الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العُرُوبة وَالإسّلام: تَحْولات الدَوُلة وَالمُجْتَمْع

حسام كصاي

2014 / 12 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العُرُوبة وَالإسّلام: تَحْولات الدَوُلة وَالمُجْتَمْع
حسام كصاي
كاتب سياسي من العراق مقيم في القاهرة
__________________________________________
من أكثر الملاحظات التي شاهدناها من خلال قراءتنا ومراجعتنا للفكر العربي المعاصر, وتحديداً لإشكالية العلاقة بين العروبة والإسلام هو إن على مر التاريخ كانت هناك شبه ثابتة تاريخية _ وإن تغيرت مع الزمن بعض الشيء _ ألا وهي إن العروبة كانت دوماً تُمثل الدولة بشخصها, ومقامها, ومقوماتها, وإن الإسلام بالمقابل كان يُمثل المجتمع بتنوعاته, وقسماته, ونلاحظ تغليب العروبة _ سيوسولوجيا أو جيبوليتيكياً _ بمعنى الجامعة العربية على الأسلمة بمعنى المناقض أو الند (الجامعة الإسلامية) لكن على مستوى (الدول) لا على مستوى الكائنات الاجتماعية (الجماعات) أو المجتمع بصورته التعميمية, والخلل ربما يكمن في الإسلاميين ذاتهم لأنهم قبلوا أن يُحصروا ويُحجروا في زاوية المجتمع, مع ترك الساحة السياسية مفتوحة على مصراعيها أمام العروبة بما هي تيارات سياسية أو تنظيمات سياسية نخبوية حاكمة تتناوب على عرش الدولة, فأشد الحركات الإسلامية تشدداً وتطرفاً هي الحركة السلفية للإمام محمد عبد الوهاب رغم تشددها وتطرفها إلا إنه قبل لنفسه أن تُمثل وهابيته المجتمع بكل قسماته, مع إطلاق يد أل سعود في تناول الدولة, باتفاق رسمي على أثره تشكلت الدولة العربية السعودية بين دولة عربية ومجتمع إسلامي, وهو أمر يُعبر عن نزعة علمانية داخل البيت السلفي سواء دري بوعي ذلك أم لم يدري عن دراية الأمر.
إذ يعتبر جدّل "الجامعات الهواياتية" صُلب أو جوهر الحراك السياسي الهوياتي الذي تتخاصم عليه موروثات الدين والقومية, فبين الجامعة الإسلامية _ التي مثلت الجانب الديني _ وبين الجامعة العربية _ التي مثلت الجانب القومي _ أبدى الحال إن العالم العربي قد أنقسم على نفسه, فأختار مقياس العروبة للدولة, ومقياس الإسلام أو الإسلاموية للمجتمعات , رغم إن العروبة لم يتم تمثيلها على مر التاريخ تمثيلاً حقيقياً يعطيها حقها التاريخي والحضاري, ولا الإسلام ذاته عجزت الحركات الإسلامية _ المنبثقة من واقعه التاريخي لا الديني _ من تمثيله على أتم الوجه, ذلك لأن الإسلام أكبر من كل الحركات الإسلامية المجتمعة, وأكبر من كل دول العالم, وأكبر من أي كل المشاريع الحضارية, لأن قداسته تترفع على ككل الدنيويات, بما فيها نظم الحكم, أشكال الدولة, السلطة, السياسة, النفوذ الديني والسياسي, وتجلياتهما.
ولأن المجتمع لا يُقدم إلا الاحتجاجات, الانتفاضات, الانقلابات, الفورات, الثورات التي قد لا ترى النور مطلقاً, فقد قبلت التيارات القومية أن تُشغل بال الحركات الإسلامية الصاعدة في المجتمعات العربية الإسلامية بقضايا المجتمع, وطمرها في القصبات والعشوائيات, وتحويل الدين إلى دين شعبي, مع التفرّد بالحكم ومزاولة النفوذ والمال وتقاسمه بينها وبينا ابناءها واحفادها واحفاد احفادها مع بعض يسير من المنتفعين بالثروة, خشية وصول الإسلاميين للسلطة, إلا إن الحركات الإسلامية وعت الحالة, وانتبهت لما يُحاك لها من دسائس النخبة العلمانية الحاكمة, فوفرت لنفسها هذا الطمر والإنعزال على الذات, فغذته عكسياً, فراحت تتشرب في مفاصل المجتمع مع غياب شبه تام للدولة, حتى كبر ذلك الدين الشعبي وانتظم في خلايا سرية وصار رقماً صعباً علنياً, شق عصى الرانية والعمل في الخفاء, ليعلن عن نفه كأكبر الحركات السياسية في العالم العربي والإسلامي, لينتظر لحظة الانفجار الكبير, ليوثب على السلطة والحكومة, ويعلن دعوته السرية, ويتحول إلى تكتكل سياسي كبير, وهو ما حدث فعلاً, بالنسبة لأغلب الحركات الإسلامية في العراق ومصر واليمن وتونس والجزائر وليبيا.
فهناك ثمة أخطاء وقت في شباكهما تيارات العروبة والإسلام, على السواء, فكان الخطأ الفادح الذي ارتكبته الحركات القومية هو قبولها عزل الإسلاميين في طوابير المجتمع دون الدولة, وإن خطأ الحركات الإسلامية هو قبولها بالمجتمع مع ترك الدولة للقوميين والعلمانيين, وإن خطأين لا يساويان صواباً واحداً!
أن ما حدث في العالم العربي من جانب العروبة والإسلام, بما هو قومية ودين, كان أمراً دبر في ليل ومؤامرة حيكت بأجندات وأصابع خارجية, ولأن المصلحة الشخصية كانت قائمة فوق أنقاض مصلحة الأمة, فكانت نتيجة كل ذلك هو الإخلال بمنظومة العلاقة أولاً, ثم الإخلال بمنظومة الأمن والاستقرار ثانياً, وما يشهده العالم العربي اليوم من ثورات, وفورات, وتظاهرات هو ليس وليد اللحظة, وإنما هو ناتج عن تراكم المعاناة والاضطهاد الذي مورس بحق الشعوب العربية, والإسلاميون منهم على وجه الخصوص, فجاء التوقيت المبرمج لقيام ثورات الربيع العربي الذي يصعب تصور حدوثه بدون دفع خارجي, وأقل ما يمكن قوله إن قيام الثورات العربية اليوم هو أكبر دليل على إن العرب ما زالت أمة ناهضة, وحية, وقادرة على التغيير, _ حتى ولو لم تحقق الثورات اهدافها إلا إنها حقق شروط قيامها _ وإنها قادرة على عودة العروبة إلى الواجهة السياسية بعد غياب طال انتظار عودته, ولو لم تكن الطائفية هي إشكالية العصر اليوم, ومأزق العرب, لكان بالإمكان القول إن التيار العروبي السياسي كان الأقرب لحكم "دول الفورات", لولا سرقة الثورة واختطافها.
وما نود الإشارة إليه إن معادلة العروبة والإسلام = الدولة والمجتمع, قد شهدت تغييراً ملحوطاً بفعل العنف الطائفي الذي مارسته الإسلاموية من أجل الوصول إلى السلطة, فأصبحت المعادلة في بعضها جغراسية العرب هي: العروبة والإسلام = المجتمع والدولة, إلا إن هذه المعادلة قابل للتبدّل والتحوّل المرتقب في حال تغيرت المعطيات, أو تم استعادة الثورات المختطفة لأصحابها الأصليين وهم الشباب القومي العربي صاحب الامتياز لقيام الثورات العربية من تونس إلى سوريا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الدين والسياسة
رائد الحواري ( 2014 / 12 / 17 - 15:38 )
الاسلام السياسي نقيض المجتمع المدني، فكل ما يجري في الدول العربية من العراق حتى ليبيا يعد تخبط للتيار الاسلامي السياسي، الذي يريد ان يعود بالمجتمعات الى ما قبل الف واربعمائة عام، ومن هنا لا احد يريد ان يلغي الدين من المجتمع، لكن يجب ابعاد رجال الدين عن السياسية، لان تدخلهم ـ حتى لو كان مع في الوقت الحاضر ـ سيكون اثاره وبالا في المستقبل.


2 - رد على كلام استاذ رائد الحواري
حسام كصاي ( 2014 / 12 / 19 - 16:21 )
لقد كنت في مرمى الحقيقة, إن عزل الدين عن السياسة ضرورة قصوى في الوضع الطائفي المعاش, لكن لا يعني قبول العلمنة بما هي نتاخ غربي

اخر الافلام

.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال


.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا




.. عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي