهو توافق مزعوم يناقض الوقائع المعروفة, فالتوافق الذي عزز وحدة العراق هو الائتلاف الشيعي مع التحالف الكردستاني، بينما السنة في معظمهم قاطعوا الانتخابات بجهود أمثال "هويدي" من إسلاميين معتدلين ومتطرفين, رفضوا الانتخابات "تحت الاحتلال" وحضوا على المقاطعة وتوعدوا بالويل والثبور لمن يشارك فيها، وأضاف "هويدي" إلى ذلك في مقالاته, التعبير عن الامتعاض من فشل الإرهابيين في إعاقة الانتخابات, فضلاً عن انتقاد الانتخابات الرئاسية الفلسطينية التي جرت "تحت الاحتلال".. ولا نعلم إن كان سيستمر في فتواه بالمقاطعة بعد عودة "علماء" السنة عن مقاطعتهم التي نصح بها فطاحل الإسلام السياسي، فيما تعود حماس عن مقاطعتها للمشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية القادمة.
وبما أن " هويدي" إسلامي "متنور" فمسألة فلسطين في المركز من اهتماماته، وآخر ابتكاراته المنافية للوقائع أن الانسحاب من غزة "ملعوب"! و"إنجاز مسموم"!، وأن السلطة الفلسطينية مستقوية بالإسرائيليين والأميركيين –مثل غلاة الكرد- تدعي مواجهة الفلتان الأمني كذريعة " لشل حركة حماس ووراثة الوضع في غزة"، ومن حسن الحظ أن حماس لم تسر حسب سياسته العدمية فاعتبرت الانسحاب نصراً. كما أن السلطة لا تتعدى صلاحياتها المنبثقة من تصويت غالبية فلسطينية للرئيس عباس مؤيدة برنامجه لوقف العمل المسلح وحصر حمل السلاح في أجهزة السلطة والعودة لحلول تفاوضية سلمية.
يرفض "هويدي" أي انسحاب إسرائيلي "لأن هدفه تسويق التطبيع مع العرب"!!، ولو استجابت مصر لنصائحه لانسحبت من سيناء وتركتها لإسرائيل خوفاً من التطبيع مع الشعب المصري!!. لا ندري إن كانت مواقفه "المغالية" يمكن تصنيفها في التنوير والوسطية التي يدعو لها ظاهرياً. ربما يكون أدرى بمصلحة الفلسطينيين كما هو أدرى بمصلحة الكرد؟! فهو يعتمد في أحد مقالاته على تبشير العرب والمسلمين, بكارثة تهدد مصير الدولة العبرية وتنهي المشروع الإسرائيلي, فلا بأس إذن من تنمية الأوهام ومنع التفكير بالوقائع العنيدة والاكتفاء بفتاوى "هويدي" الخيالية في انتظار "الكارثة القادمة". و"الله يستر" من كارثة للعرب لو وجدت هذه الأفكار طريقها لصناع قرارهم.
يسوق "هويدي" نفسه في مقالاته "عروبياً" فيشيد بالمؤتمر القومي- الإسلامي الذي يجمع التيارين سوياً، ولكنه يمارس تضليله المعهود بدعوة التيار القومي لفك الارتباط بين القومية والعلمانية لمزيد من التقارب بين التيارين، ومؤدى هذه الدعوة لمن يدقق في بواطنها توريث القوميين أنفسهم للإسلام السياسي.
كما أن "هويدي" رغم إدانته للإرهاب يعتبره خطأ يمكن تصحيحه، لذلك دافع عن نظام طالبان وصور إزالته كحملة ضد المسلمين، فهو لا يميز بينهم وبين "الإسلاميين" الذين يستخدمون الإسلام ونصوصه ومنابره للوصول لأهدافهم السياسية. كما دافع عن العمليات الانتحارية الإجرامية وعن مقتدى الصدر عندما حمل أتباعه السلاح إلى جانب إرهابيي الزرقاوي. كما رفض إلغاء الدعوة للجهاد ضد الآخر من المناهج التعليمية.
و"هويدي" مع الديمقراطية، وبما أنها الآن "موضة" فهو يلصقها بأربع منظمات مسلحة عراقية من أصل خمسة –مستثنياً منظمة الزرقاوي-, فهي برأيه "منظمات تدعو لديمقراطية حقيقية"، رغم أنه بعد استثناء الزرقاوي لا يبقى سوى مخلفات النظام الصدامي، المحظوظة بوجود منظر إسلامي يدمقرطها لتغطية إرهابها الفاضح.
في نهاية مقاله يوجه "هويدي" للكرد تهديداً لتحضيرهم للانفصال حسب ادعائه، بتخويفهم من "النظام العربي بعد أن يعود لسابق قوته"، ولا بد أن القوة التي يأمل بها, أنظمة عربية استولى عليها الإسلام السياسي "المتنور", وهي عودة مستحيلة بعد أن شبع النظام العربي انهياراً وأصبحت عظامه مكاحل, فالعودة للعصور الظلامية يبقى حلماً يراود مخيلة البعض، فيما المنطقة تسير رغم الإعاقة السلفية المؤقتة نحو مواكبة العصر والالتحاق بالركب الإنساني الحضاري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -نفقد هويتنا كيهود وبشر-.. عامي أيالون يعلق على صور -سيلفي-


.. الجنايات الكويتية تقضي بحبس نائب مقرب من الإخوان بتهمة التدخ




.. استهدفت مركز شرطة وكنيسة أرثوذكسية ومعبد يهودي.. من يقف وراء


.. 122-An-Nisa




.. مشاهد تظهر آثار الدمار في معبد يهودي وكنيسة في داغستان الروس