الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتهازية أخلاقية!

جواد البشيتي

2014 / 12 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




كان الله في عون الضعفاء من البشر؛ وأعني بـ "الضعفاء" كل إنسان "استضعفه" الأقوياء، أي جعلوه ضعيفاً، وأمعنوا في إضعافه؛ لأنَّ قوَّتهم من ضعفه، وإضعافه؛ فالإنسان لا يُوْلَد ضعيفاً (بالمعنى الاجتماعي والاقتصادي.. والسياسي للضعف) وإنَّما يُصْبِح ضعيفاً. إنَّ ظروف عيشه التي وَجَدَ نفسه فيها، ولم يُرِدْها أو يخترها أو يرغب فيها، هي التي تجعله ضعيفاً، وتجعل للأقوياء سلطاناً عليه، مع أنَّ تغييره لها بما يجعلها أفضل له، أو أقل سوءاً، ليس بالأمر المتعذَّر أو المستحيل.
هؤلاء المستضعفون، الذين يَجِدون العدم خيراً من الوجود، ليسوا بحاجة إلى أنْ يقيِّدوا سلوكهم وتصرُّفهم وموقفهم وقولهم وفعلهم بالقيود المصنوعة من ذَهَب القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية، فإنَّهم (إلاَّ ما شذَّ منهم ونَدَر) يصارِعون من أجل البقاء بأسلحة بعضها من قبيل التفريط في أشياء يكفي أنْ يُفرِّط فيها أي إنسان حتى يَفْقِد إنسانيته، أو آدميته؛ فإنَّها الخرافة بعينها أن تتوقَّع ازدهاراً أخلاقياً وإنسانياً لمجتمع عَمَّه الفقر بشروره كافة.
في ما يخصُّ هؤلاء البشر ليس في وسعي إلاَّ أنْ أقول ما قلت، أي كان الله في عونهم؛ لكنَّ ثمَّة بشر، وفي مجتمعنا، يُشْبِهون أولئك، لجهة خواصِّهم الإنسانية والأخلاقية، مع أنَّ ظروف عيشهم أفضل بكثير، وتسمح لهم بأنْ يحيوا حياتهم بكثير من الكرامة والكبرياء وعزَّة النفس.. والقوَّة بكل معانيها الإنسانية والأخلاقية. إنَّ هؤلاء المتخلِّقين بأخلاق العبيد، وهم ليسوا بعبيد لجهة ظروف عيشهم، يستحقُّون اللعنة والازدراء، وغير جديرين بأنْ تشفق عليهم، أو تَجِدَ لهم أعذاراً.
إنَّهم أُناس يُوْصَفون، عادةً، بأنَّهم "ضعاف النفوس"، وتستبدُّ بهم "ثقافة" مدارها قيم ومبادئ من قبيل "لا خلاص إلا الخلاص الفردي، فاسعَ فيه، وإيَّاكَ أن تسعى في الخلاص الجماعي"؛ "اسْعَ في خطب ودِّ رئيسكَ، وولي نعمتكَ، ولو بما يعود بالضرر على رفاقِك"؛ "داهِن ذوي السلطان، وجاهِد في سبيل الفوز برضاهم، فقد تصبح مثلهم".
وتُصَوَّر هذه الثقافة" المنتشرة في مجتمعاتنا على أنَّها "الحِكَم" التي لا يستنكف عن الأخذ بها، والعمل بمقتضاها، إلا كل أخرق عديم الطموح، ارتضى العيش ابد الدهر بين الحُفَر. إنَّها ثقافة إنْ صَلُحَت لشيء فلا تصلح إلاَّ لخلق بشر يتخلَّقون بأخلاق العبد، أو أخلاق مالك العبيد.
أنْظروا إلى ما أصبح في منزلة "القانون" في مؤسساتنا، إدارةً وعملاً؛ أنْظروا إليه في واقعه، وفي عالمه الحقيقي الذي لا يخالطه وهم؛ أنْظروا إليه بعيون لا تغشاها أوهام؛ فهل يشقُّ عليكم، ويَصْعُب، بعد ذلك، أن تكتشفوا أنَّ "التوزير (الإداري)"، والذي لا يختلف ماهيةً وجوهراً وخواصَّ، عن "التوزير السياسي"، لا يفوز به إلاَّ الأكثر عجزاً، والأقل كفاءةً، والأشد ميلاً إلى الاستخذاء والخضوع، وإلى التخلُّق بأخلاق عبيد روما، والأعظم نفاقاً وتملُّقاً ومداهنةً ومداجاةً، والذي لا يملك من اللسان العربي المبين إلاَّ عبارات التمجيد والتفخيم والتعظيم (الذي يكاد يعدل الكفر) للأسياد، أي لأسياده هو؛ أمَّا الأطول من لسانه الذي يقطر "عسلاً" فأُذُناه؛ وهو كلَّما صعد درجة في "السُلَّم" طالت أُذُناه حتى أصبح هذا الجزء منه (أي أذناه) هو الكلُّ، فهو يَعْلَم أهمية وضرورة ومنفعة أن يكون كله آذاناً صاغية.
و"الحقيقة" عنده ليست سوى ما يُفكِّر فيه أسياده الآن، فلا موازين، ولا مقاييس، لها سوى هذا الميزان، وهذا المقياس!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة- | #مراسلو_سكاي


.. استشهاد الصحفي بهاء عكاشة بقصف إسرائيلي استهدف منزله بمخيم ج




.. شهداء ومصابون جراء غارات إسرائيلية استهدفت مربعا سكنيا بمخيم


.. نشطاء يرفعون علم عملاق لفلسطين على أحد بنايات مدينة ليون الف




.. الاحتجاجات الطلابية على حرب غزة تحقق مطالبها في أكثر من جامع