الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضمير الشر بين الدين والإنسانية (2)

عبدالخالق نجم البهادلي

2014 / 12 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يُمثل هذا الموضوع الجزء الثاني مقال كامل، وقد نشر الجزء الأول في موقع الحوار المتمدن على الرابط http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=446283
تنص تعاليم الإسلام على أن من يؤمن له الجنة ومن يكفر يُخلد في النار (المستوى الأولى من نظرية كولبرج، قبل الخلقي). وقد أمتلئت بطون الكتب الاسلامية بتفاصيل الجنة وثمارها وخمرها وحورياتها، كما امتلئت بتفاصيل مرعبة عن النار وطرائق التعذيب فيها. بل اجتهد الكثير من رجال الدين لجعل التعذيب يبدأ من القبر، والأفاعي التي يسلطها الله على الميت.
كما تنص تعاليم الاسلام على أهمية رضا الله ورضا الرسول ورضا الوالدين (ورضا ولي الأمر لدى بعض الفرق)، وهو ما ينطبق على المستوى الثاني في نظرية كولبرج، المستوى التقليدي.
ثم تنطلق تعاليم الاسلام، لتأكيد أهمية المبادئ التي تحكم المجتمع (المستوى الثالث من نظرية كولبرج)، فيقول الرسول مثلاً: "انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق". و "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". ويقول علي بن أبي طالب: " إلهي، ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك .. لكني وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك".
إذن يبدو أن الإسلام قد حقق الشروط العلمية لاكتساب الضمير لدى المسلمين. فهل يوجد ضمير إسلامي يسمو إلى مستوى المبادئ؟ كل الدلائل تُشير إلى النفي. فكم عدد المتدينين البخلاء الذين لم يتخلوا عن بخلهم؟ علماً أن الرسول يقول: "لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل"، وكم من المتدينين هم من المرتشين، والكذابيين، والمتزلفين، والزناة، وكلاب السلاطين، والقتلة، وأئمة النفاق والفتنة والفرقة .... والقائمة تطول. لماذا لم ينجح التدين في أستأصل شأفة الخصال الذميمة لدى هؤلاء؟
1. يمكن وصف الضمير/ الأخلاق لدى بعض المسلمين بأنه مُثبت في المستوى الأول من الإخلاق، والذي هو قبل الخلقي. حيث أن الجنة والنار حاضرتين في ذهن المسلم دائماً وأبداً، والنار/العقاب أكثر حضوراً من الجنة، يفعل الخير من أجل الجنة، ويتجنب الشر من أجل العتق من النار. فلا أظن أن خطبة جمعة تمر دون أن يكون فيها نصيب كبير لهذين المفردتين. وسبب تثبيت الضمير في هذه المرحلة هو هول الرعب الذي توصف به النار، والتفاصيل التي يتفنن خطباء الجمعة بسردها، ويتلذذون برؤية الخوف في عيون المستمعين، بحيث يُشل تفكير المسلم عما سواه. ويصبح تفكيره أحادي الجانب، "المهم أن لا أدخل النار". كما أن المتع الحسية (طعام وشراب وحوريات) التي توصف بها الجنة تجعل لعاب المسلم يسيل لترات، بحيث يستعجل الموت "الاستشهاد/ الارهاب" للحصول على سبعين حورية وكل حورية لها سبعين وصيفة.
إن التخويف من النار والترغيب في الجنة قد يكون مقبولاً، ولكن بشرط أن ينتقل المسلم إلى المستوى الثاني من التفكير الخلقي، والذي هو المستوى التقليدي.
2. تزييف مفهوم الرحمة الآلهية. نجد في الاسلام أن الله يغفر الذنوب بين الجمعتين. ومن صام رمضان أيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. ومن كفل يتيماً فهو مع الرسول في الجنة. ومن ذهب للحج عاد كما ولدته أمه خالياً من الذنوب. ومن يتوب فأن سيئاته ستتبدل إلى حسنات. المفروض أن هذه الرحمة فقط لمن لا يتعمد الذنب، وإنها بداية لانتقال الضمير إلى المستوى التقليدي. ولكن بالنسبة لبعض المسلمين ستشكل هذه الرحمة هامشاً لفعل ما يريدون دون أي يلتفتوا لمجتمعهم. فمجتمعي لا يملك أن يرسلني إلى النار أو الجنة، الله وحده قادر على ذلك. إذن المهم هي علاقتي بالله وليس بالبشر، وكما تقول رابعة العدوية "وليـت الذي بيـني وبينـك عامر،،، وبـيني وبيـن العــالمين خـراب". وبما أن الله غفور رحيم فلا يمكن أن أدخل النار، وما دمت أصلي وأصوم فلن أدخل النار، وزيادة في الاطمئنان أصلي ركعتين بعد كل صلاة. نلاحظ هنا أن الضمير تمحور فقط على العلاقة بين الإنسان وربه، ولم يتطور ليشمل المعاملات مع الآخرين.
كما يمكن أن نجد عدداً من الراقصات وبائعات هوى، من المصليات والصائمات. فالله غفور رحيم. وهنَ يبررن عملهن بأنه مجرد عمل من أجل لقمة العيش، وهنَ لا يؤذين غير أنفسهن. فعملهن ليس كعمل المرتشين ومختلسي المال العام والقتلة. وأنا أعتقد جازماً، أنهن أكثر شرفاً من هؤلاء، والذين هم أيضاً من المصلين والصائمين بل وحتى ممن ذهبوا إلى رحلة الحج.
مما سبق، فإن ما يحدث هو تشوه للضمير والأخلاق على مستوى السلوكيات اليومية لدى بعض المسلمين، ولكنه لا يُفسر الشر المتفجر في نفوس المجموعات الإسلامية، المتمثل بإلغاء الآخر بل وقتله والتمثيل به. فمن أين جاؤوا بكل هذا الشر؟
1. التدين والعدوان: لدى بعض المسلمين، توجد علاقة طردية بين التدين والعدوان، فكلما زاد تدين المرء زاد بغضه للآخر ونفوره منه. الآخر المختلف في الأفكار والمعتقدات، ولا يشفع للآخر أنه يتفق مع هذا المتدين في الله والرسول والقرآن والصلاة والصوم والحج. كما لا يشفع له إنه إنسان مثله خلقهما الله بإرادته المحضة (وفقاً للمنظور الإسلامي).
إن ما يخلق جزء من هذه العدوانية هي بعض التعبيرات في التدين، والتي تخلق "تضخم ذات زائف" لدى المتدينين. وبالوقت نفسه، تخلق كرهاً وبغضاً نحو الآخر، وهو ما يؤسس لشر لاحق. على سبيل المثال، "شعب الله المختار"، و "خير أمة أخرجت للناس"، و"الفرقة الناجية". فالمتدين يشعر هنا أنه هو الأقرب لله دوناً عن الآخرين. وقد خلق الله السماوات والأرض فقط له/لهم. لديه "صك غفران" من الله. وبالتالي فإنه يملك الحق في تحديد مصير الآخرين. كيف لا، وهو من "الفرقة الناجية" التي لا تدخل النار.
2. عباءة الله: من الإفرازات السلبية للتدين لدى بعض المسلمين، هي أن هؤلاء يرون أنفسهم أنهم فهموا تماماً ما يريده الله من البشر. إنهم أو شيوخهم يتسربلون بعباءة الله. وهم بذلك اكتسبوا الحق في أن يكونوا الادوات التي تحقق الإرادة الإلهية في الأرض. وبغض النظر عن الوسائل والطرائق التي يمكن أن تحقق هذه الإرادة. تفكيرهم سيتمحور على هذه الفكرة فقط، دون أدنى أهمية للقيم الإنسانية الأخرى. والفكر الذي لا يقبل الآخر (الدين أو المذهب أو العرق أو الطائفة) هو بالتأكيد فكراً مشوهاً خالياً وعقيماً. سيطلق التدين العنان لمكنونات الشر الداخلية ودون حسيب أو رقيب، يكفي أن ربهم يرضى بذلك. من الملاحظات التي سجلناها حول هذا الموضوع من خلال العيش في الغرب، هو أن المسلم المهاجر يتقبل الآخر من سكان البلد الأصلي وبغض النظر عن دينه، بل يتقبل الآخر حتى وإن كان ملحداً. لا يتقبله فحسب، بل ينافقه ويتملقه أيضاً. ولكنه لا يتقبل المسلم إذا كان مختلفاً معه في المذهب.
3. خصائص الشخصية: بعض المتدينين يصبحون قتلة، وليس كلهم. وذلك لأن ليس كل البشر لديهم القدرة على القتل، وبالأخص القتل المباشر. ناهيك عن الذبح والتمثيل بالجثث. إن القتل يتطلب خصائص شخصية معينة، مثل (التنشئة الاجتماعية، العدوان، الغضب، العمل قبل التفكير، الإيمان الأعمى ...). المهم هنا، هو أن بعض هؤلاء المتطرفين لديهم ميول للعدوان والجريمة أصلاً، وقد وجدوا في الإسلام غطاءاً شرعياً وأخلاقياً للجرائم التي يمكن أن يقوموا بها. على سبيل المثال، أبو مصعب الزرقاوي الذي كان (أزعراً) في الزرقاء الأردنية. فبدل ان يكون مجرماً يقبع في السجون وموصوم بالعار هو وأهله، أصبح بطلاً مجاهداً يدافع عن الله (وكأن الله بحاجة للبشر لتحقيق إرادته)، ويفتخر به أهله وأصحابه.
يمكن تصنيف القتلة المنتمين إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة بالقتلة المحترفين، حيث أن القتل بالنسبة لهم عادة يومية يعيشون منها، بل ويعدونها رسالتهم في الحياة. كيف لا وهم "جند الله" وأدواته. قد يجد البعض منهم مقاومة نفسية داخلية في بداية إحترافه (جريمته الأولى)، ولكن الذين من حولوه يستخدمون كل الحيل والأساليب النفسية لدفعه على ارتكاب تلك الجريمة. علماً أنه لم ينضم لهذه الجماعة ما لم يكن لديه أصلاً استعداداً للجريمة / القتل، يقف خلف هذا الاستعداد كمية هائلة من الشر.
يؤكد الإسلام ومن بعده نظريات علم النفس، على أهمية التنشئة الأولى للطفل. وقد استفاد تنظيم داعش من تلك المعطيات سلبياً. حيث قام في المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا بتدريب الأطفال على القتل والذبح. فأي مستقبل ينتظر أطفال نشئوا مثل هذه التنشئة؟
يتبع في مقال لاحق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس