الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب ما بعد الأعراب! : (الاستعمار والأعراب صنوان)

ماجد عبد الحميد الكعبي

2014 / 12 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما فتحت كتابا في موضوع (خطاب ما بعد الاستعمار ونقده) إلا و قد وجدت اسما لذلك المفكر العربي الكبير ادوارد سعيد وهو يتصدر قائمة المنظرين لتلك الحقبة النقدية المعاصرة . لقد كشف سعيد غطاءهم وقد عرى خطابهم الثقافي والمعرفي المسيس. الغربيون قبل العرب قد اكتشفوا كثيرا من الزيف و الاوهام التي رافقت الخطابين الثقافي والمعرفي الغربيين اثناء وبعد مرحلة الاستعمار غير المنتهية ، بفضل ما اجترحه سعيد من اسس نظرية وتطبيقية في كتابه القيم الاستشراق.
اليوم ، نحن بحاجة ماسة الى خطاب شبيه يفكك كل القيم الأعرابية التي اسهمت في تشكيل معرفتنا المزيفة و المؤدلجة التي تكدست عبر العصور اخطاؤها ، والتي مازلنا نعاني من تبعاتها الى وقتنا الحاضر وعلى كافة الصعد. لقد تم ايهامنا ان العلماء العرب من الفيلولوجيين مثل الاصمعي و ابي عمرو بن العلاء - من قبله - وغيرهما ، انما كانوا يذهبون الى البوادي برحلات مكوكية ليجمعوا فصيح اللغة من افواه الأعراب . فقد كانوا يبحثون عن النقاء والصفاء اللغويين وقد كان حريا بهم ان يذهبوا الى القران ويقلبوه فيستخرجوا منه قواعدهم ويستخلصوا منه عبرهم و امثلتهم – ان كانوا حقا يرومون الحفاظ على لغته - لكنهم لم يفعلوا إلا قليلا. لقد نقلوا لنا حكايات عن نحوي مولى اسمه عبد الله بن ابي اسحاق الحضرمي كان يلاحق شاعرا عربيا تميميا ، ينحت كلامه من حجر، مستوقفا اياه بين الفينة و الاخرى قائلا له : لقد اخطأت! . كنا نقرأ ذلك ونسمع حكايات مشابهة ونضحك مصدقين ما كان يقال لنا. وقد سألت احد اساتذتي يوما عن احد الاقوال التي لم اقتنع بصوابها فقال لي بصوت اجش : هكذا تكلمت العرب! واكتشفت بعدها ان اللغوي الاعجمي هو الذي تكلم وليس العرب !. كنا نظن ان كل ما قيل عن انتحال الشعر الجاهلي يقع ضمن الاطار العام لنظرية المؤامرة التي تريد ان تلغي تراث الامة و تحرفه. ولم يبادر اذهاننا الشك ولو قليلا في هذا الشعر الذي يشبه بعضه بعضا في كل المقاييس الفنية والموضوعية (واقصد هنا المعلقات تحديدا). فنبحث بعقل منفتح ما صح منه وما كذب.
كنا ندرس البلاغة في اقسامها الثلاثة (المعاني والبديع والبيان) ولم نكن نعلم ان لغتنا الوحيدة من بين لغات العالم التي تمتلك هذا الكم الهائل من الاستعارات( لانها حقا لغة استعارية ) والمفردات الغريبة والعويصة التي لا يستطيع حل طلاسمها الجهابذة الافذاذ. كنا نطرب فرحا عندما نسمع ابا العلاء المعري وهو يرد على منتقديه قائلا : الكلب من لا يعرف سبعين اسما للكلب. لاننا كنا نحسب ذلك من الثراء اللغوي الايجابي ولم نعلم ان ذلك يعد انحرافا في القيم الفنية البنائية للغة وانشطارا في عقلها اللغوي و تشظيا لمفاهيمها المعرفية. كنا نهيم بالزخارف اللغوية و السجع و الاطناب عندما تتساقط المترادفات تترى على اسماعنا فتكل من حفظها القلوب.
اساتذتنا صباحا ومساء يكررون على اسماعنا الاشعار نفسها التي حفظوها كابرا عن كابر عن ظهر قلب ويطالبوننا بحفظها ايضا فتحولت اذهاننا الى اوعية يسكب فيها ما يحبه الاخرون ولا تستطيع ان تلفظ ما لا تدرك معناه. من انت ايها الصعلوك الصغير لكي تعترض على معنى قول قاله الشاعر الفحل ؟ ومن انت ايها المتعلم الغض المبتدئ لكي تقدح بالعلامة الفهامة وحيد عصره و فريد دهره. هكذا ومثلها كانت الاجابات اذا ما أستفهم احد الطلاب.
قديما تعاملوا مع اللغة وعلومها بوصفهما جوهرا تتمركز حوله ذواتهم وجعلوا اللغة غاية في ذاتها وليست وسيلة للتعلم ونقل الافكار. اتخذوها مهنة وصناعة ، فكما ينشغل الصائغ بحليته مزخرفا ومزركشا اياها لكي تروق للمستهلك كذلك كان يفعل اللغوي والنحوي وصاحب الحديث والفقه وغيرهم. لم يكن يعنيهم تطويع اللغة وتطويرها ليسهل استعمالها بل احتكارها وتعقيدها لكي تكون سرا ولغزا خاصا بهم و باتباعهم من المريدين المهللين بمدائح الاساتيذ. فالنحوي المؤدب لابن الخليفة لا يقارن بمؤدب صبيان العامة. حولوا اللغة من اداة تعبيرية تؤدي وظيفة لنقل الافكار والمعارف الى سلعة يتنافس المتنافسون على اقتنائها وحيازتها. حولوها الى ايقونة او قطعة ثمينة تتناقلها افواه ابناء الخلفاء والوزراء و اصحاب الجاه والسلطان وتركوا العامية للعامة. اصبحت اللغة الفصحى خاصة بالطبقة الارستقراطية.
أما في العصر الحديث فقد تعاملنا مع اللغة وعلومها بوصفهما رمزا مقدسا وكنزا موروثا من الاجداد ينبغي الحفاظ عليه ولا يمكن المساس بقدسيته. لذلك اصبحت هذه اللغة العريقة التي كانت وسيلة يتواصل بها اكثر من ثلثي سكان العالم الى لغة شبه منقرضة. وما دامت كذلك فان المتاحف والمكتبات الخاصة والعامة هي الامكنة المناسبة لحفظها وصيانتها.
هكذا هو حال لغتنا وتراثنا اللذين اصبحا اسيرين في المتاحف والمكتبات لم نستفد منها في حياتنا اليومية كما هو حال ثرواتنا الاخرى فالنفط الوفير في ارضنا يتحول الى ثروة في جيوب الأعراب. قديما كانت الثروة اللغوية لدى الأعراب واليوم ثروة النفط لدى الأعراب. فكيف يستقيم هذا الامر ويستوي بهذا الشكل وقد ذمهم الله تعالى في القران الكريم وقدحهم قدحا بأقبح الصفات ؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها