الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التربية السوريّة بين الانهيار والاستثمار

أمجد آل فخري

2014 / 12 / 10
التربية والتعليم والبحث العلمي



بداية لابدّ من الإشارة أن ما سأستعرضه اليوم ليس بحثاً أكاديميّاً متخصّصاً في التربية، بل توصيفاً لواقع نعيشه ونعاني منه جميعاً، ولا أهدف من هذا إلا الدفع لإبداع حلول يمكن أن نتدارك بها مستقبل وطننا من السقوط المُريع لفترة قد تمتدّ طويلاً..
لعلّ من أبرز ما يلفت النظر قلّة الحديث عن التربية والتعليم في أدبيّات الأحزاب والتيّارات والمنظّمات على اختلاف مشاربها، وأعيد ذلك لقصور أو تقصيرٍ بسبب الواقع الجديد الصادم الذي فرضته تطوّرات الثورة السوريّة بتحوّلاتها المختلفة طيلة أربع سنوات، مرشّحة للاستمرار، وغياب الرؤية الاستراتيجيّة التي تلحظ الخطط والأدوات الموصلة إلى الهدف.
فالتربية في أحدث مفاهيمها، عمليّة تكيّف بين الفرد وبيئته الاجتماعيّة ومظاهرها، وهي عمليّة طويلة الأمد ولا نهاية لها إلا بانتهاء الحياة.
وهي بذلك ضروريّة للفرد للمحافظة على جنسه وتنظيم عواطفه وتنمية ميوله بما يتناسب وثقافة المجتمع الذي تعمل على إدماجه فيه، وبالتالي إنماء شخصيّته وتعزيز حقوقه. وضروريّة للمجتمع للمحافظة على تراثه ونقله إلى الأجيال وتعزيزه بإصلاحه وتنقيته من عيوبه.
وبما أنها كذلك، يمكننا القول إنها تحقّق مجموعة من الوظائف الجوهريّة كالتعليم والتثقيف والتنوير وتحرير الفكر من القيود البالية والسموّ بالإنسان نحو آفاق إيجابيّة، فهي تهدف إلى تغيير المجتمع والدفع به إلى طريق التقدّم.
واعتماداً على ذلك يمكن القول إن العمليّة التربوية فعل يمارسه كائن حيّ في كائن حيّ آخر، فهي موجّهة نحو هدف ينبغي بلوغه، والهدف المحدّد له غاية تهمّ المجموعة التي تقوم بالإشراف عليها. فالنظام التربويّ يتطابق مع المجتمع، فهو يهدف إلى المحافظة على نفوذ الطبقة أو الفئه المسيطرة فيه، وبالتالي فإن المدرسة هي أحد أجهزة الدولة الإيديولوجيّة، فهي التي تؤمّن استنساخ علاقات الإنتاج عن طريق مستويات من التأهيل الدراسيّ، وممارسة الإخضاع للإيديوجيا السائدة.
فالمدرسة في الدول المتخلّفة والمستبدّة تكرّس التلّف والاستعمار، وتساهم في توريث الفقر والبؤس الاجتماعيّ.
وعليه فإن واقع التربية والتعليم في ظل نظام الأسد بحكم كونه نظاماً يعتمد تربية تربويّاً أوتوقراطيّاً، لغته القمع والقهر والتخفّي مدنيّاً وراء قناع الديكتاتوريّة، أدّى إلى تراكم الغضب وشعور الاستلاب والقهر فتبدّى أفعالاً واقعيّة منها الثورة ضدّ الواقع.
إن نظام التعليم في سورية أوّل ضحايا ديكتاتورية واستبداد الأسد، حيث كان مطيّة لنظام قام بهدم منظومة القيم التربوية والأخلاقيّة، وسوّد الفساد موجّهاً لمفاصل العمليّة التربويّة التعليميّة من أدنى المراحل إلى أعلاها.. بالإضافة إلى عملها على تثبيت واقع القهر وإعادة إنتاجه، فصارت مهمّة المدرسة إنتاج قِيَم الخضوع وتفعيل هذه القيم في الحياة الاجتماعية، بالإضافة إلى تنميط عمليّة التعليم ليكون المُخرَجُ متعلّماً بعيداً عن الحريّة والإبداع، ويكون بذلك استغلالاً لإنسانيّة الإنسان لمصلحة السلطة وبقائها.
إن دافع التربية في الأنظمة الاستبداديّة يكاد يكون كلّه سياسيّاً من أجل دعم السلطة واستمرارها، ولذلك فإن السلطة توظّف أنظمة القهر بأدواتها وطاقاتها ومؤسّساتها لإنجاح تربية المواطن واحتواء وعيه لصالحها..
هذه الحال استمرّت في سورية منذ قرابة نصف قرن اختُطف فيه التعليم ليصنع مواطناً صالحاً كما تراه السلطة المستبدّة ( البعثيّة والأسدية )، لا كما يراه المجتمع.
هذه الرؤية لواقع التربية والتعليم في سورية تناوبت عليه الأنظمة منذ الاستقلال وصولاً إلى ( داعش ) مروراً بنصف القرن الأخير.
إنه واقع منهار مضموناً، وجاءت الثورة ليقوم النظام بتسديد الضربة القاضية إليه شكلاً.. ففي الداخل السوريّ تجلّى واضحاً افتقاد المقوّمات العلميّة والعمليّة لاستمرار العمليّة التربويّة التعليميّة، فمن تدمير المدارس أو تحويلها إلى مقرّات أو ثكنات عسكريّة أو مراكز إيواء للنازحين، إلى نقص الكوادر وفقدان الكتاب واللوازم المدرسيّة.... أمّا خارج الوطن فقد تناهبتِ المدرسة السوريّة عوامل انهيار أقسى وأمرّ في المخيّمات أو دول الجوار تدفع بالجيل شيئاً فشيئاً إلى الاندماج بالمجتمعات الموجود فيها، فلا سلطة موجّهة ولا أسس واضحة تسير وفقها العملية التربوية التعليمية، فهي مرتجلة، كأنما مبرّرها الوحيد صار محو الأمّيّة أو متابعة عملية تعليمية سابقة على الثورة، وتنهج ذات النهج عدا تغيير بعض مفردات الكتب المدرسية .. أما المنهج والرؤية التي اعتمدتها العملية التعليمية لدى النظام فهي ذات السيادة على ما سواها..
هذا الانهيار مضموناً عبر أكثر من نصف قرن، وشكلاً عبر أربع سنوات دفع للاستثمار في التربية والتعليم .. ومجالات الاستثمار الأكثر بروزاً.
الاستثمار المالي : توظيف الأموال المهاجرة في هذا القطاع الذي لا دولة تقوم على الإشراف عليه لتحقيق غايات منها :الربح السريع مع غياب رؤية تربوية تسعى لفعل وطني يسد ثغرة في بناء لم يعد موجوداً أصلاً ..
الاستثمار السياسي : لا تفاعل واضح في هذا الباب لأن المفعّل وهو التيارات والأحزاب لم تنظر إلى الأمر بجدية ولم تلحظ مدى خطورته المستقبلية عدا التيارات والأحزاب التي ترتدي عباءة الدين، كالإخوان المسلمين الذين سارعوا للاستثمار مبكّراً بحكم تجربتهم السابقة، واستفادتهم من تجارب أقرانهم في أكثر من دولة عربية وإسلامية، فالمنشئ غالباً والمسيطر هو الإخوان المسلمون على حساب القوى المدنيّة المشتتة الضعيفة..
الاستثمار الإيديولوجيّ: وهو الأعمق أو هو الإسفين الذي لن يظهر تأثيره إلاّ بعد عقد أو عقدين، حيث سيتجلّى أثر التعليم والتربية التي سيطر عليها الإخوان، ومن لبس لباس الدين من تيارا ت متطرّفة مدعومين بأموال وقدرات تنظيميّة تتعدّى قدرة أيّ مؤسسة تقوم على شؤون التربية والتعليم.
الاستثمار العلميّ: يتجلّى هذا الاستثمار في عملية الجذب التي تقوم بها أطراف سوريّة ( إسلامية خاصّة )، للشباب للدراسة أو التخصّص في مختلف الدول على حساب الواقع المنفّر الذي يعيشه الشباب، وبحثه الدائب عن طرق تحقّق له طموحاته.
إن استمرار الانهيار ووصوله حدّ الكارثة لضياع جيل أو أجيال من أبناء سورية، ليس مسؤولاً عنه النظام وحسب، بل أيضاً قوى الثورة التي لم تستطع حتى اللحظة التنظير لتربية بديلة، ناهيك عن عدم قدرتها على الفعل على الأرض وملاقاة معارضيها، ممّا يؤكّد بؤس وتراجع الرؤية الوطنية لحساب التيارات والأحزاب ذات الإيديولوجيا الدينية ..
تُرى هل نستمرّ على مانحن عليه؟
الجواب لا يفيد في التنظير والدراسات والأبحاث، أراه يكمن في التركيز على الخطوات العمليّة لتدارك الانهيار التام عبر اقتراحات قابلة للتحقّق، وإجراءات ممكنة تمكّن من إرساء بنيان تربية وتعليم وطني ديمقراطي ينهض بسورية نحو مستقبل زاهر.
___________________________
كاتب وباحث سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حكام و آآلهة
ماجدة منصور ( 2014 / 12 / 10 - 09:05 )
يا أستاذ...سوريا دولة تأسست على الفساد منذ عقود و هذا الفساد قد أثر في أخلاقيات الشعب ،بكل أسف.0
لقد زرت نصف دول العالم ولم أجد شعبا أتخذ من رئيسه ،طوطما يعبد، سوى الشعب السوري.0
إن دولة بلا أخلاق ستنتج شعبا بلا أخلاق لأن الشعوب على دين حكامها يا محترم.0
أقول قولي هذا و قلبي يقطر دما..على ما وصلت اليه أوضاعنا.0
لقد انهارت سوريا منذ زمن طويل و قبل أن تبدأ هذه (الفوضى)0
لأن حاكمنا الطوطم...وريث سوريا..قد سار على نهج اللذين خلًفوه و كأن اللي خلف ما مات.
و ها هي سوريا تنهار على رؤوسنا ورؤوس حكامها.0
لقد أصبحت سوريا مكانا، لا يليق بالأوادم، العيش به.0
سوريا لا تصلح أن تكون سوى مكانا لحيوانات الغاب العيش به و أسود جائعة تفتك بنا.0
بؤس هذا الحال الذي وصلنا اليه.0
بؤس شعبا إتخذ من حكامه الجيف آلهة تعبد.0
احترامي

اخر الافلام

.. حسين بن محفوظ.. يصف المشاهير بكلمة ويصرح عن من الأنجح بنظره


.. ديربي: سوليفان يزور السعودية اليوم لإجراء مباحثات مع ولي الع




.. اعتداءات جديدة على قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة لغزة عب


.. كتائب القسام تعلن قتل عشرين جنديا إسرائيليا في عمليتين شرقي




.. شهداء ومفقودون بقصف منزل في مخيم بربرة وسط مدينة رفح