الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزوف الشعوب العربية عن القراءة

منعم زيدان صويص

2014 / 12 / 15
التربية والتعليم والبحث العلمي


كان إختراع حروف الهجاء والكتابة قبل حوالي أربعة آلاف سنة نقطة تحول وثورة في حياة الإنسان على هذه الأرض، ومن ثم بدأ تسجيل تاريخ الإنسانية، وأصبحت القراءة نعمة لبني البشر. القراءة هي من أهم، إن لم تكن أهم، وسيلة للمعرفة وانتشار العلم والثقافات المختلفة. أما إختراع وتطور الطباعة في أواسط القرن الخامس عشر فكان ثورة أخرى تعادل ثورة الكمبيوتر والإنترنت في العصر الحديث.

كثيرون هم المفكرون والعلماء الذين عبروا عن شغفهم بالقراءة بقولهم إن أكبر مشكلة يمكن أن تواجههم في حياتهم هي أن يحرموا من القراءة لسبب أو لآخر. فقد قال نجيب محفوظ: "أكبر هزيمة في حياتي هي حرماني من متعة القراءة بعد ضعف نظري." وعرف عن عباقرة العرب والمسلمين أنهم كانوا يعيشون بين الكتب، ويقال أن الجاحظ، ذلك الأديب والمؤلف الفريد، الذي عاش قبل 1200 عام، وُجد ميتا في مكتبته بعد سقوط رف محمل بالكتب عليه.

ودلت الأبحاث الحديثة أن القراءة تحمي الدماغ من مرض الزهايمر،وتخفض مستوى التوتر، وتشجع على التفكير الإيجابي. الذين يقرأون يمتلكون قدرا أكبر من المعرفة، وثبت أن القراءة تساعد على منع التباطؤ في حدة النشاط العقلي في سن الشيخوخة، وتُنمّي المقدرة على التحليل الفكري، وتقوي الذاكرة والمقدرة على الكتابة. ولحسن الحظ، فإن كل هذه النعم المتعلقة بالقراءة لا تكلفنا شيئا، كالهواء والماء، وخاصة في عصرنا الحالي.

ورغم أن أول كلمة في القرآن هي "إقرأ،" غير أن عادة القراءة غير منتشرة بين الشعوب العربية بما يكفي، والدليل أن مجتمعنا لا يقرأ، وأننا ننتج قليلا من الكتب، ونترجم أقل منها من اللغات الأجنبية. في عصر الخليفة المأمون، كانت الدولة العباسية الأولى في العالم في حقل الترجمة، حيث ترجمت الكتب اليونانية والسنسكريتية والفارسية إلى العربية تحت رعاية الخليفة. أما الإحصائيات الدولية فتقول إن اليونان، التي يبلغ عدد سكانها 11 مليونا، تترجم من اللغة الإنجليزية إلى اليونانية خمسة أضعاف ما يترجمه العرب كل سنة من هذه اللغة. وعدد الكتب التي تترجم من الإنجليرية إلى العربية في جميع أنحاء العالم العربي لا تتعدى 360 كتابا في السنة. ويقول الباحثون الدوليون أن عدد الكتب التي ترجمت إلى العربية منذ عهد الخليفة المأمون إلى الآن أقل من عدد الكتب التي ترجمت إلى الإسبانية في عام واحد، وأن هناك أكثر من 70 مليون عربي أمي.

وبينما لا يُقبِل الشباب العرب على القراءة الجادة، نجد أنهم يمضون ساعات طويلة في تصفح الإنترنت، ومن ضمن ذلك الفيسبوك، ولكن كثيرا مما يتبادله الشباب على الشبكة سطحي واهتمامات الكثيرين لا تتعدى تبادل التعليقات والتهاني والمجاملات ومراقبة الفيديو، ولا يقرأون ما يكتبه المدونون والصحافة الألكترونية وما تزخر به الشبكة من معلومات. ولا شك أن الإنترنت وأدواتها غيرت طريقة الكتابة كما نعرفها، فهدف المشترك على الفيسبوك والتوتر، هو إرسال ما يخطر بباله في أقصر وقت ممكن. أما في أوروبا أو أمريكا، فتجد معظم الركاب في وسائل النقل العامة مشغولين بالقراءة - أحدهم يقرأ صحيفة وأخر مجلة وثالث غارق في قراءة كتاب، ورابع يتابع الأحداث على الكمبيوتر المحمول أو على وسائل الإتصال، وينطبق هذا إيضا على الرحلات الجوية.

لماذ لا نقرأ؟ يجب أن يكون هناك سبب، أو أسباب. هل هو ضعف غريزة حب الإستطلاع، أم أن الماده المكتوبة غير جذابة؟ هل يعود السبب إلى وسائل التربية والتعليم والتركيز على التلقين وحفظ النصوص دون فهمها أوالمقدرة على تحليلها؟ كيف نحبب القراءة لأبناءنا؟ هل بالإمكان جعل المادة المكتوبة أسهل وأسلس ومفهومة أكثر؟ بعض المقالات والتحليلات في الصحف لا تشجع على القراءة. أحيانا يعجبك عنوان، وما أن وتبدأ بقراءته حتى تصدمك جُمل طويلة ومعقدة، مع كل واحدة منها عدة جمل معترضة، وعندما يمتلىء ذهنك بالأفكار التي يتطرق إليها الكاتب تتبخر الفكرة الأساسية، وأحيانا يقطع الكاتب نفسُه حبل أفكاره وتنتهي الفقرة قبل أن يفهم القارىء الهدف المقصود، وهناك أمثلة عديدة، ولكننى أخاف أن يكتشف القارىء كاتبيها إذا بحث عنها في "غوغل." وأحيانا يقع المحرر في ورطة، فهو إما أن يعيد كتابة الفقرة، وهذا يأخذ وقتا طويلا ولا يقبله الكاتب، وإما أن يترك المقال كما هو وليكن ما يكون.

الجُمل الطويلة مزعجة جدا وتنفّر القارىء، وقد إكتشف كبار الكتاب قيمة الجمل القصيرة وقوتها ومقدرتها على التعبير، فالكاتب الأمريكي ارنست هيمنغواى، صاحب "الشيخ والبحر،" مشهور بجمله القصيرة التي تنجح في إيصال أفكاره للناس والتأثير عليهم، وكذلك عميد الأدب العربي طه حسين: "وصاحبك هذا الذي جفاك بعد صفاء، ونبا جانبه بك بعد لين، هلوعٌ كغيره من الناس، أشفق أن تجر صداقتك عليه شرا فاتقاه بسد الذرائع كما يقول." إن كل الجمل في القرآن قصيرة وقوية جدا. " إنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفرلك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك، ويهديك صراطا مستقيما، وينصرك الله نصرا عزيزا." ويستطيع الكاتب أن يستعمل الفواصل والنقط وغيرها من الوسائل الكتابية لمساعدة القراء على فهم ما يَكتب، إذا كان الموضوع صعبا. لا أدري ماذا يفيد الطفل إذا حفظ القرآن عن ظهر قلب، إلا إذا كانت الغاية تحسين اللفظ؟ هناك مدارس كاملة الغاية منها تحفيظ القرآن للأطفال. هل يعطى الطفل دروسا لفهم ما يحفظ؟

نرى في الإعلام تصريحات لتربويين واكادميين، يشْكون من أن خريجي المدارس لا يحسنون القراءة الصحيحة، وهذا في حد ذاته كارثة، ولا يقتصر هذا على طلاب المدارس فخريجو الجامعات و كبار موظفي الدولة والرسميين لا يقرأون قراءة صحيحة ويخطئون فى النحو بطريقة واضحة ومُربكة، فالذين يستعملون اللغة العربية في خطاباتهم وتصريحاتهم بدون أخطاء لغوية أو نحوية قليلون جدا. في رأيي أن معلمي اللغة العربية والنحو في المدارس يجب أن يركزوا على القواعد النحوية الأساسية العامة ويخففوا من التركيز على ما يشذ عن القاعدة ولا يظهر فى الكتابة إلا نادرا، والذي لا يُحدث فرقا كبيرا، وبهذا يَسهُل على خريج الصف العاشر القراءة الصحيحة المطلوبة من خطيب أو مذيع راديو أو تلفزيون.

خبراء اللغة العربية والمعلمون مدعوون لاجتراح الوسائل لتحبيب اللغة العربية للأطفال، وحثهم على البحث والإعتماد على أنفسهم في التعلّم. إنهم مدعوون لمعالجة الكتب المدرسية لتبسيط اللغة ولإزالة التعقيدات في النحو التي لا تؤثر في المعنى. أطفالنا بحاجة أن يقرأوا ويفهموا ويحللوا ويفسروا، وينتقدوا ما يقرأونه، فالتلقين والحفظ عن ظهر قلب لا يصنع العقول.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أرجو من القراء مطالعة هذا المقال الرائع
الحكيم البابلي ( 2014 / 12 / 15 - 18:26 )
أخي العزيز منعم .. تحية
رائع جداً مقالك هذا، ولستُ مدعياً لو قلتُ بأني أحمل نفس الفكرة والمشاعر تجاه الكتابة والقراءة، وتحزنني شحة القراء ونوعيتهم وحتى عدم تمييزهم للجيد من الغث في الكتابات والكتب والمقالات، أعتقد أن العالم العربي لا زال يحبو -كنسبة-حين يتعلق الأمر بالقراءة أو حتى بالفهم
لاحظ مثلاً عدم وجود تعليقات على هذا المقال الرائع!، ألا يقول لنا ذلك االكثير عن القراء ونوعيتهم !؟
نقطة واحدة فقط قد لا أتفق فيها معك، وهي تطرقك لمحنة النحو عند الكاتب أو القاريء العربي، حيث برأيي أنه من الضرورة جداً محاولة تبسيط بعض تعقيدات النحو في اللغة العربية، مثال أزمة الهمزة والتي تحوي حوالي 50 طريقة لكتابتها!، وهذا إسفاف وتعقيد ليس منه أو فيه فائدة إلا ردع القاريء أو المتعلم وإنكماشه وإبتعاده عن اللغة أو حتى محاولة الكتابة
هذا إضافة إلى تعقيدات أخرى كثيرة في اللغة العربية والتي من المفروض تبسيطها قدر الإمكان تماشياً مع سهولة ومتطلبات العصر، ولكن .. دائماً نصطدم بدعوى أنه هذه الأمور ثابتة ولا يُمكن تغييرها بسبب القرآن!، ولهذا ستبقى اللغة العربية صعبة ومُعرضة للإنقراض في المستقبل
طلعت ميشو


2 - شكرا ياسيدي
منعم زيدان صويص ( 2014 / 12 / 16 - 22:45 )

لا أعتقد أن بيننا أي إختلافات في الرأي حول هذا الموضوع.

اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً