الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلام بصفته احتجاج سلبي

مالوم ابو رغيف

2014 / 12 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما هو سر التهافت على التأسلم والاقبال على الانظمام في صفوف لاحزاب الاسلامية والتصويت لها في الانتخابات والدفاع عنها وعن قادتها العبوسين فكرا وشكلا مع ان هذه الاحزاب تفتقر للبرامج الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ولا توعد الناس بشيء اخر سوى تطبيق الشريعة واقامة الحدود والحجر على النساء؟
هل فقدت الناس عقولها ام قد اصابها نوع من الماسوخية ولذة تعذيب الذات ؟
للاجابة على هذ التساؤل نود ان نشير الى ثلاثة مراحل مختلفة متلاحقة مر بها الاسلام في مراحل تطوره واستمرت تاثيراتها بشكل او باخر الى يومنا هذا.
المرحلة الاولى وهي المرحلة المكية حيث كان الاسلام يوعد ولا يتوعد يترجى ولا يهدد. الاله الاسلامي في بدايته لم يكن جبارا ولا حقودا، كان رحمانا رحيما، والرحمةـ الكلمة التي تعج بها الادبيات الاسلامية، تعني رفقة في التعامل ومغفرة وعفوا وانصافا في الاحكام، لذلك كانت فاتحة ومطلع الآيات القرآنية تشير الى صفة الاله الرحيم كاغواء لاجتذاب جمهرة الفقراء والعبيد والمحرومين، بينما نقمة العقاب كانت تظهر هنا وهناك كاشارات مخفية ومستترة، فالاغنياء والمتسلطون لا تخيفهم تهديدات الدين ولا يهمهم غضب الاله.
كان الاسلام في مرحلته المكية دعوة لقليل من الشفقة والصدقة استغلها النبي محمد ليحرز مكانا في قلوب المعذبين والمحرومين الذين وجدوا في دعوته بارقة امل ومنفذا ولو وهميا للخروج معتقلات اليأس والقنوط.
الجنة كانت وعد الفقراء والاذلاء باطفاء غلمة الاحتباس الجنسي واشباع بطونهم الخاوية وبخلاص من شقاء الكد والكدح والاذلال اليومي. لقد وجد الفقراء في الاسلام املا حتى وان تعذر تحقيقه، فقد كان يكفيهم ان يغمضوا العيون عليه ليحلموا بسعادة الانعتاق من الشقاء.
ولعل مشهدا العبد بلال الحبشي وهو يُعذب في حرراة القيض ويرضخ تحت ثقل صخرة كبيرة ويكاد ان يلفظ انفاسه ضمئا و سمية ام عمار بن ياسر وهي تموت بعد ان نزعت السياط جلدها عن عظمها، نموذجان يمثلان اصرارا على التمسك بحلم الانعتاق من العبودية ولا يمثلان موقفا ايمانيا بالاسلام. اذ ماذا يهم العبد، اكان بلال او كانت سمية او غيرهما ان كان الاله من تمر او حجر او من خيال،
اكان اله واحد او عدة الهة، أكان اسمه بعل او هبل، فالعبيد لا ينتمون لاله، فاسم الاله ولونه وهويته حكر على اعتبارات القبيلة التي دائما ما يكون الفقراء والعبيد في هامشها، انه اله الطبقة المسيطرة اما العبيد فليس لهم اله .
الانتماء للاسلام بالنسبة لبلال ولسمية وبقية المضطهدين لم يكن ايمانا بالرب (الله)، ولا بنبوة محمد، ولا انبهارا بايات القرآن، لقد كان تحديا شخصيا لسلطة الاستعباد وموقفا صلبا للمواجهة وجد في الاسلام المكي فرصة للرفض.
في المرحلة الثانية، وهي المرحلة اليثربية، اي بعد هجرة المكيين الى يثرب، لم تعد الدعوة المحمدية مقتصرة على الاغواء بالجنة بغلمانها وبحورها، بطعامها وبشرابها وبخمورها وبقصورها، اذ ناب الجهاد (الغزو)عن الوعود واصبح اقصر الطرق للحصول على المال والنساء. ورغم ان صفة الرحمة ترد دائما في مطلع ايات القرآن، اصبح المسلمون لا يرحمون لا قريب ولا غريب، فبلال الحبشي ذلك العبد الذي كان يسترجي الرحمة ويستجدي العطف والشفقة، عندما رأى مالكه وسيده امية بن خلف اسيرا عند عبد الرحمن بن عوف في غزوة بدر، هجم عليه مستعينا برهط من المسلمين وقطعوه هو وابنه بالسيوف وسلبوا درعيهما ولم يعيروا اعتبار لجيرة بن عوف لهما ولا للاعراف التي لا تجيز قتل الاسير الاعزل.
لقد انتقل الاسلام من الحالة الاحتجاجية الى الحالة الانتقامية، وطغت النقمة على ايات الرحمة، واصبحت الرحمة لا تعني سوى تخفيف العذاب الذي يفرضه الله في الاخرة على عباده المساكين. واصبح التأسلم طريقا للنجاة وووسيلة للتخلص ليس من عقاب الاخرة بل من عقاب الدنيا الذي يفرضه المؤمنون على الذين لا يؤمنون او على الذين يقترفون اي عمل قد لا ينسجم واحكام الدين الجديد.
بعد وفاة النبي محمد وتسلم ابو بكر الخلافة، اصبحت النقمة احد الركائز الاساسية للاسلام وبدت وكانها ركن من اركانه. فحروب ما سمي بالردة ليس سوى انتقام لما اعتبر خروج على الدين، وهي في جوهرها ليس سوى اسكات لاي احتجاج او انتقاد لتصرفات رهط الصحابة الحاكم. ومثل ما كانت الناس تخشى سلطة زعماء ورؤساء واغنياء قريش، اصبحت تخشى سلطة كبار الصحابة الذين زادوا ثروة ونفوذا وسلطة. ولقلة وشحة موارد جزيرة العرب ولـتأسلم الغلبة الغالبة من السكان، لم تعد غزوات السلب والنهب كافية لسد نفقات طبقة الصحابة الحاكمة، فانصبت نقمة الاسلاميين على الاقوام الاخرى بتهمة الضلال وعدم الايمان بالاسلام اذ، وكما يقول القرآن ان الدين عند الله الاسلام.
لقد تجذرت النقمة في الاسلام بعد ما يسمى بحروب الفتح، اذ انهم وفي سبيل الله يقتلون وينهبون ويغتصبون براحة بال وضمير ويرتجون من الله ثوابا على افعالهم.
المرحلة الثالثة هي تلك التي تمثلت بالتمرد على الخليفة الاسلامي بذريعة الولاء لعلي بن ابي طالب. فتيار الولاء العلوي في حقيقته هو تيار انتقادي للخلفاء الاسلاميين ولكبار الصحابة، لقد كان هذا التيار صرخة احتجاج في داخل الدين الاسلامي ضد الاسلام نفسه دون الاعلان صراحة عن هذه الضدية.
لكن لماذا لم يستطع تيار الولاء العلوي تاسيس اسلاما مختلفا عن اسلام جزيرة العرب او اسلام النبي محمد المشحون بنوازع النقمة والقتل والسلب والنهب؟ رغم ان القرامطة، وهم جزء من التيار العلوي منعوا الصلاة باتجاه مكة وجردوا الكعبة من استارها واخذوا حجرها الاسود وحطموه؟
التيار العلوي لم يكن ليخلق دينا اخر، اذ انه بذلك سيهدم الحق الذي استند عليه سعيه للانقلاب على سلطة الخليفة ويضعف ذريعة الاحتجاج، لذلك تحول حق خلافة علي الى حق آلهي وليس حق بالوراثة. ذلك يعني ان حركة التمرد على الخلفاء الامويين والعباسيين كان حركة منبعثة من جوهر الاسلام نفسه وليس اجتهادا او رغبة انسانية.
ان الاله الذي يبتغيه الفقراء والمحرمون هو غير الاله الذي يصدره الاغنياء والمتسلطون الى المعابد والمساجد لفرض سيطرتهم وتقديس جبروتهم، لذلك كان علي بن ابي طالب في التفكير الشيعي الشعبي صورة ما يجب ان يكون عليه الاله بانتماءه الى معسكر الضعفاء.
هذه الصورة استلهمها وتبناها السنة ايضا فيما بعد بشخصية عمر بن الخطاب الذي وصفوه بالفاروق والخليفة العادل وقالوا عدلت فنمت يا عمر، الحديث الذي يروي بان عمر بن الخطاب نام تحت شجرة ولم يكن خائفا من غدر الناقمين لأطمئنانة ووثوقه بعدالته. غير ان عدالة عمر تبدو مقتصرة على المسلمين ولم تكن ذات طابع كوني، اذ انه هو من امر بتهجير اليهود والمسيحيين و بشن حروب الفتح وارسل العساكر الى البلدان البعيدة لفرض سيطرة المسلمين عليها وسبي الاف مؤلفة من النساء والاطفال والرجال، لذلك كانت صورة العدالة في التصور السني غالبا ما تكون مشوشة باستخدام العنف، اي ان العنف والقهر احد وسائل تطبيق العدالة الاسلامية. لكن صورة عمر بن الخطاب في الذهن السني الشعبي هي صورة للمقارنة، فعندما ينتشر الفساد ويجور الحكام يستلهم المسلمون صورة عمر وييستحضرونها كمثال لعزة وشموخ الاسلام ويحاولون اعادة المجد الذي يفترضونه في عهد الصحابة بالانتماء الى الاحزاب الاسلامية او في الحث على التمسك بالاسلام كشريعة صماء وسياسة تستلهم المواقف من روايات التاريخ.
لكن التناقض يكمن في ان صورة عمر بن الخطاب الايجابية في الذهن السني تقود الى حالة سلبية في التطبيق العملي، اذ ان المسلمين يرنون لاعادة عصور مغرقة في القدم اولا، وثانيا ان اعادة الحالة يتطلب طبيعة وسائل تطبيقها وهو العنف والذي تتبناه معظم احزاب الاخوان المسلمين والتنظيمات الارهابية.
في العراق، ورغم ان الاحزاب الاسلامية التي تؤكد انتمائها الى تيار الولاء العلوي، هي الاكثر فسادا وافسادا وتهتكا ولصوصية، ومع هذا يزداد التأسلم يوما بعد اخر حتى اصبح قاعدة التفكير الشعبي، ذلك ان الناس تعتقد ان الاسلام يختلف كليا عن نهج هذه الاحزاب، مع ان، وعلى مر العصور، وفي كافة الفترات الاسلامية الشيعية والسنية لم تبرز صورة وضاءة للاسلام غير تلك الصورة التي يعيشونها اليوم في ظل حكم الاحزاب الاسلامي.
مشكلة الشعوب الاسلامية هي ان بلادنها لم تعرف فكرا تحرريا او نضاليا او حضاريا يكون منافسا للفكر الاسلامي او يطرح كبديل عنه، حتى الافكار القومية التي انتعشت في زمن جمال عبد الناصر، كان الاسلام من ضمن مكوناتها الاساسية، بل انها هي التي استحضرت وتغنت ببطولات اسلامية وصنعت من احاديث الحكاوي ابطالا وهميين.
عندما يكثر الفساد، وعندما يزداد جور وظلم السلطات، وعندما ينتهك القانون ويشعر الانسان بانه ضئيل مسحوق مقموع سيتجه الى الله، الى الدين، الى مخدر كالافيون يعطيه املا وهميا بالخلاص وحلما بالانتقام الالهي..
عندما تغيب سلطة القانون او تنتهك او تداس، عندما تتعاظم سلطة المقتدرين والمتنفذين تلجأ الناس الى الوهم، الى الله كي تخدع نفسها بنفسها بانتقام آلهي لن يروه ابدا.
ــــــــــــــــــ
نحن نعتقد بعدم وجود مسلمين انما متأسلمين، فالدين الاسلامي بعد مرحلته المكية قد فقد صبغته الروحية الدينية واصبح دين منافع ومغانم ومكاسب، لا تنتمي الناس اليه اقتناعا انما اصطناعا، من هنا كلمة التأسلم التي عنينا بها السعي لتحقيق غاية وليس ايمانا بالفكرة، فالشعوب المسلمة في حقيقتها شعوب متأسلمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 12 / 6 - 21:26 )
تم التعليق في خانة الفيس بوك , و السبب : سعة مساحة الكتابة .


2 - شكرا ايها المبدع
محسن المالكي ( 2014 / 12 / 7 - 12:46 )
احييك ايها السيد الكاتب الكريم فقد ابدعت ووضعت كل النقاط على كل الحروف نعم هذه بأختصار حقيقة هذا الدين وحقيقة المذاهب التي انبثقت منه وحقيقة الصحابة شكرا لحضرتك وتحية لقلمك المبدع دائما


3 - شكرا
مالوم ابو رغيف ( 2014 / 12 / 7 - 16:20 )
الزميل محسن المالكي
تحياتي لك
شكرا لك ايها الزميل على التقيم والتقدير واتفاق الاراء
اكرر الشكر والتحية

اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال