الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرَّق الاول : رسالة من كافر

كمال بالمقدم

2014 / 12 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هـــــل كل متدين هو منغلق و مؤدلج و مقيد العقل بالـــضرورة ؟ الإجــــابة هي نعم بل إن المتدين [ متشدد ] بكل ما يعنيه اللفظ من معنى و قبل أن تسنوا سيوفكم ضدي مهاجمين دعوني أوضح وجهة نظري التي ستوافقون عليها جميــعاً .

كــــل مؤمن هو متشدد بخصوص مواضيع بعينـــها و أتحدى أي مؤمن أن ينفي هـذا .. الفـــارق هو تفاوت درجات و مواضيع التــشدد ... فأنت كمؤمن تدعي الوسطية و لم تعجبكـ نقطتي التي تعتقد أني ظلمتكـ فيها .. أقول لك : ألست متشدد جدا حيال فكرة وجود الله مثلا ؟
أنت لا تقبل المساومة حول الأمر و كل معارض له هو بالضرورة معارض لكـ ... أليس كذلك ؟ فبينما هناكـ متشدد بخصوص طول الثوب أو إعفاء اللحية .. لديكـ أنت مواضيع أخرى تصنف كـ [ متشدد ] حيالها ..

إدراك هذه النقطة هي أول خطوة لإدراك أنك متشدد في مواضيع تعتبر في منزلة [ المسلمات ] عندك .. أي خرق لهذه المسلمات لن يعجبك بالتأكيد و سيكون المتجاوز لها بمنزلة العدو و لو على الأقل العداء الفـــكري ..المسلمات و نقيضها يعني ذلك حدوث الصدام دوما ... بين من يرى الصحة القطعية لأمر ما و بين من يرى خطأه ... ليست هناكـ مساحات رمادية ابدا ... فأنت إما أن تكون على هذا الجانب أو ذاكـ ... ما نريد أن نصل إليه بكلامنا السابق هو التأسيس لحقيقة أن قطعية الأفكار هو أمر موجود لديك عزيزي المؤمن .. القطعية في الأراء ... يمكن إلصاقها بالمتدين أكثر من غير المتدين ... و هذا ليس تحاملا بل واقعا نصفه كما هو بما كل ما نملك من حيادية ... فبينما يعترف الكثير من غير المتدينين بأنهـــم لا يعرفون أو بأنهم يجهلون .. المعرفة القطعية تأتي من الجانب المتدين ... و لا يمكن أن يحدث - تقريبا - أن تجد في أي نقاش أن الطرف المتدين يقول : لا أدري .. أو : ربما معك حق في هذا .. ابداً ... المتدين دائما يعرف .. فمن أسس أفكاره أنها تتطلب أن يتم قبولها كحقائق ... مع ملاحظة أني لا أتحدث عن أمر لا أعرفه هنا ... فالغير متدين سبق له و أن كان متدين مرة ...

نحن نعرف جيدا ما يعنيه أن تكون متدين و تَأكد أن غالبية اللادينيين كانوا يمارسون نفس السلوكـ الذي تمارسه الآن و ينتهجون نفس النهج ... فالمسألة لا تتعلق بفلان أو علان و مدى طبيعته الشخصية بقدر ما تتعلق بأن الدين عبارة عن منهج متى وجد في العقل فهو سيعمل بطريقة واحدة مهما اختلف الأشخاص ... صدقني ... و لا أعتى اللادينيين و الملحدين الذين تراهم لم يبحث يوما عن كيف يبرر آية تبدو خاطئة علميا أو كيف يبرر تصرف غير مقبول من رمز مقدس في دينه ... أنت لا تمارس أمر خارج عن المألوف .. أن فقط تمارس كونكـ [ متديناً ] ...

أول خطوة لتعرف عقلكـ هي أن تعلم أنه يعمل بطريقة معينة لأن هناك [ برنامج ] يجعله يعمل بهذا الشكل ... أفكارك ليست حرة حتى الآن و ربما لن تكون ابدا ( يعتمد ذلك على : هل ستلغي البرنامج أم لا ؟ )...

* الإيمان العميق بأديولوجية يتنافى تماما مع التفكير الحر .
* الإيمان العميق بأديولوجية ينفي البحث الجاد عن الحقيقة .


إن كنت لا تثق بكلامي فأســــمح لي أن أطرح عليكـ هذا السؤال و لا بأس أن تجيب عليه بينكـ و بين نفسكـ إن تحرجت من كتابة الجواب :


لو حدث و أن دخلت نقاشا فلسفيا حول صحة دينكـ : هل سيكون في نيتك أن تخرج منه و أنت تعتنق الرأي الأكثر إقناعا؟ أم سيكون هدفك أن تخرج منه و أنت لا زلت على دينك بدون أي شكوك و قد زاد إيمانك به ؟

لنترك هذا السؤال و نطرح سؤال أكثر وضوحا سيبين الهدف و الفكرة ... لو حصل أن وجدت شبهة في دينكـ ... ألن تقوم بالبحث عن جواب شافي لهذه الشبهة بدلا من أن تقوم بالبحث عما يعززها و يدلل على صحـــتها ؟ لماذا تحرص أن تجد أجوبة على شبهاتكـ و أن لا تقرأ شبهات غيرها حتى لا يتزعزع إيمانكـ ؟ الجواب ببساطة : أنت مـــؤمن ... مؤمن يا فاضل ... مؤمن ... هل تعرف ماذا يعني كونكـ مؤمن ؟ تعني أنكـ اخترت الطرف الصائب مسبقا ... و الأجوبة الصائبة مسبقا! طبيعي إذن أن تبرر لما هو صائب ذلكـ لأنه صائب و أنت لا تعلم أي شيء سوى أنه صائب و يجب أن يكون صائب .. تلك الأجوبة المعارضة لما تعرفه سترفضها و تقاومها .. ستحاول تخطيئتها و ستحاول ردها و رميها بعيدا لأن صحتها تعني أن ما لديكـ هو خاطيء ... و هذا ما لا يمــــكن أن تقبله ... فعقلكـ لن يقبل إلا ما تريد له أن يقبل ... عقلكـ يريد أن يكون ما تؤمن به صحيح لأن عدم صحته يعني خطأ كل ما تعرفه تقريبا في حياتك من ثوابت .. عقلكـ يريد أن ييثبت صحة ما تؤمن به لأن مصيرك الأخروي محدد بهذا الإيمان ...خسارتك له تعني خسارتك لكل شيء ... إذن لا يمكن أن تعمل إلا في اتجاه واحد لا مفر منه : إثبات صحته بجميع الوسائل ...
و دعني أخبرك هنا عن نقطة بخصوص المصير الأخروي ...

ركز قليلا أرجوكـ ...

مسألة مصيركـ الأخروي هي جادة حتى الموت لديك الآن و أنا أتفق معك تماما .. فلا أحد يريد أن يحترق في نار للأبد ...لا أحد يجادلك حول جدية الأمر .. لكن : فكر معي قليلا ... الأمر يكتسب جديته أساسا ممـــا تؤمن بها في المقام الأول . ألم تفكر بهذا ؟ إثبات خطأ ما تؤمن به يجعل جدية هذه النقطة تزول و تنتهي كسراب قصير العمر ... تأكد أن لا أحد ترك الدين لم يكن في نفس موضعكـ الجدي ! لكن بعد زوال المرض تزول الأعراض .. كن واثقا من هذا ...

الخدعة البسيطة في المسألة هي أن عقلنا المقيد - وقت كنا مؤمنين - لا يستطيع أن يركز على حقيقة أن إنتفاء صحة الإيمان يعني إنتفاء جدية هذه النقطة أيضا ... فأنت غير خائف من العقوبة الأخروية في الهندوسية مثلا ... أليس كذلك ؟ اتساءل لماذا يا ترى ؟ بالتأكيد لأنك لا تؤمن بها ... أنت لا تستلقي على سريرك و تخاف أن يحرقك الأله الهندوسي بناره ... أليس كذلك ؟! الفخ منصوب من داخل الفكرة ... إثبات بطلان الفكرة يجعلها تذهب هي وفخها لـ [ الجحيم ] ... و طبعا ... هذا يتطلب دلائل كاملة لا تقبل الجدل حول خطأ تلك الفكرة أو ذلك المعتقد ... حتى لا يبقى الخوف و التردد حاضرا .! و أحزر ماذا ... الدلائل موجودة و ستجعل هذا الخوف من الماضي الذي ستتندر عليه أحيانا .!

قيود العقل هي أساس المشكلة في تمرير هذا الخداع العـــقلي ... من جديد أعيد : عقلك ليس حرا ... و أول نقطة يجب أن تفعلها حتى تدرك أن عقلك ليس حرا .. هو أن تدرك أن عقلك ليس حرا ...فإنتفاء هذه الوضع مرتبط بإدراكه ... إذا لا يمكن لك أن تغير وضعا أنت لا تعرفه و تدرك انه موجود ... ستتفق معي أنك لا يمكن أن تأخذ دواءً مالم تقتنع بأنك مصاب بالمرض حقا ... فشل أو نجاح تحريرك لعقلك مرتبط بمدى إعترافك بهذه الحقيقة .. ارفض الاعتراف و لن يحصل شيء .. ستبقى في نفس وضعك و أنت لا تدري و لا تدري بأنك لا تدري .. فتقييد العقل ليس اختياراً شخصيا فضلت فيه على سبيل المثال أن تكون مقيد العقل لأنك لو كنت تعلم أنك مقيد العقل لما قبلت بهذه الاهانة المتمثلة في قيود سلبتك النعمة التي تجعل منك إنسانا ...

أنت ببساطة ولدت بعـــقل حر تم تقيده قبل أن يبلغ أشده و يصل لحق الأختيار ... و منذ إنبلاج فجر هذا العقل كان بهذه الحالة ... لذلك هو لا يعرف حاله أخرى غيرها و لا يعتقد بأنه يمكن أن توجد حاله أخرى غيـــرها ... ببساطة ... أنت لا تعرف هذه الحقيقة .. وعليك أن تدرك هذا أيضاً فهي ليست غلطتك في كون عقلك مقيد ... هذه الحقيقة هي التي يعرفها من كسر القيود و سبقك في تكسير الإغلال ( على إعتبار أنك ستلحق به) ... فهو يعلم علم اليقين أن هناك طريقة أخرى من الممكن أن يعمل بها العقل و ليس من جرب مثل من لا يعرف .

لنطرح سؤالا :


لو فرضنا أن طرحي أعلاه جعلك تؤمن بأن عقلك مقيد .. هل ستفعل أي شيء لتغيير الوضع ... في الغالب ستكون الإجابة : لا .

فـ على طريقة خدعة [ جدية الأخروي ] هناك أفخاخ عقلية عديدة تنصب نفسها في سبيل عدم تكسر هذه القيود من أهمها هو [ التفكير الرغبي ] ... أن نعتنق أفكارا معينة و ندافع عن صحتها ليس لأنها صائبة بدرجة لا تقبل الخطأ بل لأنها تحمل فائدة لنا ... مثلا : تجعلنا سعداء .. تجعلنا مطمئنين ... إلخ .! إذا وصلت لهذه المرحلة من أفخاخ ما بعد إدراك حقيقة القيد فما ينقصك هو الشجاعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah